الفاشية النباتية والكفتة

مصطلحات ظهر مصطلح الفاشية لأول مرة مع وصول موسوليني للحكم عام 1922، وفي العموم، يعني مصطلح الفاشية – بتصرّف – محاولة إعادة هيكلة المجتمع، أو أيّ كيان آخر، حسب أيدولجية مسبقة تتضمّن احترامًا وتقديرًا وربما عبادةً من عبادة الشخصيات، الشّخص الأكبر في المنظمة مثلًا، والتعصّب الشّديد والأعمى للفكرة المسبقة، وربما أيضًا الكذب في سبيلها واستخدام العنف.

أمّا النباتية في تعريفها البسيط فهي نظام غذائي يعتمد على أكل النباتات مع الاستغناء عن أكل اللحوم، وعند هذه النقطة يجب التفريق بين نوعين من النباتية. أولهما، النباتية (Vegetarianism) والتي يمتنع فيها الشخص عن أكل اللحوم لكنّه قد يأكل بعض منتجات المملكة الحيوانية مثل البيض واللبن، وثانيهما، النباتية الصرفة (Vegan) وفيها يمتنع الشخص تمامًا عن أكل أيّ شيء يخصّ مملكة الحيوان من الألبان ومشتقاتها والبيض والزبد الحيواني.

وأما مصطلح الكفتة فهو في أصله يشير إلى وجبة عظيمة مكونة من لحم مفروم وبضع توابل ولها طرق عديدة في التحضير ومكوّناتٍ لا حصر لها، لكنّه تحوّل إلى تعبير اصطلاحي في العامية المصرية ليفيد معنى التدليس العلميّ أو الكذب باسم العلم، وقد حدث هذا التحوّل عندما ظهر اللواء المصري عبد العاطي في فبراير 2014 باختراع القوّات المسلّحة لعلاج فيروس سي والإيدز واتضح بعد ذلك – كما هو متوقّع – أنّ الجهاز مجرّد تلفيق وبيعٍ للوهم باسم العلم والقوات المسلحة. وكان أحد مهاجمي الكفتة الأشاوس هو باسم يوسف، إعلاميّ مصريّ سطع نجمه في تلك الفترة، وانتفض ضدّ الكذب والتدليس باسم العلم لصالح أيدولجية دون أخرى لأنّ العلم يجب ألا يكون مؤدلجًا.

باسم يوسف والكفتة

لكن مؤخّرًا، انتقل باسم يوسف من مهاجمة  “الكفتة” إلى صناعتها. فقد كتب منشورًا على موقع الفيس بوك تحدّث فيه عن فوائد النظام النباتي ، وكيف أنّه يتفوّق في فوائده على النظام الحيواني، وكيف أنّ علاقتنا بالطعام خاطئة، وأضاف إلى بحر الكفتة سيخًا فاستشهد في التعليقات بأبحاث ميدانية بسيطة لا تؤسّس لأيّ شيء، وما هي إلا إحصائيات ابتدائية تفتقر لكلّ عوامل البحث العلمي البسيطة كإجراء التجارب على مجموعتين مع تثبيت كلّ العوامل واختلاف العامل المقصود دراسته، ودائمًا وأبدًا تَجِد في نهاية هذا البحث، إن كان من مصدر أكاديميّ محترم، جملة: FURTHER RESEARCH NEEDED (في حاجة  للمزيد من البحوث). وإذا كنّا نتناقش كأشخاص ناضجين، بطريقة علمية، فلا يصحّ أن تضرب مثلًا عشوائيًا يتمثّل في شخص تعرفه اتّجه للنظام النباتي الصارم وبعد عدة أسابيع وصل لنيرفانا*، ثمّ تعُدّه دليلًا قاطعًا وقويًّا على صحّة النظام النباتي ! وعلى نفس المنهاج، يمكنني أن أُحضر المئات والآلاف من الأمثلة العابرة لأشخاص أكلوا يوميًا وجبات تتكون من الدجاج المشوي، واللحم نصف المطهي، بل لربما أيضًا تغذّوا على بشر مثلهم وعاشوا بصحة جيدة حتى أتمّوا القرن من العمر.

*النيرفانا: مصطلح بوذيّ يشير إلى أقصى درجات التأمل التي يتخلّص الإنسان عند بلوغها من شتى أشكال المعاناة.

إعلان

للكفتة أوجه عديدة

ليت باسم يوسف اكتفى بالاعتماد على تلك الأبحاث التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لكنّه انغمس في التدليس العلمي، فأقتبس عن أحد تعليقاته التي يقول فيها: “همممم طب الفيل والزرافة والحصان بيجيبوا بروتين منين؟ طب البقرة اللي بتاخد بروتين منها بتاكل ايه؟ هه؟هه؟هه؟ يا جماعة فيه حاجات كتيرة اتعلمناها غلط و انا دكتور و باقولكم اهو معظم اللي درسناه في التغذية و في كلية الطب ذات نفسها غلط. يا جدعان يا جدعاااااااان اعملوا بحث بالصور على vegan bodybuilders وبعدين تعالوا اتكلموا.”

 

 

دعنا نحلّل هذا التعليق بهدوء ولنبدأ بالجزء الأول منه، فأن تقارن بين طريقة أكل الفيل والزرافة والحصان وطريقة أكل الإنسان، كأن تقارن بين طريقة استنشاق الإنسان للأكسجين برئتيه واستنشاق الأسماك للأكسجين بخياشيمها، لكن دعنا لا ننساق لطريقته في الرّدّ ونحتكم إلى العلم.

كيف تبني تلك الحيوانات البروتين اللازم لها؟

ربما لم يعرف باسم شيئًا عن المجترّات، وكيف أنّ معدتها وجهازها الهضميّ معقّدان أضعافًا مضاعفة عن جهازنا الهضمي، فالمعدة تتكوّن من عدّة أجزاء مختلفة تمامًا عن معدتنا مثل (الكرش- الشبكية- الورقية… الخ) كما تختلف آلية الهضم لديها؛ فهي تعتمد على الاجترار، والأهمّ أنها تعتمد على الهضم البكتيري، والذي تتلخّص مهمته الأساسية في استخراج عناصر أولية بعد تحليل المادة الغذائية التي يستحيل على الكائن الحيّ هضمها والاستفادة منها، وليس هذا فقط، بل تقوم تلك الكائنات بهضم البكتيريا نفسها للاستفادة منها! لأنّ بها أنواعًا من الأحماض الأمينية التي لا توجد في أيّ مصدر نباتيّ. هل الأحماض الأمينية مهمة فقط لبناء البروتين ؟ لا، حيث يوجد أيضًا العديد من الأحماض الأمينية التي تدخل في عمليات حيوية في الجسم، ومن دونها سيعاني الجسم العديد من أوجه القصور، وتتواجد هذه الأحماض في أنواع محددة من النباتات وبنسب ضئيلة جدًّا غير كافية.[1] [2] 

ويذكّرني الجزء الثاني من التعليق بأحد كلاسيكيّات الفيس بوك المتداولة، عبارة “اكتب ذاكر نايك* على اليوتيوب وانت هتفهم كل حاجة” وهي استراتيجية للتهرّب من نقاشٍ ما عند العجز عن الرّدّ أو الإقناع فيقوم الطّرف المُحاصَر بإحالة ندّه إلى حجة يظنّها مقنعة، إذ كيف لمشاهدة عدد من الأشخاص المغمورين المعتمدين على النظام النباتي (vegan bodybuilders)  من بين مئات وربما ألاف من لاعبي كمال الأجسام أن يقنعني بأنّه النظام الأنسب لي؟ في العادة، إن أراد شخص أن يتبع حمية غذائية فيجب عليه أولًا استشارة أخصّائيّ تغذية محترف والذي سيحيله بدوره إلى عمل عدّة تحاليل لجسمه لمعرفة أوجه النقص والزيادة في عناصر الجسم قبل أن يقرّر أيّ الأنظمة الغذائية أنسب لحالته، فما بالك بالتحوّل إلى النظام النباتي فجأة؟

*ذاكر نايك: داعية وخطيب ومُناظر إسلاميّ هندي مشهور يستشهد به معجبوه لإنه، من وجهة نظرهم، صاحب حجة وقدرة على الإقناع.

عدة مغالطات شائعة لدى النباتيين

أ‌- يستطيع النبات أن يمدّك بكلّ العناصر المهمّة

1- B-12

هو أوّل عنصر يستحيل توفّره في النّظام الغذائي النباتي الصّرف وهو فيتامين مهمّ جدًّا لنموّ الإنسان، حيث يعمل على تمثيل البروبيونات والأحماض الأمينيّة والمركبات أحادية الكربون، وبالتّالي فإنّه يلعب دورًا هامًّا في عمليات تمثيل البروتينات ، وفي تصنيع الهيم (المكوّن للهيموجلوبين الذي يعطي الدّم لونه الأحمر)، وفي تكوين البروتينات والدّهون المكوّنة لغمد المايلين (myelin sheath) الذي يحيط بالألياف العصبيّة في الدّماغ والحبل الشوكي ويعمل على حمايتها. ويلعب فيتامين B12 مع الفولات دورًا أساسيًّا في تكوين أحماض DNA وRNA، كما تعتمد خلايا العظم ونخاعه وخلايا الجهاز الهضميّ عليه في نشاطها والحفاظ على صحّتها.

ومن أعراض نقص فيتامين B12 ما يأتي:

  • يسبّب نقص فيتامين B12 تلفًا في الأعصاب، وذلك نظرًا للدّور الهامّ الذي يلعبه هذا الفيتامين في تكوين غمد المايلين الذي يحيط ويحمي الألياف العصبية.
  • تظهر أعراض نقص فيتامين B12 على شكل تراجع في الذّكاء، وسرعة في النّسيان، وفقدان الذّاكرة قصيرة المدى.
  • الشعور بالخدران في الأطراف وصعوبة في المشي.
  • قد يُسبّب تلف الأعصاب الشّلل في الحالات المتقدمة، حيث يبدأ تلف الأعصاب من الأطراف ثم يصل إلى الجهاز العصبيّ المركزي، وتظهر الأعراض العصبية عادة متأخرة عن أعراض فقر الدّم، ولذلك يجب تشخيص وعلاج نقص فيتامين B12 في مراحله الأولى.
  • التّعب العام والإرهاق، وسرعة نبضات القلب والتّنفس النّاتجة عن عدم فاعلية خلايا الدّم الحمراء في نقل الأكسجين.
  • مشاكل في الجهاز الهضميّ؛ مثل: الإمساك، والإسهال، والغازات.
  • قد يسبب أيضًا اصفرارًا في لون الجلد والعينين النّاتج عن تكرار حصول فقر الدّم وفشل تكوّن خلايا الدّم الحمراء، واحمرار وتملّس وانصقال اللّسان.
  • يمكن أن تظهر بعض العوارض النفسيّة مثل الاكتئاب، وتجدر الإشارة إلى أنّ فحص مستويات فيتامين B12 في الدّم ليست طريقة فعّالة لمعرفة حالته في الجسم، ولكن يجب فحص النّواتج المُعتمدة عليه في الدّم، والتي تشمل حمض الميثيل مالونيك والهوموسيستين، وعلى الرّغم من أنّها تُعتبر فحوصات مُكلفة، إلا أنّها أكثر حساسيّة وفاعلية في الكشف عن نقصه.
  • قد يحدث في بعض المراحل من نقص فيتامين B12 أن يعاني المريض من رؤية غير واضحة أو فقدانٍ للبصر.
  • يعمل الفولات المتناوَل بكميات كافية على علاج فقر الدم الذي يُسبّبه نقص فيتامين B12 وإخفاء الأعراض الأوليّة لنقصه، لذلك يمكن أن يحصل تلف الأعصاب دون أن تصاحبه أعراض فقر الدّم، ويكون هذا واضحًا في حال تناول كميّات عالية من الفولات.

*وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك الأعراض تكون أكثر خطرًا على الأطفال في سِنّ النّموّ.

ولأجل تعويض هذا النقص الفظيع، يجب دائمًا على النباتيين تناول حبوب الـB-12  المستخلصة معمليًا.

2- Essential Amino Acids

الأحماض الأمينية الأساسية هي تلك الأحماض الأمينية التي لا يصنعها الجسم بذاته، بل يحصل عليها من خلال مصادر البروتين الحيواني أوالنباتي، وهي ثمانية أحماض كالآتي:

  • تريبتوفان: يلعب دورًا كبيرًا في تهدئة الأعصاب وتخفيف القلق والتوتّر، والتخلّص من الاكتئاب، بالإضافة إلى أنّه يعمل على علاج الصداع النصفي، وتحسين جهاز المناعة، وغيرها العديد من الفوائد.
  • ليسين: يساهم في تكوين الكولاجين، كما أنّه يضمن امتصاص الكالسيوم بشكل جيّد في الجسم، ويحفّز إنتاج الأجسام المضادة.
  • ميثيونين: يحافظ على صحّة الشَّعر والأظافر والجلد، كونه غنيّ بالكبريت، كما يقلّل من معدّلات الكولسترول، ويقلّل من دهون الكبد.
  • فينيلالانين: مهمّ للمخّ، بحيث يستعمله لإنتاج المركّبات الكيميائية التي يستخدمها لنقل الإشارات العصبية.
  • ثريونين: له دور أساسيّ في إنتاج الكولاجين، كما يسهم في التقليل من تراكم الدهون على الكبد، كما أنّه مهمّ لصحّة الجهاز الهضمي.
  • فالين: يعمل على تحسين أداء المخّ، ويساهم أيضًا في تساوي العضلات، ويهدّئ الأعصاب ويقلّل من الشعور بالعصبية.
  • ليوسين، إيزوليوسين: وهذان الحمضان يعملان على توفير العناصر الضرورية لسَير العمليات البيوكيميائية داخل الجسم، كإنتاج الطاقة وتنبيه المخّ، بالإضافة إلى الشعور بالنشاط والحيوية.

هل توجد تلك الأحماض في مصادر نباتية؟ نعم، توجد في مصادر نباتية، لكنّ تلك المصادر، كالمكسرات، نادرة جدًّا وغير متوفرة بشكل دائم ناهيك عن تواجدها بكميّات بسيطة، فالـ100 جرام يمكن تعويضها بسهولة من أيّ مصدر حيواني متوفّر بالإضافة إلى أنّ الإكثار من الموادّ النباتية المحتوية على تلك الأحماض يحمل آثارًا جانبية قد تكون مضرّة.

 ب‌- تسبّب اللحوم العديد من الأمراض

من الشائع والبديهيّ أنّ تجاوُز الحدّ من الإكثار من أيّ شيء سيسبّب لك ضررًا أكيدًا، فحتى الماء، إن أكثرت منه قد يسبّب لك تسمّمًا مائيًّا. السّكّر مهمّ للجسم، لكنّ زيادته عن الحدّ قد تؤدي إلى مرض السكّري، ويمتدّ خطّ الأمثلة إلى ما لا نهاية. ويعدّ سرطان القاولون أكثر حُجج النباتيين استخدامًا، لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ السّبب الأول لسرطان القاولون هو الأكل المصنَّع الذي تندرج تحته اللحوم المصنّعة. وليس سبب السرطان المصدر الغذائي نفسه، بل الإضافات عليه. كما أنّ سرطان القاولون مرتبط بطفرة جينية. ولم يتم تحديد إن كانت الطفرة الجينية هي نتيجة الأكل أم أنّها السبب لاستعداد الجسم وقابليته للإصابة بهذا النوع من السرطان. لكن في بحث نُشِر مؤخّرًا، اكتُشف وجود الجين في مومياء من الدومينيكان تعود للقرن الـ18، أي قبل انتشار أسلوب الحياة العصري، وهذا دليل مبدئيّ على أنّ الطفرة الجينية موجودة  قبل انتشار أسلوب الحياة العصريّ.
*معلومات أكثر في المصادر[3] [4]

ت‌- لا يحمل النظام النباتي أيّ أضرار

يعتمد النباتيّون بقوة على فول الصّويا، فكلّما حدّثت أحدًا منهم عن نقصٍ ما في النظام الغذائي النباتيّ، يسحب ورقة فول الصويا ومشتقاته من جبنة التوفو، ولبن الصويا، والصويا صوص… إلخ وإليكم أضرار فول الصويا متبوعة – طبعًا- بالمصادر:

  • قد يسبّب العقم؛ لقد أُجريَت العديد من الأبحاث والتجارب في كثيرٍ من الجامعات والمختبرات للرّبط بين الصويا والعقم، ووصلوا في النهاية إلى الجزم بأنّ الإكثار من الصويا المطحون قد يسبّب العُقم؛ لأنّ فول الصويا بتركيبته يحتوي على كميةٍ من الإستروجين وهو هرمونٌ جنسيٌ أنثوي، وزيادةّ نسبته تُضعف الحيوانات المنويّة عند الرجال وهذا يؤدي إمّا إلى العقم وإمّا إلى مشاكل كبيرةٍ في الإنجاب، ولهذا حذّرت معظم الدراسات والأبحاث الرجال من الإكثار من فول الصويا أو المنتجات التي تدخل فيه مثل البيتزا أو شرب حليب الصويا المجفّف، وقد تتطور الحالة عند بعض الأشخاص لتصل إلى سرطان البروستاتا.
  • قالت بعض الدراسات أنّ الإكثار من الصويا المطحون قد يسبّب الخرف ومشاكل عقلية عند الإنسان، وقد يسبّب اعوجاج مناقير الطيور التي تتناول الصويا، ولكن تبقى هذه دراساتٌ قيد التأكيد والتجربة لإثبات صحتها.
  • قد يسبّب تناول فول الصويا مغصًا عند بعض الأشخاص.
  • هناك محاذير من تناول السيّدات الحوامل لفول الصويا المطحون؛ لأنّ هناك بعض الدراسات والتجارب التي أجريت على الحيوانات تفيد أنّ تناوُل الصويا بكثرة أثناء الحمل أدّى إلى ظهور بعض التشوّهات في الأجهزة التناسلية للمواليد، وذلك بسبب وجود فايتوإستروجين بنسبةٍ عاليةٍ فيها، لذلك على المرأة الحامل استشارة الطبيب قبل تناول فول الصويا المطحون تجنّبًا للخطر.
  • عدم إعطائه للأطفال من دون استشارة الطبيب؛ لأنّ هناك الكثير من الأطفال لديهم حساسيةٌ تجاه فول الصويا المطحون.
  • يحذّر من إعطائه للأطفال والرّضّع الذين يعانون من مشاكل وقصور في الغدّة الدرقيّة، لأنّه يحتوي على الفايتوإستروجين.
  • يؤثّر في عملية الخصوبة عند المرأة حيث يقلّل البويضات وبالتالي تكون عملية الحمل صعبة جدًا أو شبه مستحيلة.
  • يعرقل عمل الغدد الصمّاء والغدة الدرقية، ويمكن أن يؤثّر في الكلى وفم المعدة.
  • يؤثّر في الأمعاء حيث يسبّب الإمساك، ويسبّب الغثيان والنفخة المعوية. في حالاتٍ قليلةٍ جدًا قد يسبّب الطفح الجلديّ والتحسّس عند بعض الأشخاص. مع الوقت وكثرة تناوله قد يسبّب فرط تنسّج بطانة الرّحم، وقد يتفاقم الأمر لمشاكل أخرى في الرحم.
  •  يُنصح بتجنّبه للمرأة أيضًا إن كانت تملك تاريخًا مع سرطان الثدي، أو لدى عائلتها تاريخ مع سرطان الثدي.[5] 

وفي جانب آخر من العالم، تهدّد محكمة إيطالية والدّين بالحبس لِمَن لم يسمحا لطفلهما بتناول ألبان البقر والبروتين الحيواني بعدما تكرّرت الحالة عدة مرات ودخل العديد من الأطفال المستشفى بسبب عدّة أعراض ناتجة عن نقص فيتامين B12، كما أسلفت الذكر، بالإضافة إلى أضرار فول الصويا. وورد في تقرير المحكمة، أنّك كشخص بالغ لديك حرية الاختيار، لكنّ المشكلة تبدأ حين تشرك الأطفال بأشياء ليست من اختيارهم ولا يمكنهم البحث عن فوائدها وأضرارها.[6]

ث‌- تشبه أسنانُ الإنسان أسنانَ الحيوانات العاشبة

يعتمد النباتيون المتطرّفون على حجّة طريفة جدًّا تقول أنّ أجدادنا لم يأكلوا اللحوم – سيتم مناقشة هذه الحجة بالتفصيل في النقطة القادمة – ولهذا السّبب فإنّ أسناننا وأظافرنا ليست مهيئة لأكل اللحوم من أساسه. في الواقع، من ضحالة الادّعاء احترتُ كثيرًا في اختيار زاوية لتفكيكه انطلاقًا منها، لكن دعنا نبدأ من هنا: أولًا، لننظر إلى جهازنا الهضميّ، فكما وضّحت سابقًا أنّ جهازنا الهضميّ مختلف تمامًا عن جهاز المجترّات وآكلات الأعشاب عمومًا، وهو في نفس الوقت مختلف إلى حدّ ما عن جهاز آكلات اللحوم، وهذا ببساطة لأنّ جهازنا الهضمي – بما يتضمّنه من الفكّ والأسنان وغيرهما- هو جهاز وسيط بين آكلات الأعشاب وآكلات اللحوم لأنّنا حيوانات متنوّعة التغذية “omnivores”، فمثلًا لو كان نظامنا الغذائيّ معتمدًا على النّباتات فقط، لكانت أمعاؤنا أطول بكثير من طولها الحاليّ لتساعدنا على هضم النباتات، ولكانت الزائدة الدوديّة أكبر بكثير، ويمكن ملاحظة ذلك في الشامبنزي الذي، رغم اعتماده على ثمار الفواكه، إلا أنه في الوقت ذاته يصطاد الفقريات الصغيرة ويتغذّى عليها؛ ثانيًا، لم يضع هذا الادعاء في الحسبان العلاقة الطويلة بيننا وبين النار التي ساعدتنا في طهي العديد من أنواع الأطعمة لتكون سهلة المضغ والبلع والهضم ممّا أثّر على شكل جهازنا الهضمي.[7]

ج‌- الإنسان أصله نباتي

في مقدمةهذه النقطة، التي تركتها للنهاية لتكون مطبوخة تمامًا – bien cuit– أحبّ أن أضع هذا المقال المنشور في مجلّة Nature ثمّ أكمل شرح وتفنيد هذا الادّعاء.

يمكن القول أنّ ما وضَعَنا على بداية فرع تطوري تكون أحد ثماره البشر، هو تحوّلنا لآكلات لحوم، نخاع العظام منها بالتحديد، كمصدر غني جدًّا بالطاقة ولا توجد عليه منافسة شديدة من الكائنات الأخرى، لأنّ أجدادنا هم الكائنات الوحيدة التي استطاعت أن تصل إليه عن طريق استخدام الأدوات الحجرية. والوصول لنخاع العظام وتناوله قد أمَدَّنا بقدْر عظيم من السعرات الحرارية، وبجانب تناول لحوم كائنات أخرى فقد أمدَّنا هذا بالطاقة اللازمة لنموّ المخّ. وبفضل استهلاك أسلافنا من أشباه البشر –Hominini–  لكميات كبيرة من اللحوم، سمح هذا لهم بزيادة حجم أجسامهم دون فقد القدرة على الحركة الرشيقة والحفاظ على الحياة الاجتماعية بسبب الصيد.

فببساطة شديدة، تناوُلُنا لكميات كبيرة من لحوم الحيوانات سواء البرية منها أو البحرية، وقدرتُنا على تكسير عظامها لاستخلاص النخاع هو ما جعلنا ما نحن عليه اليوم.

 

1 اثار قطع وخدوش علي عظمة الركبة لظبي، عمرها 1.5 مليون سنة

الكود الأخلاقي الخاص بالنباتيين

الفاشية ، كما وضحت سلفًا، هي إعادة هيكلة المجتمع تبعًا لفكرة مسبقة دون التفكير بها أو إتاحة فرصة للمناقشة، بالإضافة إلى عدم السماح بالتعددية، ورؤية فكرتك متسامية عمن حولك وما دونها هو أيضًا دونك وأقل منك إنسانية، وطنية، ذكاء .. إلخ. كيف إذًا تنطبق الفاشية على أصدقائنا النباتيين؟

أولًا: هم يحاولون هيكلة المجتمع كله بالقوة ليمتنع عن أكل الحيوانات، فيحاولون منع محلّات الجزارة، وتعديل القانون ليناسب أهواءهم.

ثانيًا: لم يتفكروا أبدًا في فلسفتهم ونظرتهم للحيوانات أو حتى الخضار، والأدهى من ذلك أنهم لا يقبلون أيّ نقاش بحجة أنك أقل إنسانية منهم.

ثالثًا: طبعًا كما أسلفت موضحًا، أنهم دائمًا ما يرونك أقلّ منهم مكانة، وأنه من واجبهم أن يسحبوك من يديك ويدخلوك إلى جنة النباتية الإنسانية. ومن خلال ما سبق نلاحظ أنّ النباتية تحولت لحركة فاشية بامتياز؛ إن لم تكن معهم، فأنت بالتأكيد ضدهم.

لكن دعنا نوضح النظرة الأخلاقية التي ينظر بها النباتيون للحياة

هل تعلم يا صديقي أنّ الحقّ الطبيعي الخاص بالإنسان لم يجد أساسًا فلسفيًا قويًّا قبل توماس هوبز ومن ثم جان جاك روسو والثورة الفرنسية، وما زال غير مستقرّ حتى كانط، وحتى الآن فهو، فلسفيًا، يعتبر مسلَّمة ولا يمكنك التشكيك فيها! فما بالك يا صديقي بالحيوانات؟ الأخلاق لها عدّة مراجع، على حسب مركز القيمة المتخذة، فإذا كنت يا صديقي مؤمنًا بالتطور، فأنت بالتأكيد تعرف أنّ جنسك هو في مركز البؤرة القيمية، فيجب عليك الحفاظ على جنسك عن طريق تمرير جيناتك، والحفاظ على جنسك لن يكون سوى عن طريق التغذي على أجناس أخرى– ولنا هنا عودة –.

وأنت بالطبع مهتمّ بالطبيعة، فلربما تكون الطبيعة هي مركز بؤرتك القيمية وهدفك الحفاظ عليها، فأظنّ أنه يجب عليك أيضًا إقناع الأُسُود بالتراجع عن أكل الظبيان وأن تبدأ بأكل الخيار، وربما على آكل النمل أن يأكل فول الصويا بدلاً من النمل، ولربما تقنع الصقور أن تبدأ بأكل القمح بدلًا من القوارض والثدييات الصغيرة، وكذلك يجب على الديدان والبكتريا التي تحلّل الحيوانات الميتة أن تحلل فقط الخضروات المتبقية منا. بالطبع لن أستغرب هذا من فاشية تحاول أن تسير الكون بأكمله على قوانينها.

فإن كان الإنسان هو مركزك القيمي، فأكل الحيوانات شيء أخلاقي، وإن كانت الطبيعة هي مركزك القيمي، فإنّ أكل الأجناس لأجناس أخرى هو ما يجعلنا نَصِف الطبيعة بأنها متوحشة –wild– وإذا كان الدين هو مركزك القيمي، فإنّ الله قد خلق الحيوانات لخدمتنا سواء بالركوب أو الحرث أو الأكل، ولا أظن أنك أعلم من الله / الطبيعة.

لكن دعنا نفترض أنّ الحياة بكل أشكالها – على حدّ تعبيرهم –هي مركزهم القيمي، في الواقع لم أرَ قطّ نباتيًا يتورّع عن قتل ذبابة وقفت على وجبته من الخضار اللذيذ، أو امتنع عن قتل البراغيث المؤذية لكلبه الآكل للسلطة الخضراء، أو نزل في وقفة تضامنية مع أصدقائه النباتيين الأوائل في التاريخ، الجراد، على الرغم من أنهم يتبعون نفس حميته الغذائية!

إذًا، أيّ حياة التي تقدّسها؟ أهي حياة الحيوانات الكبيرة فقط؟ أم الصغيرة فقط؟ أم أيّ كائن يقع تحت تصنيف الثدييات مع استبعاد القوارض والحشرات! أم أنّهم يوزعون– قدسية الحياة – حسبما تهوى قلوبهم، كما قال الكومديان العظيم جورج كارلين، لأنهم من اخترع هذه القدسية؟

حسنٌ، حسنٌ.. دعنا نتخيل أنك تمتلك سببًا وجيهًا لتقديس نوعٍ من الحياة دون تقديس الآخر. لكن يا صديقي، ألا يجب عليك أن ترحم هذا الكائن الضعيف بين يديك؟ مَن أخبرك أنّ النباتات لا تشعر بالألم؟ ألا تظنّ أنها تتفاعل مع البيئة المحيطة بها بنفس طريقة تفاعل الحيوانات، بل على بعض المقاييس، بطريقة أعقد وأكثر عبقرية؟ ألا تظنّ أنها تشعر بالألم؟ هل كونها لا تتحرك ولا تستطيع أن تهرب من بين يديك ولا أن تعبّر عن ألمها بصورة مفهومة لك يعني أنها لا تتألم؟ ألا يمكن للنبات أن يحدّد اتجاه الضوء والجاذبية والماء بدقة؟
هل كنت تعرف أنّ النبات يعلم متى يتمّ تعذيبه وانتزاعه من التربة ويأخذ ردّ فعل لذلك؟ هل مشيت في يوم ما بداخل حديقة تمّ جزّ عشبها حديثًا؟ هل تعرف تلك الرائحة الرائعة المنعشة للعشب؟ إنها في الواقع ليست رائحة رائعة بل نداء استغاثة يطلقه العشب المقطوع لتحذير البقية ليأخذوا ردّ فعل! فتلك الرائحة معنيّة بإبعاد الحشرات الآكلة للعشب عنه، لكنّ المسكين لا يعلم أنّ من يقتله كائن لا تبعده تلك الرائحة بل تجذبه، ولا يقتله ليستفيد منه بل ليكون منظره جذّابًا بالنسبة إليه.

وتوجد ردود أفعال مختلفة للنّباتات للدفاع عن نفسها وتحذير البقية. وقد تختلف تلك الرّدود من روائح تُبعِد الحشرات، لروائح تجذب حشرات أخرى هي عدوّ طبيعي للحشرات التي تتغذى على تلك النباتات، وبعض النباتات تكون تركيبًا كيميائيًا سامّا عند قطعها، والأكثر إذهالًا أنّ بعض النباتات الأخرى تستجيب للّمس مثل نبات المستحية مثلًا! وبعض النباتات يمكنها أن تصرخ، لكنّ أذنك الشريرة العاجزة لا يمكنها أن تسمع هذا الصراخ! لقد طوّر بعض الباحثين في جامعة بون بألمانيا مايكروفونا يعمل بالأشعة تحت الحمراء، غرض البحث الأساسي هو محاولة الكشف عن أسباب موت بعض أنواع الشتلات عند عبورها للبحر المتوسط في طريقها إلى ألمانيا، واكتشاف طريقة لمنع ذلك.

وقد اكتشفوا أنه عند تعريض النبات لأنواع مختلفة من الظروف القاسية مثل القطع أو وضع الملح أو التعرض للبرد، فإنها تطلق غاز الإيثلين في الجوّ، وتحطُّم جزيئات هذا الغاز يثير موجة صدامية صغيرة في الجوّ تشبه بشكل ما الصرخة. وهكذا فأنت لا تعلم أنّه في كلّ مرّة تغرز فيها شوكتك بداخل سلطة خضارك أو في كلّ مرة تغلي فيها كوبًا من الشاي وتضع عليه بعض عيدان النعناع، ينطلق أنين وصراخ متناه في الصغر تصمّ عنه آذانك الشريرة![8]

والأكثر إدهاشًا من هذا، أنّ بعض الباحثين في جامعة ميسوري – كولمبيا اكتشفوا أنّ النباتات تسمع!

فأثبتت عدّة أبحاث أنّ النباتات تسمع وتميّز قضمات اليسروع لأحد أجزائها أو أجزاء نبات مجاور، مما يجعلها تأخذ ردّ فعل دفاعي أقوى! وكان هذا البحث على ضوء معرفتنا بتأثر النبات بأصوات الموسيقى، وكشرح مبسط للدراسة – راجع المصادر للتعمّق – أخذ الباحثون أصيصين من نبات الأرابيدوبسيس “Arabidopsis” ثمّ شغل على إحداهما صوت وآثار اهتزازت مشابهة لتلك الناتجة عن أكل اليسروع لأحد النباتات المشابهة، ثم ترك الأخرى في صمت مطبق دون تعريضها لنفس المؤثرات. وبعد ذلك، أطلقوا بعض اليساريع على كلا النبتتين، فوجدوا أنّ النبتة التي تعرّضت للصوت المشابه لصوت قضمهم قد أطلقت في أنسجتها نسبة من زيت الخردل أكثر من الأخرى، وزيت الخردل طعمه بالغ السوء بالنسبة لليسروع.[9]

حسناً، نحن هنا أمام معضلة أخلاقية سأشرحها بإيجاز في النقاط التالية:

1- إذا كنت تحدّد من يمكنه أن يعيش من الحيوانات ومن يمكنه أن يموت بناء على نفعها وضررها بالنسبة لك، وبالتالي ستقتل الحشرات والعقارب لكنّك لن تقتل الخراف والبقر، فبذلك أنت وضعت الإنسان في مركز القيمة مما يسمح لنا أن نأكل البقر والخراف لنفعنا الخاص- وإنّ امتناعنا عن أكلها سيسبب لنا أضرارًا كما أسلفت – ونقتل العقارب والبعوض لضررها بنا، فلا يوجد أساس عقلاني لاختيارك قتل هؤلاء وعدم قتل أولئك.

2- إذا وضعت الطبيعة في مركز القيمة، فنحن نعلم جيدًا أنّ الطبيعة هي التي صنعت النظام الحيوي المتمثّل في اقتيات الكائنات على بعضها لتحيا، وفي سبيل هذا انقرضت مليارات الأنواع لأنها لم تستطِع المنافسة والدفاع عن نفسها أو التغذي على كائنات أخرى، فبذلك أنت تخالف الطبيعة، أي تخالف مركزك القيمي وبالتالي تناقض نفسك.

3- إذا وضعت الجهاز العصبي المتطوّر والشعور بالألم في المركز القيمي، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أنّ النباتات تشعر بالألم، بل أيضًا تصرخ، وتأخذ ردّ فعل دفاعي نتيجة السمع أو الرائحة، ونتيجة هذا أنك تأكل حيوانات تتالم!

وفي كلّ الحالات، بعيدًا عن تناقضك مع ذاتك، يبقى السؤال الوحيد: من عيّنك رئيسًا  لتقرّر من يحيا ومن يموت من أنواع الحياة المختلفة؟ أو لتفرض قيمك الأخلاقية عليها؟! أليست هذه هي الفاشية بعينها؟

هل عندي مشكلة شخصية مع النباتيين؟

في الواقع أنا شخصيًا أؤمن بالحرية الشخصية، وأنّ كلّ شخص حرّ ما لم يضرّ. و بشكل عام، فنحن جميعًا نكره التعالي الأخلاقي، نكره الكذب والتدليس باسم العلم، نكره أن يأمرنا شخص دون وجه حق، ونكره الشخص غير المتسق مع ذاته!

وهذه مشاكل عامة جدًا، صدفت أن تتفق مع النباتيين، فكما يجب علينا مواجهة مريدي نظرية الأرض المسطحة بالحقائق الدامغة، والوقوف أمام معتنقي نظرية الخلق الخاصّ وقذفهم بالحقائق والملاحظات، يجب علينا أيضًا أن نواجه من يدّعي امتلاكه للحقيقة والإنسانية، بينما هو يضرّ نفسه ويؤذي أطفاله بدون وجه حقّ! ويجب علينا أن نهاجم كلّ أوكار الجهل أينما كانت، لذلك كان هذا المقال.

بالطبع ليس عندي مشكلة مع الشخص الذي قرّر أن يتحوّل إلى النظام النباتي لظروف شخصية، دون أن يقف على كلّ منضدة في مطعم وكلّ منصّة في ميدان عامّ وكلّ منبر يوفّر خطبة مجانية ليتحفنا بنصائحه الأخلاقية المتناقضة والطبية الفاسدة. لذلك يا صديقي، إن أردت أن تأكل النباتات فقط أو إن أردت حتى أن تعيش على عملية التمثيل الضوئي فقط أو قررت أن تأكل اللحم لبقية حياتك دون أي خضروات أو أن تتنفس الهواء لا غير، فيمكنك فعل ذلك، فالقانون لا يجرم ذلك، لكن افعله بعيدًا عن تزييف الحقائق والتدليس باسم العلم.

إعلان