لماذا نصدق نظريات المؤامرة؟! قراءة في كتاب “العقول الشكاكة”

لم يَخْلُ زمان، عبر تاريخ البشرية كلّه، من حفنةٍ من نظريات المؤامرة، التي تتلاعب بعقول الناس وتفسِّر لتابعيها كل غموض؛ مرورًا بإحراق نيرون لروما، إلى مقتل جون كيندي، ثم الهبوط على سطح القمر، ووصولًا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، عروجًا إلى الربيع العربي.

ولا يخلو الأمر من طرائفٍ مؤامراتية؛ مثل سيطرة الفضائيِّين على العالم، وحروب الجيل الرابع والخامس. ولا يقتصر تأييد هذه النظريات على أصحاب العقول البسيطة، لكنها تجذب إلى محرابها الكثير من أساتذة الجامعة والكتاب والمفكِّرين!

وقصد الدكتور روب بروزرتن (Rob Brotherton) -أستاذ علم النفس بكلية جولد سميث للدراسات النفسية بجامعة لندن- في كتابه: Suspicious Minds why we believe conspiracy theories، إلى استكشاف جوانب هذه الظاهرة تاريخيًّا والكشف عن نتائجها، وطرح التفسيرات النفسية والأسباب التي تجعل من بعض الناس أكثر قابليةً وعرضةً لتصديق نظرية المؤامرة، خاصةً عندما يصيبهم شعورٌ من الغضب والتهميش.

ولقد اتسَّم بحث الدكتور روب بالحياد، إذ سعى لتوصيف موضوع هذه النظريات وملامحها وأسبابها، دون الخوض في المسائل المتعلقة بمدى خطأ أو صحة أي منها. واعتمد اعتمادًا كبيرًا على نتائج التجارب والأبحاث التي أجراها هو أو زملاؤه في هذا المجال، محاولًا الإجابة على الأسئلة الرئيسية التالية:

أولًا: ما هي نظريات المؤامرة، وما هي ملامحها المميزة؟

هي الاعتقاد بأنٌَ وراء الأحداث الكبيرة -عادةً- أياديَ خفيةً تديرها، ورفض التفسير الرسمي للحدث؛ ولها عدة ملامح أساسية:

إعلان

1- يتسِّم المتآمرون، عند أصحاب هذه النظرية، بمستوىً غير عادي من الشر؛ فهم يبيدون الآلاف، ويستعبدون الناس دون أدنى شفقة.

2- يتمتَّع المتآمرون بقدرات غير عادية؛ فهم قادرون على إدارة شؤون العالم، وإثارة الحروب، ونشر الأمراض.

3- لا تقوم على البراهين القوية، ولكنَّها تعتمد على اصطياد أو رصد عدد من المشاهدات المنفردة (Anomaly Hunting)، أو الأحداث الغريبة، أو الثغرات في الروايات أو الأخبار الرسمية التي لا تجد لها تفسيرًا، أو الربط بين الخيوط المختلفة داخل واقعة تاريخية ما (مثل الرجل الذي يحمل المظلة أثناء اغتيال كنيدي) لنسجِ قصةٍ تفسيرية شاملة.

4- لا يوجد -بالطبع- دليل صلب على صحتها، وذلك بالضرورة، وإلا ماكانت -أصلًا- نظريةً للمؤامرة.

5- لا يمكن -أيضًا- إثبات خطئها، في أحوال كثيرة، لأنَّها قائمة على التشكيك في السلطة نفسها، فإلى أيِّ سلطة سنحتكم؟ فإذا ظهر دليل يتماشى مع النظرية، فسيقول أصحاب النظريات: هذا طبيعي، وهذا ما أخبرناكم به. وإذا ظهر دليل مناقض فسيقولون: هذا أمر متوقع، لأنَّ المتآمرين يزيِّفون الأدلة لإخفاء المؤامرة؛ و إذا لم يظهر أيّ دليل قَطُّ، قالوا: طبيعي، فالمتآمرون يلتزمون الحذر، وهم على قدرٍ فائق من المهارة.

ثانيًا: ما أهمية دراسة نظريات المؤامرة؟

تتمثَّل الدواعي الرئيسية لدراسةِ نظرية المؤامرة في ارتفاع أعداد المؤمنين بها من الناس، والتي تصدق واحدةً من نظريات المؤامرة أو أكثر، وفقًا لأبحاث الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا، فضلًا عن التداعيات السلبية الخطيرة التي قد تترتٌَب على الإيمان بهذه النظريات؛ مثلما حدث من ذعرٍ وحالات من الخوف ضربت أمريكا وأوروبا فيما كان يخصُّ استخدام التحصينات واللقاحات، وذلك بعدما ربط أحد الأطباء أدعياء الشهرة بينها وبين الإصابة بمرض “التوحُّد عند الأطفال”؛ فتوقَّف الأهالي عن تطعيم أطفالهم، مما ترتَّب عليه ظهور آلافٍ من حالات الإصابة بالحصبة والكثير من حالات الوفاة.

ثالثًا: لماذا يصدق الناس هذه النظريات؟

1- تميل عقولنا إلى رؤيةِ الأحداث التي تُلم بنا كأنها مقصودة وذات هدف intentionality bias، وليست صدفة؛ أيّ أنَّه لدينا ميل عقلي لاعتبار أنَّ كل الأشياء تحصل لتحقيق غايةٍ ما وبمقصد معين (لا مجال للصدفة)، كأنَّنا نسقط صفاتنا البشرية على الوقائع من حولنا. وأثبتت التجارب أنَّ الأشخاص الأكثر تأثرًا بهذا النوع من انحياز النيَّة هم الأكثر تصديقًا لنظريات المؤامرة.

2- انحياز التناسب proportionality bias، وهو افتراض أنَّ أيَّ حدث كبير لابُدَّ أن يكون وراءه سببٌ كبير، وكذلك فأيّ حدثٍ صغير وراءه حدث صغير، فلا يعقل أن يكون اغتيال كندي وراءه فقط شخص مجنون؛ أيضًا كلّ الأحداث المهمة في العالم -كاختفاء الطائرات، والاغتيالات- لا يمكن أن يكون وراءها شيءٌ بسيطٌ أو أن تقع صدفةً.

3- قدرتنا على الكشف عن أنماطٍ معينة في هذا العالم، وإيجاد نوع من الترتيب بين العشوائية وربط الخيوط بعضها ببعض؛ وهذه القدرة تزداد عندما يشعر الناس بالعجز وبأن حياتهم لم تعد رهن أيديهم، فيرون صورةَ العذراء في السماء، وكلمات: “الله” و”محمد” في أوراق الشجر.

وفِي النهاية، هذا لم يكن إلا عرضًا مختصرًا جدًا لهذا الكتاب.وهنا تجدون فيديو قدَّمه المؤلف حول كتابه:

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سمير الشناوي

تدقيق لغوي: تسنيم محمد

اترك تعليقا