يتمتع الشباب المراهقون اليوم بسلوك أفضل وشهوة أقل لكنهم أكثر وحدة وعُزلة

أمام بوابات كلية سانتا مونيكا في لوس أنجلوس، حيث يتسكّع أحد الشباب المراهقين بلوح تزلجٍ بالقرب من مجموعة من الأشخاص الذين يدخنون الماريجوانا على مرأى من رجال شرطة الحرم الجامعيّ. عقلهُ مشوّش ومضطرب حيال قروض دراسته وصعوبة الحصول على وظيفة، بالإضافة إلى خوفه من أن ينتهي به الحال ليصبح مشردًا. حيث قال: لا أريد أن أبدو متشددًا، لكنّ الروبوتات احتلت مكانة البشر في العمل. وأوضح قائلًا أنّ الوصمة تجاه هذه الأشياء تُعدُّ أقوى مما كانت عليه في جيل أبويه.

الشباب وتحوّلات اليوم:

يفكّر الشباب ويتصرفون بشكل مختلف عمّا كانت عليه الأجيال السابقة ممّن هم في نفس العمر. وتمكن ملاحظة هذه التحوّلات تقريبًا في جميع المدن الغنيّة كما هو الحال في كل من أمريكا وهولندا وكوريا الجنوبية. وقد خضع بعضهم لهذه التحولات لسنوات عديدة حيث أنّها تسارعت في السنوات القليلة الماضية لكنّها لا تُعدّ جميعها سليمة. وربما يعدّ التغيّرالأكثر وضوحًا هو أن نسبة الشباب المراهقين الذين يسكرون تُعتبر أقل في كثير من الأحيان. حيث يبدأون بالسُكر في مراحل لاحقة. وكان قد ارتفع متوسط السنّ الذي يبدأ فيه الشباب الأستراليّ بتجربة المشروبات الكحوليّة لأوّل مرة من 14.4 إلى 16.1 عام منذ عام 1998. حتى أنّهم عندما يبدأون بالتعاطي فإنّهم يأخذون رشفات بدلًا من الشرب دفعة واحدة. في حين أنّ خُمس الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16-24 في بريطانيا لا يشربون الكحوليّات على الإطلاق، مما أدّى لانخفاض عدد الحانات بنحو 1.000 حانة في السنة. الأمر الذي بطبيعة الحال أدّى لإقبالٍ أقل على النوادي الليليّة. فتقول رئيسة جمعية تُجّار التجزئة كاتي نيكولس:

في السابق، كان الشباب يخرجون للشُرب والتسكّع وتناول القليل من الطعام. ولكن هذه الأيام فإنّ ما يحدُث هو العكس تمامًا.

وتواجِه بعض العقاقير انخفاضًا في الإقبال عليها أيضًا، حيث تُظهر الدراسات التي أجراها المركز الأوروبيّ لرصد المخدرات وإدمانها أن نسبة من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 15-16 ممّن حاولوا تجربة السجائر قد انخفضت منذ عام 1999. وبلغت نسبة مرتفعة من المراهقين الذين لم يحاولوا تجربة أي نوع من العقاقير المسببة للهلوسة بما فيها الكحول والتبغ والقنّب والمستنشقات والمهدئات. وارتفعت نسبة الممتنعين عن الشرب كليًّا من 11% إلى 31% بين عاميّ 2003 و2015، ومن نسبة 23% إلى 61% في ايسلندا والتي تعدّ نسبة مدهشة. جميع المخدّرات غير المشروعة في أمريكا أصبحت أقل شعبيّة باستثناء المآرجوانا والتي تعتبر غير مشروعة في كل مكان. ولحسن الحظ، فإنّ تعاطي المواد الأفيونيّة المفعول للمراهقين تنخفض انخفاضًا شديدًا.

انخفاض نسبة إيذاء الشباب لبعضهم البعض عن المعتاد:

قلّت نسبة الشِجار بين الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عام في جميع أنحاء أوروبا. كما وانخفضت جرائم الأحداث والسلوكات المعادية للمجتمع في كل من إنجلترا وويلز جنبًا إلى جانب انخفاض نسبة المحكومين من الأحداث، مقارنةً بعددهم عام 2007 حيث كان ما يقارب 3000 شاب في الحجز، لكن وبحلول عام 2016 انخفض العدد إلى أقل من 1000 شخص.

ممارسة أقل للجنس لا سيّما من الجانب الإنجابيّ:

أفادَ 54% من الشباب المراهقين الأمريكيّين في عام 1991، ممن هم في الصفوف من التاسع إلى الثاني عشر والمتراوحة أعمارهم بين 14-18عامًا بأنّهم من أصحاب الخبرة الجنسية. كما وصرّح 19% منهم أنّهم مارسوا الجنس مع أربعة شركاء على الأقل. في عام 2015 انخفضت هذه النسب إلى 41% و12%. وانخفض معدل المواليد في أمريكا بنسبة الثُلثَين في نفس الفترة. كما هو الحال بالنسبة للكحول، حيث يبدو أنّ الامتناع عن ممارسة الجنس يعود إلى مرحلة البلوغ المبكّر. بيّنت عالمة النفس في جامعة سان دييجو الحكومية في كاليفورنيا جين توينج، أنّ نسبة الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا ممن لم يمارسوا الجنس مع أي شريك منذ سن 18 سنة ارتفعت من 6.3% مقارنةً بالفوج الذي ولد في أواخر الستينات إلى 15.2% مع أولئِك الذين وُلدوا في أوائل التسعينات. تُشكّل اليابان حالةً أكثر تطرفًا حيث أنّ في عام 2015، قال 47٪ من الرجال اليابانيين غير المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا أنّهم لم يسبق لهم ممارسة الجنس مع امرأة قط، مقارنة بنسبة 34٪ منهم في عام 2002.

إعلان

وخلاصة القول، أنّ الشباب أصبحوا أقل شهوة وأقل تجاوزًا للقوانين مما كانوا عليه في الماضي. يقول شوكو يونياما وهو خبير المراهقين اليابانيين في جامعة أديلايد أنهم أصبحوا “مملّين”.

إذًا ما الذي يجري؟

1) التغيّرات الأسريّة

أحد التفسيرات المحتملة هو تغيّرُ الحياة الأسرية عمّا قبل. حيث أجرى الأكاديميَّيّن جوليا دوتي ساني وجوديث تريس دراسة شَمِلت 11 دولة وأظهرت أنّ الآباء يقضون وقتًا طويلًا في رعاية الأطفال. ففي عام 2012 في أمريكا، تبيّن أنّ الأهل يقضون 88 دقيقة يوميًّا في تربية أولادهم وهي نسبة مرتفعة مما كانت عليه في عام 1965 حيث كان الأهل يقضون 41 دقيقة يوميًّا في رعاية الأطفال. زاد الآباء عدد ساعات رعاية أطفالهم بشكل نسبيّ رغم أنّ عملهم مازال أقلّ بكثير من الأمّهات. إنّ ساعات الرعاية تُقسّم على عدد قليل من الأفراد نظرًا لصغر حجم الأُسَر.

واللافت للنظر أنّ المراهقين أصبحوا أكثر انصياعًا. ففي 28 دولة من أصل 34 دولة غنيّة شملتها دراسة من قبل منظّمة الصحة العالمية تبيّنَ أنه قد ارتفعت نسبة الذكور في سن الخامسة عشر الذين قالوا أنه من السهل التحدث مع آبائهم بين عام 2001 و2013. في حين وَجَدت الفتيات أنّه من السهل التحدث إلى آبائهم في 29 دولة من أصل 34. الأمر ذاته يعتبر متشابه بالنسبة للأمهات لكنّه أقل رواجًا، وحتى المراهقين الذين لا يتحدثون مع والديهم يبدو أنّهم يصغون إليهم.

تُظهر دراسات هولندية أنّ المراهقين أصبحوا يواجهون مزيدًا من الضغط من أهاليهم حتّى يمتنعوا عن تناول المشروبات الكحوليّة. ومن المحتمل أن هذا هو السبب الرئيسي لتراجعِ معدّل الشرب بالنسبة للشباب منذ عام 2003. إضافةً إلى عامل آخر محتمل وهو أنّ تركيز الشباب والمراهقين أصبح ينصبّ على العمل المدرسيّ والأكاديميّ أكثر من السابق.

وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الدول الغنيّة، فقد ارتفعت نسبة التعليم العالي لمن تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة من 26٪ إلى 43٪ بين عاميّ 2000 و2016. حيث تعتبر بشارة خير لشريحة كبيرة من المراهقين تُمكّنهم من الالتحاق بالجامعة.

وبناءً عليه ربما تزيد نسبة تواجدهم في منازلهم أكثر من السابق. يقول مايك رو مدير نادٍ للشباب  في برايتون جنوب إنجلترا، أنّه منذ 10 أو15 عامًا كانت الأندية في العادة تبقى مفتوحة حتى الساعة 11 مساءً في الليالي المدرسية كما كان الحال بالنسبة لناديه حيث يعتبر هذا الوقت حاليًّا متأخرًا جدًا. والغريب في الأمر أنّ الشباب لا يستغلّةن أوقاتهم المسائية في ما ينفعهم. وبيّنت المنظمة أيضًا انخفاض مقدار الوقت الذي يقضيه هؤلاء الفتيان، ممّن هم في 15 من عمرهم، في أداء واجباتهم المدرسية إلى ما دون ساعة إلى خمس ساعات في الأسبوع، بين عاميّ 2003 و2012.

2) الشباب والعمل:

وفي غضون ذلك، تدنّي نسبة العمل مدفوع الأجر. حيث في عام 2016، كان 43% فقط من الشباب الأمريكيّين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 19 عامًا يعملون في شهر يوليو مقارنة بما كانت عليه النسبة خلال عُطل الصيف قبل عقدين من الزمن حيث كانت 65%.

كذلك، يُسبِّب التراجع عن العمل في الإنقاذ وفي مطاعم البرجر قلقًا لبعض الأمريكيين بمن فيهم بين ساس عضو مجلس الشيوخ في ولاية نبراسكا، الذي يقول أنّ العمل المُمل مدفوع الأجر يصقل شخصيّة الفرد وقدرته على التكيّف. مع ذلك فإن المراهقين ليسوا بمغفّلين.

في عام 2016، بلغ متوسط أجر العامل الأمريكي البالغ من العمر 16- 19عامًا 9.20 دولارًا في الساعة. على الرغم من التحسّن الذي طرأ في السنوات السابقة، فإنّ مبلغًا كهذا يعتبر زهيدًا إلى جانب تكلفة التعليم الجامعيّ أو الفرق الكبير والمتزايد في الأجور بين الوظائف المهنيّة وبقية الوظائف. هذا وقد انعكس انخفاض معدل العمل في الصيف على زيادة الدراسة الصيفية.

يقترح آن هاغل، وهو طبيب نفسيّ بريطانيّ للمراهقين، اقتراحًا آخر؛ حيث قال: “يتنوع الشباب اليوم عِرقيًّا بشكل متزايد في البلدان الغربية”. على سبيل المثال، استقبلت بريطانيا تدفقاتٍ كبيرة من المهاجرين من أفريقيا وجنوب آسيا وشرق أوروبا. ويصل العديد من هؤلاء المهاجرين بمحظوراتٍ قوية ضد الشرب، والجنس قبل الزواج والتدخين؛ على الأقل بين الفتيات. حيث أنهم يعتقدون أنّ الفقراء فقط هم الذين يُرسلون أطفالهم إلى العمل. وعليه، تشير السيدة هاجل إلى أن شُرب المراهقين هو الأندر في لندن حيث يتجمع المهاجرون.

3) الشباب والتكنولوجيا:

من المحتمل أنّ تكون التكنولوجيا  قد غيّرت في سلوك الناس. حيث يُعد المراهقون من المستخدمين الشرِهين للإنترنت ويظهر ذلك من خلال اقتنائهم للهواتف الذكية بكثرة. فعلى سبيل المثال، يقضي الأطفال البالغين من العمر 15 عامًا في بلدان منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية 146 دقيقة في اليوم الواحد من ليالي نهاية الأسبوع على الانترنت في عام2015، بعدما كانت 105 دقائق في عام 2012. بيد أنّ التشيليّين الذين يعتبرون على رأس قائمة الدول الغنيّة، قنّنوا استخدام الانترنت ليصبح بمعدل 195 دقيقة خلال أيام الأسبوع و230 دقيقة في أيام عطلة نهاية الأسبوع.

تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للمراهقين تحقيق رغباتهم في التواصل مع أقرانهم لتتوافق مع رغبة الآباء في الحفاظ على سلامة أبنائهم بعيدًا عن المواد الضارّة. في أمريكا، سجّلت دراسات معروفة باسم “رصد المستقبل” انخفاضًا في التسوية غير الخاضعة للرقابة والتي شكّلت انخفاضًا شديدًا منذ عام 2012. ويمكن للمراهقين الذين يتواصلون بشكل كبير عبر الانترنت تبادل الثرثرة والشتائم والصور العارية ولكن لا يمكنهم تبادل السوائل الجسديّة أو الضربات أو زجاجات الفودكا.

قد يعجبك أيضًا

4) كُلفة المقايضة الرقمية:

تقول صوفي واسون عالمة النفس في هارفارد ويستلاك وهي مدرسة ثانويّة خاصّة في لوس أنجلوس، يبدو أن بعض المراهقين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن التواصل المباشر وجهاً لوجه. نتيجة لذلك، فهُم يُفوّتُون بعض الفرص لتطوير علاقات عاطفيّة عميقة مع أصدقائهم والتي تبنى على إشاراتٍ غير لفظيّة فضلًا عن تلك اللفظيّة. تعتقد السيدة واسون أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تُوسّع الفجوة بين شعور المراهقين تجاه أنفسهم واعتقاهم بما أراد أصدقائهم أن يكونوا عليه. فغالبًا يبدو الجميع على شبكة الإنترنت، سعداء وبمظهر حسن ويستمتعون بأوقاتهم.

5) بين أحلام الأبناء وآمال الأباء:

تعزز التكنولوجيا أيضا خاصيّة المراقبة. حيث من الشائع تعقّب الآباء بشكل متكرر لهواتف أبنائهم ورسائلهم النصيّة لسؤالهم عن أماكن تواجدهم. يتذكر الطالب بنيامين بولاك في جامعة بنسلفانيا حضوره لأحد المعسكرات في إسرائيل عندما كان في المدرسة الثانوية. لقد كان يتواصل مع والدته كل يوم باستخدام تطبيق الماسنجر وغيرها من الطرق. كما وصادف حضور والدته نفس المخيم عندما كانت في سن المراهقة حيث أنها تواصلت في ذلك الوقت مع والدتها مرتين خلال ثمانية أسابيع.

إنّ المخاوف بشأن المراهقين الذين يرسلون رسائل نصيّة ويلعبون ألعاب الكمبيوتر أكثر من اللازم، وقبل ذلك يشاهدون التلفاز بكثرة، قد أفسحت المجال إلى حد كبير للقلق حيال الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعيّ. ففي نوفمبر الماضي قال شاماث باليهابيتيا وهو مسؤول تنفيذيّ سابق لدى موقع الفيس بوك “أنّه لا يسمح لأطفاله باستخدام هذا الهراء”.

لكن الأدّلة قويّة بأنّ التكنولوجيا التي تُعيد تأهيل عقول المراهقين صعبة المنال حتى الآن. تُظهر البيانات البريطانية والأمريكية أنّه على الرغم من أن الاستخدام المكثف للإنترنت مرتبط بعدم الرضا إلّا أن العلاقة تُعدّ ضعيفة. أشارت دراسة واحدة لـ أندرو برزيبيلسكي و يتا واينشتاين في بريطانيا إلى أنّ الاستخدام المُفرط للكمبيوتر والهواتف الذكية يُعكّر مزاجية المراهقين بدرجة أكثر بكثير ممّا يفعله إهمال وجبة الإفطار أو النوم القليل.

ما يكفي ويفيض لليوم

  • الشباب والعزلة:

لايزال هناك أمر ما قد يرجع وجوده إلى تأثير الهواتف أو تدخّلات الأهل فيما يتعلّق بمهن المستقبل أو سبب آخر. حيث يعاني المراهقون من عزلةٍ بمستويات أكثر مما كانوا عليه في الماضي. ووفقًا لاستطلاعاتٍ قامت بها منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية أنّ نسبة سهولة تكوين الصداقات في المدرسة ممن هم في سن 15 عامًا قد انخفضت في كل المدن تقريبًا (راجع الرسم البياني 2). وبدأت بعض الدول الغربية مكافحة نوع أكثر حدّة من العزلة الاجتماعية حتى لا تبدو كاليابان وكوريا الجنوبية اللاتي تعانين من معدّلات عالية من العزلة الاجتماعية والأشبه بالرهبنة.

وواحدة من الاختلافات المثيرة للتفكير بين جيل الشباب الآن وسابقًا تَكمن في أنّ الكثير من شباب اليوم يتَروّون في اتخاذ الأمور. حيث أنّهم غير متسرّعين في الإقبال على الشرب وممارسة الجنس وكسب المال كالأجيال السابقة. ومن المحتمل أيضًا تروّيهم في مغادرة المنزل والزواج وإنجاب الأطفال. الأمر الذي يبدو للأجيال الأكبر سنًّا نوعًا من الكسل أو العزوف عن التقدّم في العمر استجابةً للتطورات الطبيّة على أقل تقدير. ويُتوقّع للأطفال الذين يولدون في دولة غنيّة هذه الأيّام أن يعيشوا قرابة الـ80 عام على الأقل. والله وحده يعلم في أي سن سيحقُّ لهم تقاضي معاشات حكوميّة. المهم أنّ شباب اليوم يمتلكون الوقت كلّه لفعلِ كلّ شيء.

مساهمة بيان محمد دحبور من الأردن
تدقيق: فاطمة الملّاح

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا