إدمان الوجبات السريعة وإدمان المخدرات وجهان لعملة واحدة

تُعدّ الوجبات السريعة صنفًا غذائيًا يختلف بشكل كبير عن المخدرات بأنواعها. إلا أنها تشترك مع المخدرات ببعض الخصائص؛ فكلاهما يُعدّ من الموادِ التي يتم إدخالها إلى الجسدِ. كما ويواجه معظم الناس صعوبة كبرى في التوقف عن الإفراط في استهلاكهما، وأدّت معرفة شركات تصنيع الوجبات السريعة بهذه المعلومة إلى تعديل حملاتها الدعائية لتحثَ الزبائن على شراء منتجاتهم بشكل مبالغ فيه.

على سبيل المثال؛ قامت شركة Lay’s بإصدار إعلان يحفز المشاهدين على شراء منتجات رقائق الشيبس الخاصة بها عن طريق استخدام جملة “لن تستطيع مقاومة أكل قطعة تلو الأخرى”. وبناء على ذلك، قام العديد من الباحثين باستحداث دراسات لتفسير العلاقة بين إدمان الوجبات السريعة وإدمان المخدرات. ووجدت دراسة حديثة أن الوجبات السريعة تتسبب بثوران بركان من الفوضى داخل الجسم بنفس الشكل الذي تؤثر به المخدرات على أعضاء الجسم الداخلية.

قطعٌ من البيتزا أم قطعٌ من الخيار؟

من إحدى أهم الدراسات الرائدة في هذا المجال دراسةٌ قام بها باحثون من قسم علم النفس في جامعة ميشيغان وباحثون من مركز نيويورك للأبحاث المتعلقة بالسمنة. حيث قام الباحثون بعرض مجموعة من الصور المتجاورة لأنواع مختلفة من الطعام، كالبيتزا جنبًا إلى الخيار، ثم طلبوا من المشاركين أن يحددوا أيًّا من الصورتين قد تسبب لهم مشاكل -شبيهة بمشاكل إدمان المخدرات– في المستقبل. وتتضمن المشاكل التي قد يتعرض لها الفرد؛ الصعوبة في تقليل الكميات اللي يتناولها من الطعام وتناول كميات مبالغ فيها نظرًا لعدم قدرة الفرد على السيطرة على رغبته في تناول المزيد. وتضمنت قائمة الصور المعروضة 35 نوعًا من الطعام.

حيث قام الباحثون بتقسيمه إلى 4 أصناف:

1. طعام غنيّ بالدهون والسكر أو الكربوهيدرات المكررة؛ كالشوكولا والبطاطا المقلية
2. طعام غنيّ بالدهون ومُفتَقِر للكربوهيدرات المكررة؛ كالجبنة ولحم الخنزير المقدد
3. طعام غنيّ بالكربوهيدرات المكررة ومُفتَقِر للدهون؛ كالمشروبات الغازية البسكويت المملح
4. طعام مُفتَقِر للدهون والكربوهيدرات المكررة؛ كالبروكلي والدجاج

ووجدت الدراسة أن أكثر أنواع الطعام التي يُدمن المشاركون على تناولها بشكل مبالغ فيه هي الأغذية المعالجة والغنية بالحِمل الجلايسيمي -يشير الحمل الجلايسيمي المرتفع إلى الكربوهيدرات ذات القيمة الغذائية المنخفضة- التي تُسبب ارتفاعًا في مستوى الدهون والكربوهيدرات المكررة. حيث أثبتت الدراسة صحة هذه المعلومة بالنسبة ل 120 طالب في جامعة ميشيغان وبالنسبة لمجموعة تضم 398 مشارك في موقع Amazon Mechanical Turk . وعلى الرغم من أن تصنيف أنواع الطعام حسب نسبة إدمان المشتركين على تناولها تختلف من مجموعة لأخرى، إلا أن جميعهم أعربوا عن معاناتهم من صعوبة السيطرة على الرغبة في تناول الشوكولا والبيتزا والمثلجات والكوكيز والبرغر بالجبنة والبطاطا المقلية.

إعلان

التفسير العلميّ لإدمان الوجبات الخفيفة 

يشير الباحثون إلى أنه من الطبيعي أن يُدمِن الأفراد على تناول الوجبات الخفيفة والسريعة. حيث أن هذه الأنواع من الطعام تشترك مع المخدرات ببعض الصفات الأساسية؛ حيث يقوم الأفراد باستهلاك المخدرات والوجبات السريعة بكميات مبالغ فيها نظرًا لسرعة هضمها، مما يؤدي إلى رفع مستوى السكر في الدم بشكل مفاجئ. وبشكل مماثل لعملية تصنيع المخدرات، تعرضت الوجبات السريعة إلى المعالجة الغذائية؛ أي تمّ اشباعها بكميات كبيرة من الدهون والكربوهيدرات المكررة وتمّ انتزاع الألياف والبروتين والماء منها. حيث تهدف عملية المعالجة إلى جعل الوجبات السريعة اكثر إدمانًا بهدف رفع رغبة الأفراد بشرائها. فمضغ الأوراق الطبيعية لنبتة الكوكا لا يُسبّب الإدمان بنفس القدر الذي تسببه أوراقها التي تخضع لعملية المعالجة الغذائية بهدف تحويلها إلى بودرة الكوكايين. وبالنسبة للدجاج؛ فعملية القلي التي تؤدي إلى إشباعه بالكربوهيدرات والدهون هي ما تُسبّب الإدمان على تناوله.

كما وتؤثر القوة الإدمانية للأطعمة المُعالجة على الكائنات الحية المختلفة. فأظهرت إحدى الدراسات أن الجرذان تُدمِنُ على الأطعمة المُعالجة؛ حيث ظهرت بعض أعراض الإدمان على الجرذان التي تتناول بسكويت أوريو ولم تظهر عند تناولهم طعام الجرذان الطبيعي. كما واستمرت الجرذان بتناول الوجبات الخفيفة المُعالجة حتى وإن تلا ذلك تعرضها لنوعٌ من أنواع العقاب، كالصعق بالكهرباء. ومن البديهيّ أنّ نُسرف في تناول قطع الحلوى بدلاً من الانغماس في تناول قطع الخيار.

وتُعدّ الدراسة التي تمّت بالتعاون بين جامعة ميشيغان ومركز نيويورك للأبحاث المتعلقة بالسُمنة أُولى الدراسات التي تُوفّر دليلًا علميًا لدعم افتراضهم بأن الأطعمة المُعالجة تحمل بين ثناياها خصائص إدمانية أكثر من الطعام الطبيعيّ. حيث ستُساهم نتائج هذه الدراسة في التخفيف من انتشار وباء السمنة الذي يُتوقع أن يؤثر على حياة 85% من الأمريكيين بحلول عام 2030. كما وستساهم في إحداث تغييرات جذرية في القانون الأمريكي.

حيث صرّحت “Erica Schulte” -المؤلّفة الرئيسة لهذه الدراسة والبروفيسورة في قسم علم النفس في جامعة ميشيغان- ما يلي:

“يجب أن تخضع إرشادات أُسس التغذية ومبادرات المصلحة العامة -كتسويق الطعام الذي يستهدف الأطفال- إلى التغيير، نظرًا لأن خصائص بعض أصناف الطعام تؤدي إلى إدمان الأفراد على تناولها”

فإن كانت الوجبات السريعة تشعل بركانًا من الفوضى داخل الجسم، ألا يجب علينا أن نتعامل مع فكرة الإدمان على تناولها بنفس الصرامة التي نتعامل بها مع المخدرات؟

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: راما ياسين المقوسي

اترك تعليقا