إيران وأمريكا وحرب اقتصاديّة جديدة

“من الواضح أننا لن نستطيع منع إيران من تصنيع قنبلة نووية بهذا الاتفاق ذي البنية الضعيفة”

بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي الإيراني ضاربًا عرض الحائط جميع المحاولات و المساعي الأوروبية التي حاولت بشتى الوسائل إقناعه بالعدول عن قراره هذا، وليس ذلك فحسب بل توعّد ترامب طهران بفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها.

في الحقيقة إن انسحاب ترامب لم يكن مفاجئًا على الإطلاق بل كان متوقعًا منذ اللحظة التي نُصِّب فيها ترامب على كرسيه في البيت الأبيض حيث نفّذ وعده الإنتخابي بذلك و مضى قدمًا في التخلّص من كافّة الاتفاقات والقرارات التي اتّخذها باراك أوباما الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية.

ومن جانبه أعرب الرئيس الإيراني عن استيائه الشديد من هذا التصرف غير المسؤول قائلا :

” أمريكا فشلت بالالتزام بتعهّداتها الدولية في الاتفاق النووي والاتفاق لم يكن ثنائيًا بل كان دوليًا و مصادقًا عليه من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن .”

كما تعهّد بأن بلاده ستستمرّ في تخصيب المزيد من اليورانيوم و أكد بأن العقوبات لن تضر بلاده وأنه مستمر في النمو .

وعلى الرغم من أن العقوبات أو مدة صلاحية هذا الإتفاق تحتاج إلى مابين 90 الى 180يوم لكي يتم تطبيقها على أرض الواقع إلا أن الأسواق تفاعلت مباشرةً مع قرار ترامب بالانسحاب وكان التأثير إيجابيًا على بعضها في حين تأثر البعض الآخر من الأسواق بصورة سلبية ولعلّ النتائج السلبية انعكست على الإقتصاد الإيراني بشكلٍ أكبر

إعلان

ولكن قبل أن نتطرّق إلى من الرابح ومن الخاسر من هذا الحدث الاقتصادي السياسي الذي شغل العالم أجمع، دعونا نتذكر المراحل التي مرّ بها البرنامج النووي الإيراني وصولاً إلى الاتفاق:

-في العام 1958 انضمت إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية
-عام 1979 الثورة الإسلامية في إيران تنهي التدخل الغربي في البرنامج النووي للبلاد
-في فبراير من العام 2003  قام محمد البرادعي -والذي كان يشغل منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية- بزيارة إيران لتفقد منشأتها النووية
-في فبراير من العام 2006  أمر الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد إيران بإنهاء تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية
-في ديسمبر من العام 2006 صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على فرض عقوبات على إيران لرفضها إيقاف برنامجها النووي
-في 2008 بدأت الدول بفرض عقوباتها الاقتصادية على إيران
-في سبتمبر من عام 2009 كشفت إيران عن وجود منشأة نووية ثانية تحت الأرض في قاعدة عسكرية قرب مدينة قم
-في ال 2014 الاتحاد الأوروبي يعلن إيقاف بعض العقوبات ضد إيران لمدة ستة أشهر وإعطائها فرصة للمفاوضات
-في 2015  دول ال 5+1 وإيران تتوصّل أخيرًا إلى الاتفاق النهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث وقّعت إيران مع الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا، أمريكا، فرنسا، الصين، بريطانيا، وألمانيا) اتفاقًا مفاده التزام إيران بمعدل سلميّ لتخصيب اليورانيوم، أي أنه بموجب هذا الاتفاق منعت إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة تكفي لصنع قنبلة نووية طوال مدة الاتفاق والمقدرة بعشر سنوات، وذلك مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها

-في الثامن من شهر مايو من عام2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني واصفًا إيّاه بالكارثي والسيّئ ومهددًا إيّاها بعقوبات جديدة في الطريق..

لكن هناك نقطة مهمة يجب إيضاحها فبعيدًا عن كون إيران تعتبر من الدول التي لديها أنشطة نووية وتعمل على تطوير أنشطتها هذه باستمرار إلا أنه وبحسب البيان الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة والتي صرحت فيه بأنها تراقب التطورات عن كثب وحتى اليوم يمكن تأكيد تنفيذ إيران للإلتزامات النووية، بما معناه أنّ إيران لم تخلّ بشروط هذا الاتفاق.

وبالعودة إلى الشأن الاقتصادي: كيف استقبل الاقتصاد الإيراني هذا الانسحاب؟ وهل يعتبر اقتصاد إيران قويًا وقادرًا على تحمل عقوبات جديدة؟

هذه ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها إيران اقتصاديًا فخلال فترة العقوبات السابقة تأثر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير وخصوصًا القطاع النفطي، فكما هو معروف أنّ الاقتصاد الإيراني يعتمد بصورة كبيرة على العوائد من الصادرات النفطية فنحو 60% من إيرادات الدولة تأتي من هذا القطاع.
وبالتالي فإن العقوبات تشلّ حركة وقدرة النفط الإيراني من الوصول إلى الأسواق العالمية.

وإلى جانب تأثر قطاع المنتجات النفطية هناك أيضًا قطاعات أخرى تشملها هذه العقوبات، مثل الموانئ والشحن وقطاع الاستثمارات في الطاقة وأيضًا تتأثر المؤسّسات المالية الإيرانية بما فيها المصارف والبنوك من ويلات هذه العقوبات.

حقائق وأرقام عن الاقتصاد الإيراني:

  • نما الاقتصاد الإيراني في 2017 بنسبة 3.5% وكان متوقعًا زيادة نموّه بمقدار 3.8% في 2018
  • بلغ معدل التضخم في 2017 نسبة 11% ومن المتوقع أن يتراجع الى 10% في 2018
  • قُدّر معدل البطالة في 2017 ب 12%

في مارس من هذا العام، بلغ إنتاج إيران النفطي 3.8 ملايين برميل يوميًا بعد أن كانت تقدّر فقط بمليون ومائة ألف برميل فقط خلال فترة العقوبات السابقة.

☆ إيرادات تصدير النفط قدّرت في العام 2016 بنحو 41 مليار دولار

☆ كما قدر الإستثمار الأجنبي المباشر في الفترة من 2017-2018 بمليار دولار

وسيكون من المفيد هنا أن نتعرف على أهم الدول المستوردة للنفط الإيراني وهي:

  1. أوروبا وتصدر لها إيران نحو 600 ألف برميل يوميًا وبأسعار تفضيليّة
  2. الصين وتعتبر من كبار مشتري النفط الإيراني، حيث بلغت مستورداتها النفطية من إيران ما يقارب ال 700 ألف برميل يوميًا كما أنّ إيران لديها استعداد لأن تبيع نفطها باليوان الصيني
  3. الهند والتي تعتبر لاعب كبير جدًا في شراء النفط الإيراني وتأخذ أسعار تفضيلية من إيران و تستورد الهند تقريبا 500 ألف برميل يوميًا
  4. بالإضافة إلى كوريا واليابان وغيرها من الدول التي تستورد المنتجات النفطية من إيران

وإذا ما عدنا لنتحدث عن الكيفية التي استقبل بها السوق الإيراني هذا الانسحاب فقد شاهدنا حجم تضرر العملة الإيرانية والتي تهاوت إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة حيث وصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 80 ألف ريال إيراني
وبالإضافة إلى التأثر السلبي المباشر للعملة الإيرانية.

تأثرت أيضًا أسعار النفط ولكن بصورة إيجابية حيث أنها اتخذت مسارًا صعوديًا وذلك تحسبًا للفجوة التي سيحدثها النفط الإيراني في حال ما فرضت العقوبات عليه.

فإيران ليست دولة عادية في مجال النفط فهي تعتبر من اللاعبين الكبار في السوق النفطي حيث تحتلّ المرتبة الرابعة عالميًا في إنتاج النفط و الثالثة من بين دول أوبك بعد السعودية والعراق.

كما أن بعض الشركات المستثمرة في إيران بدأت بتجهيز نفسها للخروج من السوق الإيراني والبعض الآخر ما زالت تنتظر موقف بلدانها من هذا الإتفاق حتى تتمكن إما من البقاء أو المغادرة وبالتأكيد فإن خيار المغادرة هو الأسلم لها.

لماذا قد لا تنجح العقوبات الاقتصادية على إيران هذه المرة بالشكل المطلوب؟

لعل الوضع مختلف تمامًا هذه المرة عن سابقتها وذلك لعده أسباب أهمها أن هناك انقسام في الآراء بين مؤيدين ومعارضين لهذا الإنسحاب كما أن الولايات المتحدة هي وحدها من قررت الانسحاب في حين أن بقية الدول المشاركة في الإتفاق لم تنسحب منه ومازالت تحاول جاهدةً إنقاذ ما تبقى منه.

صحيح أن بقية الدول الأوروبية تعتبر حليفة لأمريكا لكن على الجانب الأخر هناك الصين وحربها التجارية مع أمريكا و روسيا وتوتراتها السياسية معها في حين أنهما من حلفاء إيران وتربطهما علاقات اقتصادية ومصالح مشتركة.

وبالتالي فإن الوضع أصبح معقدًا ويطرح تساؤلات عديدة أبرزها هل ستقف الدول الأوروبية وروسيا والصين مع إيران وستضمي قدمًا في التعاون معها غير مكترثة بالعقوبات التي ستطالها من الجانب الأمريكي إن فعلت ذلك أم أن هذه الدول ستخضع للتهديدات الأمريكية وستوقف تعاملاتها الإقتصادية مع إيران خوفا من العقوبات التي قد تنتقل إليها أيضًا.

بالتأكيد ما سيحدث هو الخيار الثاني فجميع الدول حريصة على مصالحها الخاصة وسيكون من صالحها الوقوف مع أمريكا لأن مصالحها معها تفوق وتتغلب على مصلحتها مع إيران ومن غير المنطقي قيام هذه الدول بالوقوف ضد أمريكا فاشركاتها العاملة في الولايات المتحدة قد تتعرض للطرد و تفرض عليها أشد العقوبات، إن حدث ذلك.

ولكن بالطبع فإنّ هذه الدول ستحاول قدر الإمكان أن تستمر في تعاملها مع إيران بشكل سرّي وبعيدًا عن أعين الولايات المتحدة وحتما هذا ما سيحدث.

أخيرًا

لا أحد يستطيع أن يجزم بشأن ما ستؤول إليه الأحداث بشكلٍ دقيق ولعلّ الأيّام وحدها من ستقوم بإيضاح الصورة وإزالة الضبابية والغموض عن هذا الموضوع الحسّاس للغاية والذي قد يتسبّب بكوارث ستطال الجميع دون استثناء إن لم يوجد حلّ قادر على إرضاء كافه الأطراف المتنازعة.

إعلان

اترك تعليقا