إليزابيث هولمز من أصغر مليارديرة في العالم إلى السجن (فضيحة شركة ثيرانوس)

لطالما كنت من الأشخاص الذين يخافون الذهاب إلى الطبيب، ولعلّ ما يبرّر خوفي هذا هو أنني في حقيقة الأمر أهاب عمل الفحوصات الطبية وخصوصًا ذلك الفحص المرعب المتعلق بسحب عينات من الدم.
إنه لشعور مهيب بالنسبة لي أن أرى قطرات دمي وهي تنساب إلى داخل تلك الحقنه، ناهيك عن الألم الذي تسببه وخزة الإبرة التي تسبق عمليه إجراء هذا الفحص.
وبعد أن أنهي عمل الفحص وينتهي فيلم الرّعب هذا، وبينما أكون في غرفة انتظار النتائج، دائمًا ما أجد نفسي أمام مجموعة من الأسئلة الفضولية، وأول سؤال يتبادر إلى ذهني هو: ما الجدوى من سحب كلّ هذه الكمية من الدم في حين أنه في الأساس يتم استخدام كمية بسيطة منه فقط، بل إنّ قطرة واحده قد تفي بالغرض الذي أُخذت من أجله؟
ولماذا لا يتمّ استخدام عينة الفحص هذه للكشف عن عدّة أمراض مثلًا، بدلًا من أن تُستخدم لغرض الكشف عن مرض واحد فقط.؟ وماذا لو أنّ هناك آلة سحرية تجعل من قطرة الدم شيئا كافيًا للكشف عن قائمة لا حصر لها من الأمراض؟
وبما أنني من الشخصيات الفضولية وكثيرة الأسئلة؛ هناك أيضًا سؤال آخر يشغل حيزًا من تفكيري ويتعلق هذه المرّة بتخصصي الدراسي في الاقتصاد، حيث يتمحور هذا السؤال حول كون فحص الدم دائمًا باهظ الثمن إذا ما قورن ببقية الفحوصات الطبية البسيطة.

أيعقل أنّ إليزابيث هولمز Elizabeth Holmes كانت تنتابها هذه التساؤلات الفضولية حتى استطاعت أن تبتكر لنا مشروعًا رياديًا لشركة عاملة في مجال التحاليل الطبية، والتي أطلقت عليها اسم ثيرانوس Theranos، وطوّرت لاختبار دم شامل قادر على جعل وخزة الإبرة الواحدة وقطرة الدم الواحدة طريقًا للكشف عن سلسلة كبيرة جدًّا من الأمراض المختلفة؟

بالتأكيد هذا ما حدث فعليًا على أرض الواقع، وما زعمت به هولمز أثناء ترويجها لمشروعها المبتكر هذا. فمشاريع ريادة الأعمال دائمًا ما تبدأ بتساؤلات معينة وهذه التساؤلات تنجم عنها أفكار. وتنفيذ هذه الأفكار يعطينا نتائج مذهلة تساهم في حلّ الكثير من المشكلات التي نظنّها معقدة. كما أنّ نجاح هذه المشاريع المبتكرة لا يعود بالنفع على المجتمع فقط، بل إنها بالإضافه إلى ذلك تدرّ الأموال على أصحابها وتجعلهم من الأثرياء، تمامًا كما حدث مع السيدة هولمز.

لكن لريادة الأعمال سلسلة من القواعد والقوانين أهمها مبدأ الشفافية والمصداقية، ومن يكسر هذه القوانين فإنّ العواقب ستكون وخيمة للغاية.

وما بين ليلة وضحاها، انهارت شركة ثيرانوس وسقطت معها جميع الألقاب والرتب التي استحقتها مؤسستها، وقد ينتهي الأمر بها إلى السجن.. فلا مجال في عالم المال والأعمال لمن لا يحترم ويقدّر عملاءه ويحتال عليهم.

إعلان

وفي هذه المقالة سنتعرف بشكل أكبر على شركة ثيرانوس، ومؤسِّستها إليزابيث هولمز من البداية وحتى الأحداث الأخيرة المتعلقة بهذا الموضوع.

كيف قاد التسرب من الجامعة إليزابيث هولمز إلى الحصول على لقب أصغر أغنى امرأة في العالم؟

 لا يوجد حلم لا تستطيع تحقيقه، لا تسمح لأحد بأن يفهمك غير ذلك.
-إليزابيث هولمز

ولدت إليزابيث في العام 1984 م، في مدينة واشنطن الأمريكية لعائلة ميسورة الحال. والدها كريستيان هولمز الرابع، عمل لدى وكالات أمريكية عديدة لعلّ أبرزها “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”. أما والدتها نويل آن فعملت موظفةً داخل لجنة الكونجرس الأمريكي. ولديها أخ يُدعى كريستيان هولمز الخامس.

درست إليزابيث الهندسة الكيميائية في جامعه ستانفورد ولكنّها تركت الدراسة فيها وهي في سنّ التاسع عشر، وفضّلت أن تستخدم أقساط دراستها في إنشاء مشروع خاصّ بها. حيث كانت تعتقد أنّ هذا ما سيكون الأفضل بالنسبة لها، وبدأت بحضور دروس في الاقتصاد، ولعل تلك الدروس كانت الملهم لها والعامل المساعد الذي أهّلها لأن تأسس شركتها بنجاح.

في العام 2003 م، أسست شركة Theranos التي بدأت نشاطها كشركة عاملة في مجال التحاليل الطبية وأحد شركات وادي السيلكون التي تم الترويج لها على أنها ستشكل علامة فارقة في مستقبل التحاليل الطبية وستجعلها رخيصة وأقلّ إيلاما وأكثر فعالية.

إنّ الفكرة التي بُنيت عليها شركة ثيرانوس كانت ملفتةً للانتباه؛ فالتقنية الطبية والأدوات المبتكرة التي تقوم عليها هذه الشركة تسمح بإجراء فحص دم شامل وذلك من خلال سحب عينة صغيرة جدًا من الدم من طرف الإصبع ووضعه في زجاجه صغيرة ومن ثم يتم استخدامه لإجراء ما يقارب ال 200 فحص ابتداءًا من الفحوصات البسيطة وانتهاءًا بالأكثر تعقيدًا.

وعلى الرغم من أنّ الشركة لم تظهر إلى النور بشكل كبير، حتى أنّ السيدة هولمز لم تطرح أسهمها في البورصة إلا أنها استطاعت إقناع عدد لابأس به من كبار المستثمرين المخاطرين للاستثمار فيها وامتلاك حصة من أسهمها، ومن بين هؤلاء المستثمرين روبرت مردوخ وعائلة والتون، وتيم درايبر، ووزيرة التربية والتعليم الأمريكي بيتسي ديفوس، كما ويمتلك أيضًا المستثمر لاري إليسون حصة في أسهم الشركة.

ثيرانوس تبصر النور وتقود إليزابيث هولمز إلى قائمة الأثرياء:

تمتلك السيدة هولمز شخصية قوية بامتياز، ولديها كاريزما عالية جدًا، كما أنها شغوفة ومحبة جدًا لعملها؛ فهي تستيقظ في السابعة صباحًا وتعمل طوال الأسبوع ولديها نمط خاص في الملابس التي ترتديها، فهي دائمًا ما ترتدي ثيابًا باللون الأسود الرسمي كما أنها لا تهتمّ بالعلاقات والصداقات ولا تكرّس أيّ وقت لها.

إنها حقًا امرأة قيادية تدير شركتها من منصبها كمدير تنفيذي بكلّ ثقة ونجاح على الرغم من أنها المرأة الوحيدة في الإدارة ولديها موظفين أكفاء، فمجلس إدارتها يتكون من مستشارين ووزراء سابقين في البيت الأبيض.

لقد ساهمت كلّ هذه العوامل، ابتداءً من ثقة المستثمرين ودفّة القيادة المتميّزة لهولمز، في نجاح الشركة وحصولها على تقييم مرتفع حيث وصلت قيمتها إلى 9 مليارات دولار.

في العام 2015، أصبحت إليزابيث هولمز من الأغنياء بعد أن تمّ إدراجها ضمن قائمة الأثرياء التي تنشرها مجلة فوربس. ومُنحت لقب أغنى امرأة عصامية في أمريكا بثروة تقارب الـ 5 مليار دولار، وهي لا تزال في الثلاثين من عمرها في ذلك الوقت.

لكن حدث ما لم يكن في الحسبان وانقلب السحر على الساحر، وكانت سنه 2015 آخر سنة لثيرانوس في عالم النجاح لتبدأ بعدها مسيرتها في عالم الإخفاقات والخسائر الفادحة التي كلّفت الشركة ومؤسستها الكثير والكثير.

انهيار ثيرانوس:

في اللحظة التي تكون لديك خطة بديلة فأنت اعترفت بأنك لن تنجح.

لم تُصِب هولمز بمقولتها أعلاه هذه المرة، وكان لزامًا عليها أن تفكّر في خطة بديلة قد تنقذها مما لا يُحمد عقباه.

فبعد كلّ هذه الضجة التي أحدثتها هولمز وشركتها، فإنّ الأقاويل والإشاعات بدأت تكثر عن أنّ المشروع الذي سيغير المستقبل هو في الحقيقة مجرد أكاذيب، أو أنّ ما تمّ الترويج له ليس دقيقًا بما فيه الكفاية.

وكما يقال، لا يوجد دخان من غير نار، فسرعان ما تحولت هذه الأقاويل والإشاعات إلى تقارير موثوقة، حيث أنّ صحيفة ال ” وول ستريت جورنال ” نشرت مجموعة من المقالات كشفت فيها عن أنّ تحليلات الشركة غير دقيقة ومعيبة، كما أظهرت أن مستوى عوائد ومداخيل الشركة السنوية لا يتجاوز ال 100مليون دولار.

انعكست هذه الأخبار بصورة سلبية على هولمز وشركتها؛ حيث أنّ مجلّة فوربس أعادت تقييم الشركة عند مستويات منخفضة للغاية، فبعد أن كانت موجودات الشركة تقدّر ب 9 مليار دولار تمّ تقدير الموجودات الحقيقة عند 800 مليون دولار فقط، أي أنّ القيمة الحقيقية للشركة لا تساوي شيئًا.

حينها أسقطت المجلة اسم إليزابيث هولمز من قائمة الأثرياء وصرّحت بأنه يتوجب على السيدة هولمز القيام بتسييل أصول الشركة وإعطاء المستثمرين تعويضات عن الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها.

جاء ردّ الشركة على هذا الموضوع عن طريق إعلان مالكتها بأنه سيتم إغلاق مجموعه من المختبرات التابعه لها وتسريح عدد كبير جدًا من الموظفين؛ حوالي 340 موظف، أي أكثر من 40% من القوى العاملة فيها.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد استُدعي كلّ من “إليزابيث هولمز” البالغة من العمر 34 عامًا، ورئيس مجلس إدارة شركتها “راميش بالواني” ذو ال53 عامًا إلى مكتب التحقيق الفيدرالي ووُجّهت لهما اتهامات عدّة، أهمّها اتهامهم بالانخراط في خطة بملايين الدولارات للاحتيال على المستثمرين والأطباء وتعريض حياة المرضى للخطر بفعل المبالغة في تضخيم القدرة التكنولوجية لآلات اختبار الدم، والكذب على المستثمرين فيما يخص المركز المالي للشركة.

وفي شهر يونيو من هذا العام، أعلنت ثيرانوس عن تنحّي مؤسِّستها عن منصبها كمدير تنفيذي للشركة لصالح المستشار الأسبق فيها “دافيد تايلور”·

فيما لا تزال التحقيقات مستمرة حتى الآن. وفي آخر جلسة تحقيق، تمّ تغريم السيدة هولمز مبلغًا وقدره 500 آلاف دولار، وطلبوا منها ومن رئيس شركتها الأسبق -السيد بلواني- تسليم جواز سفرهما للمحكمة، وفي حال تمّت إدانتهما فإنهما سوف يتعرضان لعقوبة السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا ودفع الملايين من الدولارات كغرامات.

أخيرًا، قد تكون إليزابيث هولمز شخصية شديدة الثقة بنفسها ولكنّ الثقة بالنفس قد تصيب صاحبها بأضرار كبيرة إذا تعدّت على حقوق الآخرين وأضرّت بمصالحهم ولم تحترم القواعد التي تحكم عالم المال والأعمال.

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: ضحى حمد