ربيع أمريكا اللاتينية هل يؤجل إلى الخريف؟

_ الخبر: “رغم الاحتياطيات النفطية الهائلة، فإنّ سنينًا من السياسات الاقتصادية السيئة، بجانب انحدار أسعار النفط، كانت سببًا في تدهور الاقتصاد الفنزويلي، لدرجة أنّ العملة الوطنية لم تعد لها قيمة تذكر.. هكذا  عنوان موقع سكاي نيوز “بالعربية” تقريره عن الاقتصاد الفنزولي، ويغيب في هذه الجملة الإشارة للولايات المتحدة من قريب أو بعيد.

انحدار في أسعار النفط من مائة وخمس عشرة دولارًا للبرميل إلى نحو خمس وعشرين دولار والعودة لسعر خمسين دولارًا هو السبب الخارجي الأبعد للأزمة الاقتصادية الفنزويلية، أما السبب الأقرب والمباشر هو الحكومة الوطنية التي بدأت بالثورة البوليفارية التي قادها هوغو تشافيز، وانتهت بخلفه نيكولا مادورو! هل هذا كل ما في الأمر؟

حسناً، هذا الشهر كان للناخبين الفنزويليين رأي مهم ومختلف تغفله التقارير الغربية المتكاثرة والمتواترة، لأنّ ٤٦% من الناخبين أعادوا انتخاب هذا “الفاشل” مادورو بنسبة ٦٧%، رغم الاعتراض على الانتخابات من “دول مجموعة ليما”، ورغم رفض منافسي مادورو الانتخابيين الرئيسيين للانتخابات قبل موعدها، ورغم وصف نائب الرئيس الأمريكي مايكل بينس الانتخابات المبكرة بأنها “مهزلة”، والتهويلات الغربية لانتهاك آلهة العدالة البشرية المتمثلة بديمقراطيتهم المزعومة، ورغم تغطية إعلامية غربية للانشقاقات المزعومة في الجيش الفنزويلي، وتهويل حادثة “الإنقلاب الفاشلة”، حينما هاجمت حوامة عسكرية لضابط منشق مبنى المحكمة العليا في كاركاس.

_ مجموعة ليما:

تشكلت هذه المجموعة في حزيران ٢٠١٧ وتتألف من أربع عشرة دولة من أمريكا ومنطقة البحر الكاريبي منها البرازيل والمكسيك والأرجنتين وبيرو وتشيلي والبارغواي وبنما وهندوراس وغواتيمالا وكوستاريكا وسانتا لوتشيا إضافة إلى كندا، وقد كانت حجة هذه المجموعة المعلنة حض حكومة الرئيس مادورو على القيام بإصلاحات “ديمقراطية” وإطلاق سراح “السجناء السياسيين” والسماح لمنظمات أجنبية بتقديم المساعدة للفنزويليين خصوصًا اللاجئين.. وفي هذه العبارة أيضًا، تغيب الأوصاف التالية: “فوضى سياسية” بدلاً من “إصلاح ديمقراطي”، و”العملاء والجواسيس الموالين لأمريكا” بدلاً من “السجناء السياسيين”، و”منظمات الثورات البرتقالية” بدلاً من “المنظمات الأجنبية”. كما يغيب في العبارة الإشارة إلى القيادة العسكرية الأمريكية الجنوبية لأمريكا اللاتينية “ساوثكوم” ودورها الكبير في زعزعة الوضع الداخلي في فنزويلا، بينما يتم التركيز على أزمة اللاجئين الفنزويليين لدول الجوار، والذين ارتفع عددهم على التوازي مع “الأزمة الإقتصادية”، والذي يشكل الحصار الاقتصادي الخانق الذي تديره الولايات المتحدة أحد أهم أسبابها.

_ ساوثكوم:

مؤخرًا، نشر موقع “فولتير” وثيقة مذيلة بتوقيع قائد القيادة الجنوبية “ساوثكوم” الأدميرال كورت تيد، تشير إلى إعداد البنتاغون لبرنامج شامل لتدمير عدة مجتمعات في أمريكا اللاتينية منها فنزويلا، بالتعاون مع البرازيل وكولومبيا وبنما وغويانا، “البرازيل وكولومبيا وغويانا هم الدول المحيطة بفنزويلا بالاشتراك مع البحر الكاريبي”، وقد علّق الرئيس البوليفي إيفو موراليس على الوثيقة ودعا لمقاومة الأمريكان.

إعلان

وأما في الإعلام الغربي فقد كان التركيز على تصريحات الأدميرال كورت حول شبكات تهريب المخدرات وخصوصًا المدعومة من داعش وإيران والمتفشية في أمريكا اللاتينية، بل والمدعومة من الصين وروسيا! وبذلك وجد البنتاغون تبريرًا لتجميد أموال وأعمال ست عشرة شركة وطنية فنزويلية، بحجة الحدّ من تهريب المخدرات، وضرب عددًا من العصافير، بحصى واحدة.

في الواقع، إنّ استخدام حجة الإرهاب، ودمجها بحجة المخدرات، هي خدعة أمريكية قديمة، فبالأمس القريب “٢٠١٦” تحدث تقرير مخابراتي أمريكي عن تعاون بين حزب الله والقاعدة وحماس لتهديد أمن الولايات المتحدة، وبذلك يستمرّ استهلاك حادثة الهجوم على السفارة الإسرائيلية في بيونس آيريس عام ألف وتسعمائه واثنين وتسعين إعماء الشبكة العنكبوتية بتقارير “استخباراتية” تفتقد أيّ دليل أو وثيقة ملموسة، عن كون كل أولئك المغتربين ذوي الأصول العربية إرهابيين محتملين.

_ الجيش الفنزويلي الحر:

بالعودة خطوة للوراء، لآذار الماضي، وحيث تكاثرت الحوادث الفردية في شبهٍ لافت ببدايات “الثورة” السورية.. ففنزويلا، سبع وعشرون مليون نسمة، غادرها أكثر من مليوني نسمة باتجاه كولومبيا والبرازيل كما تدّعي بعض التقارير من “المراصد” الغربية، وزعم مثلاً مرصد اجتماعيّ مختصّ بالمراقبة العسكرية في كاركاس أنّ مستوى الانشقاقات العسكرية ارتفع بشكل كبير من العام الماضي بسبب التضخّم الاقتصادي وسوء الطعام واللباس وانخفاض الرواتب، ولذلك فإنّ الحكومة استنجدت بالمتقاعدين وقوات “الميليشيات” لتدارك النقص الحاد في الجيش، ولتأمين الإنتخابات الأخيرة، والمضحك أنه استدلّ على كل ذلك بعبارة “وما يقرب من عشرة آلاف جنديّ طالب بالحصول على إجازة حتى مارس الماضي.”، وهو الرقم البديهي لتداول الإجازات في جيش مماثل “نحو ١١٥ ألف مقاتل”، وبظروف طبيعية، كما يتلافى التقرير الإشارة إلى أنّ “الميليشيا الوطنية الفنزويلية” هي جزء أساسي من هيكلية القوات المسلحة الفنزويلية أساسًا.

_ الشيطان والبرتقال:

منذ العام الماضي غرّد الرئيس الأمريكي ترامب بأنّ الخيار العسكري تجاه فنزويلا مطروح، ونفى البنتاغون بشكلٍ ما الأمر في اليوم التالي قائلاً بأنه لا يوجد خطط مطروحة “حاليًا”؛ وكما في سوريا فقد أربكت نتائج الانتخابات الفنزويلية خطط البنتاغون، وكانت شيطنة حكومة “الديكتاتور” مادورو غير ذات قيمة، وتمّ تحليل مجريات عملية الانتخابات الأخيرة من قبل الغرب، وتوضح أنّ كل المواطنين المدركين للوضع الذي كانت عليه البلاد قبل ثورة تشافيز، صوتوا لمادورو، وترددت الولايات المتحدة في إطلاق ربيع أمريكا اللاتينية، على غرار ما فعلوا بالعرب، ففنزويلا ليست كمصر ولا تونس، وهي أكثر شبهٍ بسوريا، ومن الواضح للغرب أنهم سيلقون مقاومة عنيفة تؤدي لانعكاسات غير محسوبة النتائج، بل خطيرة، رغم انضمام الكثير من دول أمريكا اللاتينية للمحور الغربي.

إنّ الربيع العربي غير المنتهي موجود في الذاكرة القريبة لسكّان كوكبنا، والإعلام الغربي الموجّه لم يعد مقنعًا، بل يوحي للمتفرج بأنّ ما يبث خاطئ ومغرض، وبذلك يتبقّى الواقع الاقتصادي والعسكري الميداني العامل الوحيد الفعال، فاستقطاب الغوغاء والثورات البرتقالية منتهي الصلاحية.

_روسيا: تصريحات روسيا تعليقًا على تصريح الوزير المكسيكي في اجتماع “مجموعة ليما” اعتبرت ذلك تدخلاً سافرًا في الشئون الداخلية لفنزويلا، لكن السؤال هل تتعامل روسيا مع فنزويلا كما تعاملت مع ليبيا، أم كما تعاملت مع سوريا وخصوصًا في حال تدخل الناتو في فنزويلا؟

إعلان

اترك تعليقا