إيطاليا تضع الاتحاد الأوروبيّ في مأزقٍ كبيرٍ…

تُهيننا الصحفُ والسياسيّونَ الألْمَان بقولِهم:الإيطاليون متسولون، كُسالى، يُتقِنون فنّ التهرّب من دفع الضرائب، وَيُحِبّونَ الأَكل بالمجان، ونحن علينا أن نختَار وزيرًا للاقتصاد يُعجبهم؟ لا شكرًا الإيطاليّون أولًا.

هذا ما قاله زعيم الرابطة المُتطرفة ماثيو سالفيني في تغريدةٍ له على تويتر، تعبيرًا عن استيائهِ وغضبه الشديد من رفض الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا لبعض الأعضاء الذين اقترحهم عليه رئيسُ الحكومة المُنتخَب جوزيبي كونتي، وحسب القانون الإيطاليّ فإنّ رئيس الدولة يُعيِّن رئيسًا للحكومة ويقوم رئيسُ الحكومة بتعيينِ الوزراء و تشكيلِ الحكومة.

لكنَّ منصبَ وزيرِ الاقتصاد عرقلَ تشكيل الحكومة الجديدة، حيث أنَّ الرئيس الإيطالي رفض رفضًا قاطعًا اقتراح كونتي بتعيين باولو سافونا وزيرًا للماليّة والاقتصاد، وذلك بسبب عِداء سافونا الشديد للاتحاد الأوروبيّ وللعملة الأوروبيّة المُوحدَة.

ويَشتهر سافونا بتصريحاتهِ المتكررة والمناهضة للاتحاد الأوروبيّ، وكان أبرز تصريح له في آخرِ كتاب نَشره في الأسواق حيث قال فيه بِأنّ العملة الأوروبيّة الموحدة هي قفصٌ ألمانيٌّ، لابُدَّ من وضعِ خطةٍ بديلةٍ للخروج منه عند الحاجة.

كما قال في وقتٍ سابقٍ بأنَّ انضمام إيطاليا إلى منطقة اليورو خطأ كبير.

ومن هنا انفجر المشهدُ السياسيُّ في إيطاليا بين الشعبوييّن الذين فازوا بالانتخابات بقيادة زعيم رابطة يمينٍ متطرفٍ ماتيو سالفيني، والذي يُعتبر ذو شعبيةٍ كبيرةٍ جدًا في البرلمان، وهو من قادَ كونتي لِيُصبِحَ رئيسًا للحكومة الإيطالية ومن أراد أن يصبحَ باولو سافونا وزيرًا للاقتصاد، وبين الرئيسِ الإيطاليّ الذي يَرفضُ تنصيبَ سافونا – صاحبُ العقلية المناهضة للاتحاد الأوروبي – و زيرًا للاقتصاد. وسرعان ما بدأت التّكهنات تنتشر عن احتماليّة إجراءِ إيطاليا لانتخاباتٍ مبكرةٍ قد تَتَسببُ في خروجها من الاتحاد الأوروبيّ إن فازت فيها الأحزابُ المتطرفةُ.

إعلان

تفاعلُ الاقتصادِ بصورةٍ سلبيّةٍ مع التوتّراتِ السياسيّة في إيطاليا:

هذا هو المشهد السياسيّ في إيطاليا قبل أيام، والذي ألقى بظلالهِ على الاقتصاد العالميّ وأحدث حالةً من الفوضى وعدم اليقين في الأسواق العالميّة حيث انخفضت أسواقُ الأسهم الأمريكيّة والأوروبيّة، كما وتراجع اليورو مقابل الدولار الأمريكيّ بالإضافة إلى حدوث حالةٍ من الهلع والخوفِ لدى المستثمرين، دَفَعَتْهُم إلى البحثِ عن الملاذاتِ الآمِنة وهو ما أدّى بدوره إلى ارتفاع العوائد على السندات بصورةٍ كبيرةٍ جدًا.

التحدياتُ التي تواجه الاقتصاد الإيطاليّ:

وإذا ما انتقلنا للحديث عن المشهد الاقتصاديّ داخل إيطاليا فهو لا يقلُّ سوءً عن المشهد السياسيّ بل هو أخطرُ بكثير، فعلى الرغم من المكانَة الكبيرَةِ التي يشغلُها الاقتصاد الإيطاليّ عالميًا والذي يَحتلُّ المرتبة الرابعة من حيث القوة الاقتصادية في أوروبا بعد ألمانيا و بريطانيا وفرنسا، كما وأنّه يُعتبَرُ ثالثُ أكبر اقتصادٍ في منطقة اليورو بعد خروج بريطانيا منه، إلا أن الاقتصاد الإيطاليّ لديه مشكلات كبيرة تكادُ تَعصِف به بين الحين والآخر.

ومن أبرز هذه المشكلات، ارتفاع الدّينِ الحكوميّ الإيطاليّ والذي يقدَّر بـنحوِ 2.4 تريليون يورو وهي مديونيّة ضخمة جدًا وتثيرُ مخاوفَ الاتحاد الأوروبيّ، كما أنَّ هناك احتمال كبير بأنْ يتم تصنيف الديون الإيطالية عند مستوياتٍ منخفضةٍ أي أنّ الاستثمار فيها لم يَعد مجديًا. ومن جهةٍ أخرى باتت إيطاليا الآن تَدفع فوائدَ عالية جدًا على ديونها الضخمة.

وبالإضافة إلى مشكلة الديون، يُعاني الاقتصاد الإيطالي أيضًا من مشكلاتٍ مزمنة مع البنوك وقروضها المتعسّرة، كما أنّه يعاني من نسبة بطالة عالية جدًا، ولا ننسَى أيضًا الصراعات المستمرة مع المهاجرين.

وتلخيصًا لما سبق يمكننا القول بأنّ إيطاليا تقع بين مِطرقةِ أزماتِها الاقتصادية والمتعلقة بمدى قدرتها على تبني سياسات مالية وإصلاحات هيكليّة قادرة على حل هذه الأزمات، وبين سندان الأحزاب الشعبَوية المتطرفة الذين يمتلكون فكرًا مناهضًا لسياساتِ الاتحاد الأوروبيّ التقشفيّة، فهم يهدفون إلى خلقِ اقتصادٍ قائمٍ على التوسّع في الإنفاق وخفض معدلات الضرائب والتراجع عن الاقتطاع من رواتب المتقاعدين ويتوعدونهم أيضًا بأنَّهم سيستخدمون إجراءات متشددة مع المهاجرين.

أبرز المستجدَّات والتطورات في المشهد الإيطالي:

على الرغم من حدَّة الأزمة الإيطاليّة، إلَّا أنّها بدأت بالانفراج إلى حدٍ ما، فاليوم تحديدًا تم الاتفاق بين الأطراف المتنازعة وعاد رئيسُ الوزراء كونتي لتشكيلِ حكومتهِ، مع تخلِّيه عن فكرة تعيين سافونا المنتقدِ لمنطقة اليورو وزيرًا للاقتصاد، وتكليف أُستاذ الاقتصاد السياسي جيوفاني تريا لتسلُّم حقيبة وزارة الاقتصاد في الدولة وبموافقةِ جميع الأطراف.

وعبَّر ماتيو سالفيني عن ارتياحهِ من هذا القرار قائلًا:

الالتزامُ والتناغمُ والعملُ والصبرُ والبذل من أجلِ الأفضّلِ للإيطالييّن، ويبدو أنَّنا توصلنا إلى ذلك أخيرًا بعد الكثير من العراقيلِ والهجمات والتهديداتِ والأكاذيب.

من جانبها، تفاعلت الأسواقُ بشكلٍ إيجابيّ مع هذا الاتفاق، حيث ارتفعت أسهمُ الشركات والبنوك الأوروبيّة بصورةٍ ملحوظةٍ بعد أن كانت تُعاني من انخفاضات شديدة خلال الأيام الفائتة.

إعلان

اترك تعليقا