تاريخ مصر مع الوهابية

ماذا نعرف عن هذا الفكر الوهابي الذى استشرى فى كل بلاد العالم منطلِقّا من السعودية؟ بذراعه الإرهابي الذى سمى تارة القاعدة وتارة أخرى داعش، فصار يضرب فى أمريكا وأفريقيا وآسيا.وأخذ يقتل بعشوائيَّة فى فرنسا وبلجيكا، ناهيك عن أفعاله المشينة فى العراق وسوريا حيث ادعَّى اقامة دولة الخلافة الاسلاميَّة.

وماذا كان موقف مصر تجاه الوهابية منذ نشأته؟. قد يكون سرد بعض من تاريخ هذه الحركة مفيدًا فى تأصيل وفهم أحداث اليوم.

بداية الوهابية

كانت البداية بشخص محمد ابن عبدالوهاب، وهو من مواليد عام 1703 فى منطقة النجد بالجزيرة العربية. وقد يصعب وصف هذا الإنسان وصفا صحيحًا، فهل كان معتوها؟ أو مجذوبًا مخرًِفًا؟ أم عالمًا أوصلته عبقريته لتعدي حاجز الجنون؟ أو ربَّما مريضًا نفسيًا حاقدًا على أيّ إنسان غير ذاته؟.

على أى حال، فقد أطاح بمبادىء سماحة الدين الاسلامي وصلاحه لكلّٓ مكان وزمان، ليدعوا إلى تعرية الدين من كل ما اعتبره هو كفر وشرك. فأخذ يدعوا إلى تكفير زيارة القبور وأضرحة الأولياء بما فيها مقام الرسول (ص)، معتمدا فى فكره على توجُّهات “ابن تيمية” الذي ادعَّى انتماءه إلى مدرسة ابن حنبل، وأخذ يُكفِّر كل من أخذ بتطور الفكر ولم يتبع فكر السلف الصالح فى الشكل والجوهر.
وفى خلال رحلة حياته التى استمرت نحو تسعون عامًا حتى وفاته عام 1792، استطاع بذكاء أن يجد لنفسه ذراعا مسلّحًا لنشر دعوته السلفية التكفيريَّة، فعقد عام 1744 أهم اتفاقّا للحركة الوهابية مع أحد أمراء إحدى قبائل النجد، إسمه محمد ابن سعود، لاقتسام ريادة الدين والدولة، على أن يلتزم آل سعود بالفكر الوهابي مرجعًا سنيًا أوحد، واعتبار أي مسلم غير وهابي كافرًا وجب قتله.
ولتوطيد هذا الاتفاق، تزوَّج محمد ابن عبدالوهاب من ابنة محمد ابن سعود، وتم اعتبار زعيم آل سعود إمام أوَّل دولة سعودية، وله حقّ توريث الإمامة لأبناءه.
وبالفعل، عندما توفى محمد ابن سعود عام 1765، تولى الإمامة ابنه عبدالعزيز، الذي أراد توسيع نفوذه ودولته، فأخذ يغزو أراضي الحجاز مكفِّرا وقاتلّا كلّ من يعترض طريقه، حتى احتَّل مكة والمدينة، حيث قتل شريف مكة بعد تكفيره.
ثم استمَّر فى غزواته وحملاته فى الاتجاه الشرقى، فقام هذا الجيش الوهابي السعودي بتدمير كربلاء عام 1802 مع تدمير مسجد وقبة سيدنا الحسين، ثم تدمير الطايف فى 1803.
حينها شعر السلطان العثمانى بالقلق من هذه “الثورة” الوهابية ضد الحكم العثمانى، فقام بتوجيه طلب لحاكم مصر في ذلك الوقت “محمد على” ليقوم بوقف هذه الحركة.

مصر وحربها ضد الوهابية

كان لمحمد علي ابنًا مميِّزًا لديه “أحمد طوسون” من مواليد 1793، عينه محمد على قائدًا للجيش وأرسله فى 3 سبتمبر 1811 على رأس قوة من 20 ألف فرد وستة آلاف من الخيالة إلى الحجاز لوقف المد الوهابي.

إعلان

أبلى الجيش المصرى بقيادة طوسون بلاءًا حسنا فى البداية، فاحتل ميناء “ينبع” عند بداية الحملة، ثم قام بتحرير المدينة عام 1812 ومكة عام 1813، وعندما علم محمد على بإنجازات طوسون وقواته، قرَّر السفر بقوات إضافية للإسراع بإنهاء الغزوات الوهابيَّة، حيث قام بأداء فريضة الحج، وأشرف على العمليات العسكريَّة بنفسه أثناء تلك الحملة الثانية (من 1813 إلى 1815).

وفى ديسمبر 1814، تم تحرير الطائف وقتل الإمام الوهابي الثالث “سعود ابن عبدالعزيز ابن محمد السعود”، فاستلم الإمامة عمه “عبدالله السعود”، الذى هزم فى موقعة قولاخ فى 10 يناير 1815. فوقَّع عبد الله على وثيقة الاستسلام للجيش المصري، ووافق على حصر القوات السعوديَّة الوهابيَّة داخل العاصمة “الدرعية” الكائنة بمنطقة النجد.

سمع محمد على بخبر عودة نابليون بونابارت (وكان يسميه: أبونا بارت) إلى الحكم فى فرنسا، فأسرع بالعودة إلى مصر في 1815 خوفًا من إعادة الاحتلال الفرنسي، ودخل محمد على مصر فى نفس يوم هزيمة الإنجليز لبونابارت فى موقعة “واترلوو” الشهيرة، وبقي “أحمد طوسون” ببعض القوات في أراضي الجزيرة العربية.

اختلف المؤرخين على واقعة وفاة أحمد طوسون عام 1816، حيث يقول بعضهم: “كان طوسون من بين مصابي معركة البقوم مع قبيلة البقوم شرق الطايف وهزم في المعركة، فتم اجلاؤه لجدة للعلاج، ومن جدة إلى ميناء القصير جنوب مصر، وتوفى متأثِّرًا بجراحه”.

ويقول آخرين أنَّه توفي بالاسكندرية بالطاعون، على أيِّ حال، غضب محمد علي وقرَّر ارسال حملة ثالثة لانهاء الخطر الوهابي، فأمر ابنه الأكبر ابراهيم باشا بقيادة الجيش الذى كان قد تولى تحديثه مع صديقه الكولونيل سيف (سليمان باشا)، فبدأ حملته بالفعل عام 1816.

واستمرت المعارك حتى 3 سبتمبر 1818، يوم أن تم تدمير العاصمة الوهابية “الدرعية” وأسر وقتل الإمام (حفيد محمد ابن عبد الوهاب) رميًا بالرصاص، أما عبدالله السعود، فقد تم أسره وإرساله إلى السلطان العثمانس فى الأستانة، والذى قام بقطع رأسه وتعليقه فى ميدان عام. وانتهت الحملات المصرية بهذا الانتصار.

استطاع الإمام تركى ابن عبد العزيز آل سعود إقامة الدولة السعودية الوهابية الثانية وإنشاء عاصمتها بالرياض ولكن، فى عام 1892، تمكَّنت عائلة غير وهابية، آل رشيد، الانتصار على السعوديين وإنهاء الدولة الوهابية الثانية، وتولوا السلطة بالبلاد بعد احتلال الرياض.
لمواجهة النفوذ التركي فى الجزيرة العربية، قامت بريطانيا بممارسة هوايتها بالدسائس والمؤامرات لمساعدة ماتبقى من الحركة الوهابيَّة على استعادة الحكم والسطوة.
قامت انجلترا بتقوية الوهابيين من آل سعود بالسلاح والعتاد والدعم الفنى، وفى عام 1902، قام عبد العزيز ابن عبدالرحمن ابن فيصل السعود، والذى كان لاجئًا مختبئّا بمنطقة الكويت بإعادة احتلال الرياض، ثم منطقة النجد (من 1902 إلى 1912). ثم احتَّل الحجاز ومكة والمدينة عام 1924، ثم جدة عام 1925، وأرسى مملكة الحجاز فى أغسطس 1926 ومملكة النجد فى مايو 1927، وانتهى بتأسيس المملكة العربية السعودية (ثالث دولة وهابية) في 22 سبتمبر عام 1932.

تعايشت الدولة السعودية مع عصر البترول، حيث كان أهم اتفاق تم توقيعه فى مارس 1938 مع الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” هو اتفاقية “الحماية مقابل البترول”.
الخطر الوحيد الذى واجهته الوهابية منذ هذا التاريخ، هو انتشار فكر القومية العربية فى ظل عبد الناصر. وفي مايو 1962 قرًَرت السعودية إنشاء جامعة الدول الإسلامية مع عقدها لأوَّل مؤتمر اسلامي بمكة، وقامت بنشر فروع تلك الجامعة فى كلّ دول العالم (بأموال بترولية) لنشر هذا الفكر، بالإضافة إلى دعم الأخوان المسلمين فى مصر، ثم جاءت تبعات حرب أكتوبر 1973 لتتضاعف عشر مرات ايرادات البترول، فتتوحَّش الوهابية وتتوغَّل فى عقول العباد فى كل البلاد.

إعلان

اترك تعليقا