عودة الدوري المصري..هل تحمل المتعة من جديد؟

كل عام وأنتم بخير، وأعاد الله علينا وعليكم هذه الأيام أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، نحن على أعتاب مناسبة سارّة للغاية، ستعود بها الأرواح للأجساد الميتة والفرحة للقلوب الحزينة، والسعادة للنفوس الكئيبة، اليوم انطلق الدوري المصري الممتاز من جديد، وهذا حدثٌ لو تعلمون عظيم.

سيعود الدوري المصري للانطلاق من جديد، سيعود التشويق والإثارة والمتعة، بإمكانك الآن رؤية مدبولي يداعب كرته من جديد، رؤية مؤمن زكريا ينشر لوحاته الإبداعية في جنبات الملاعب، بإمكانك الآن أن تنعم بقضاء سهره كرويه ممتعة أمام ديربي الإسكندرية، أو متابعة ديربي البترول الملتهب بين بتروجيت وإنبي، وكذلك ديربي القناة المشتعل الذي يبقى له رونقه وأهميته الخاصة مهما حدث.

ليس هذا فقط، فسهرات جنرال الإعلام المصري الممتدة من الظهر وحتى بزوغ فجر اليوم التالي في انتظارك، فيلسوف التحليل أيمن يونس سيبهرك حتمًا بتفسيراته الفلسفية العميقة؛ سيخبرك أن “هناك توفيق وعدم توفيق ومباريات وعدم مباريات”، وسيحدثك عن التوافق الذهني العصبي الحاكم لوجه قدم اللاعب، وملك النص فاروق جعفر سيحدثك عن ضرورة وجود “اسطى” فى نصف الملعب وبالتأكيد لن تنقطع رسائل حيدر الدبش نجم الشرابية الذي يرسل سلامه لأصحابه، ستكون سهرة لطيفة للغاية كما أخبرتك.

ليس هذا فحسب، فبإمكانك من الآن أن تتوقع أحداث المشكلة التي ستنشب بين مرتضى منصور وبين رئيس لجنة التحكيم لأن حكم ما لم يحتسب رمية تماس لفريقه في مباراة ما، ستكون أزمة طاحنة سينسحب على إثرها من البطولة، ولكنه لن يلبث أن يعود لأنه رجل دولة كما تعلم، ويمكنك كذلك أن تتوقع تلك الخناقة اللطيفة التى سيتسبب فيها تضارب مواعيد المباريات، الحاج عامر بارع في صنع تلك المشكلة بالتأكيد.

في الحقيقة؛ نحن نمتلك بطولة عظيمة حماسية مثيرة، صحيح أننا نلعب بدون جمهور، وصحيح أن فريقًا واحد فاز بتسع بطولات من آخر عشر، وصحيح أننا نغير القوانين في منتصف الموسم، وصحيح أننا نفتح باب القيد لنسجل اللاعبين في الخامسة فجرًا، وصحيح أنه دوري ينظمه عامر حسين ويرأس لجنة أنديته مرتضى منصور، لكنه يبقى دوري تنافسي ممتع جدير بالمتابعة، الشيء الوحيد الذي ينقصه هو أن نمارس كرة القدم فعلًا.

إعلان

في الغالب نحن لا نمارس نفس كرة القدم التي يمارسها باقي العالم، نحن فقط نتظاهر بأننا نفعل ذلك، اتحاد الكرة يتظاهر بأنه ينظم البطولة ويديرها، والأندية تتظاهر بأنها تشارك فيها، واللاعبون يتظاهرون بأنهم يلعبون، والإعلام يتظاهر بأن هناك أحداثًا مهمة، والمحللون يتظاهرون بأن هناك شيئاً يصلح للتحليل، ونحن نتظاهر بأننا نصدق هذا كله.

الحقيقة المؤكدة؛ أن لاعبي الدوري المصري لا يمارسون كرة القدم أصلًا، هم فقط يتظاهرون بذلك، فمثلًا صبري رحيل لا يلعب فعلًا هو فقط يتظاهر بأنه يدافع أو يهاجم، الحضري يتظاهر بأنه قادر على المشاركة في هذا السن، أحمد حمص وإبراهيم صلاح مثلًا يتظاهرون بأنهم لاعبي وسط، إسلام محارب يتظاهر بأنه يجري، النني يتظاهر بأنه يضغط، ومؤمن زكريا يتظاهر بأنه لاعب كرة قدم عاقل، وهكذا الجميع..

الكل يتظاهر، والكل يعرف أن الكل يتظاهر، لكن الكل يتظاهر بأنه يصدق الكل؛ هل تعرف تلك النكتة التي انتشرت لفترة طويلة في أحد البلاد الأجنبية: تحكي النكتة أن رئيس أحد الدول-وكانت دولة ملحدة- سأل حاشيته يومًا عن محصول البطاطس في بلاده هذا العام، فأخبروه بأنه أعظم محصول بطاطس في تاريخ البلاد، فلم يصدقهم الرئيس وأصّر على النزول ليرى بنفسه؛ لم يزعجهم ذلك كثيرًا، وذهبوا إلى أحد الأماكن ووضعوا فيه البطاطس متظاهرين بأن هناك محصول فعلًا، لم يصدقهم حينها كذلك وأصّر على سؤال أحد الفلاحين بنفسه، فذهب لأحدهم وسأله عن محصول البطاطس فأجابه على الفور بأنه أعظم محصول بطاطس في تاريخ البلاد، فسأله أن يصفه له، فقال الفلاح: لو وضعنا محصول البطاطس فوق بعضه فإنه سيصل إلى الإله، فامتعض الرئيس وسأله مستنكرًا: هل هناك إله؟! فقال له الفلاح: وهل هناك بطاطس؟.

هذه هي أزمتنا الحقيقية إذن، أنه ليس هناك بطاطس أصلًا، الرياضة المصرية قد بدأت بالانتهاء يوم مذبحة بورسعيد، وأعلنت الانتهاء الفعلي يوم الدفاع الجوي، أغلب المشجعين قد غادروا بالفعل لمتابعة الدوريات الأوروبية وانقطعت علاقتهم بها نهائيًا، وحتى من تبقى منهم فإنه حتمًا يشعر أنه لم يعد كما كان ولكنه يُكذب نفسه ويتظاهر بأنه مهتم ومتابع، وغالبًا سيأتي يوم ينسحب فيه هؤلاء أيضًا وسيتوقف الجميع عن التظاهر.

هذا لو لم تتغير الأحوال وتنتعش الرياضة من جديد، ولا أعلم يقينًا إن كان هذا سيحدث أم لا، لكن القرار الصادر بتحديد خمسة عشر مشجعًا لكل فريق يكفي لإخبارك عن ذلك المستقبل المأمول.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: إسلام رشاد

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

اترك تعليقا