إيران والنفط إلى 100 دولار

كلّ معطيات الشهور الماضية منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تؤدّي إلى طريق الصّدام مع إيران التي تعدّ عنصرًا مهمًا في معادلة أسعار النفط العالمية، ولنا من هذا المدخل أن نمرّ على العديد من المشاهد المترابطة التي تفتح أبواب الاحتمالات القوية لعودة أسعار النفط إلى حدود 100 دولار للبرميل مجددًا …

1 – فى 30 يوليو 2015 تمّ التوصّل للاتّفاق النووي مع إيران المعروف باتّفاق 5 + 1 الذي يضمّ الخمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، والذي يضع شروطًا تحجم كثيرًا من أنشطة إيران النووية، أهمّها عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عامًا وتقليل عمليات التخصيب إلى أقلّ من النصف، واستمرار حظر توريد الأسلحه إلى إيران من 5 إلى 8 سنوات قادمة. كلّ هذا مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة بالخارج، وعودة الاستثمارات الأجنبية إلى إيران والسماح بمضاعفة الإنتاج النفطي الإيراني الذي يقدّر باحتياطيات تبلغ نحو 150 مليار برميل.

2- دخل الاتّفاق النوويّ حيّز التنفيذ في توقيت قاسٍ جدًّا سعريًّا شهد انهيارًا كبيرًا لأسعار النّفط في يناير 2016 حيث بلغ النفط الخام نحو 26 دولار للبرميل، وتَلَتْه محاولات عديدة كانت إيران طرفًا فعّالًا فيها للاتّفاق على خفض تخمة المعروض النفطيّ لاستعادة توازن الأسعار وهو ما حدث بعد عام كامل حاولتْ فيه إيران رفع إنتاجها من مليون برميل إلى نحو 2.44 مليون برميل يوميًا، مع تقديرات غير رسمية تقول أنّ الإنتاج النفطي الإيراني بلغ نحو 4 مليون برميل يوميًا.

3 – روّجت إيران داخليًا لشعبها أنّ الاتفاق النووي هو نصر تاريخيّ يعيد الحيوية إلى اقتصادها المتعثّر من خلال سعي الشّركات العالميّة للاستثمار المباشر في البلاد، إلا أنّ التركيبة السياسية والاقتصادية في إيران حالت تمامًا دون وصول نتائج التنمية إلى المواطن الإيراني، حيث يسيطر الحرس الثوريّ وأتباعه على ثلثيّ مقدّرات الاقتصاد الإيرانيّ، ومن ناحية أخرى التهديدات المتتالية من ترامب بتمزيق الاتفاق النوويّ وهو ما كان له تأثير مباشر على إحجام الشركات العالمية عن الاستثمار في إيران، وظهر ذلك جليًّا على العملة الإيرانية التي شهدت انهيارات مستمرّة، نرصدها كما يلي:-

في 2010 الدولار الأمريكي= 10000 ريال إيراني
في 2017 الدولار الأمريكي= 38250 ريال إيراني
في 2018 الدولار الأمريكي= 50000 ريال إيراني

إعلان

4 – فى 12 يناير 2018 قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه للمرة الأخيرة يوافق على قرار تجميد العقوبات بموجب الاتفاق النووي، وذلك لمنح الفرصة لأصدقائه في أوروربا لمراجعة الاتّفاق أو الانسحاب منه كما يعتزم الإعلان عنه في 12 مايو القادم وهو ما أكّد عليه ترامب في لقائه الأخير في مارس الجاري مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث أشار إلى أنّ العالم سيرى ماذا ستفعل الولايات المتحدة مع إيران خلال شهرين من الآن، وهو الأمر الذي يفسّر تكثيف المشتريات السعودية من الأسلحة الأمريكية في الفترة الأخيرة، وكذلك التصريحات الرسمية من جانب المملكة عن احتياطيّ اليورانيوم العالمي الذي تمتلكه والبالغ نحو 5% واستعدادها لإنتاج قنبلة نووية في مواجهة إيران، وكذلك وصف المرشد الإيرانيّ بأنه هتلر جديد.

5 – لم يبقَ في إدارة ترامب معارض واضح للاشتباك مع إيران سوى وزير الدفاع الحالي جيمس ماتيس الذي لاحظ بالتأكيد حجم التغييرات الداخليه المتتالية حوله من إقصاء وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون واستبداله بمدير (CIA) السابق مايك بومبيو والمؤيد لإلغاء الاتفاق النووي وتوجيه ضربة عسكريه لأيران. وكذلك إقالة مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر واستبداله بالسّفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، المؤيّد بشدة لاستخدام القوة الأمريكية منفردة في حسم القضايا التي تهدّد بلاده. إذَن تمهيد الداخل الأمريكيّ ضدّ إيران مستمرّ، فإمّا أن ينضمّ ماتيس إلى رأي ترامب أو يلقى مصير زملائه السابقين.

6 – أغلب المعطيات السابقة تفرض، في مايو القادم، تحدّيات صعبة أمام إيران التي تقف أمام طريقين: إما عقوبات جديدة، وهو مستبعد نسبيًا؛ أو انسحاب أمريكيّ متوقّع من الاتّفاق النوويّ يقلّص من الإنتاج النفطيّ الإيراني بنحو 600 ألف برميل يوميًا ويقفز بأسعار النفط لمستويات جديدة مع استمرار اتفاق خفض الإنتاج الذي شهد أعلى مستويات الالتزام بنحو 138% خلال فبراير 2018.

7 – النفط الخام المتداول حاليًا عند 65.81$ للبرميل، حقّق أدنى مستوياته منذ بدء 2018 عند قاع 58.07$ للبرميل في 9 فبراير الماضي، وربما تُحفّز المشاهد الجيوسياسية السابق ذكرها على تحقيق نسبة فيبوناتشي عند 61.8% ليحقّق أعلى سعر متوقّع عند مستوى 94$ للبرميل. وبإلقاء نفس النظرة على خام برنت المتداول حاليًا حول 70$ للبرميل، نجد أنّه في 13 فبراير الماضي حقق أدنى مستوياته عند 61.76$ للبرميل وهو ما يستهدف قمة سعرية خلال العام 2018 بتطبيق 61.8% فيبوناتشي تصل إلى مستوى 100$ للبرميل الواحد.

8 – مستوى 100$ للبرميل إن تحقّق خلال العام الجاري ستكون له مزايا عديدة تكمن في التأثيرات الاقتصادية الإيجابية للغاية على ميزانيات الدول النفطية، خاصة مملكة البحرين التي تنتظر ذلك المستوى السعريّ لدفع اقتصادها المتعثّر. وكذلك تحجيم صادرات الصين وإبطاء نموّها الاقتصاديّ المقلق للولايات المتحدة، بالإضافة لإضعاف نسبيّ في قوّة الدولار الأمريكي وهو ما يخدم خطة ترامب في الصادرات الأمريكية وإعادة توجيه استثمار عائدات النفط الخليجية في الداخل الأمريكي. وتقييم أعلى لعملاق النفط السعوديّ أرامكو حال طرحه في البورصات العالمية.

9 – وتبقى الإشارة إلى أنّ ردّ فعل إيران أيًّا كان سيصبّ في مصلحة رفع أسعار النفط التي يبدو أنّها تستعدّ لقفزة سعريّة جديدة تعانق بها أمجاد الماضي القريب.

إعلان

اترك تعليقا