هل يكون الانتحار خيارًا صحيحًا؟ (مترجم)

نظرة سريعة على أخلاقيّات الانتحار

لطالما أكَّدت الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة على ملكيّة الإله لحياة الإنسان وبالتالي فإنّ الانتحار يعدّ اعتادءً على صلاحيّات الإله. أما الفيلسوف ديفيد هيوم (1711-1776) فقدّم جدلًا مضادًا لذلك بقوله: إذا كان هذا الكلام صحيحًا، فإنَّ إنقاذ حياة شخص ما من الموت أيضًا يعتبر اعتداءً على صلاحيّات الإله!

الانتحار كخطيئة:

معظم الدّيانات تتشارك والكنيسة بالإيمان بقدسيّة الحياة، رغم أنّ بعضها كانت قد اعتبرت قِسمًا من حالات الانتحار عملًا شريفًا، ومثال ذلك انتحار مجموعة من الرهبان التبتيين احتجاجًا على الاحتلال الصينيّ للتبت -قد تكون هذه الحالة أقرب للتضحية بالنفس منها للانتحار.

تاريخيًّا، كانت النّظم القانونيّة تأخذ برؤية الأديان فتعتبر الانتحار ومحاولة الانتحار غير قانونيّين. حتى أنّ التعبير “ارتكاب الانتحار” بحدّ ذاته يتضمّن -أو على الأقل يشير إلى- ارتكاب جريمة أو خطيئة. وفي أواخر عام 2014 ألغت الحكومة الهنديّة تجريم “محاولة الانتحار” بحذفها المادة 209 من قانون العقوبات والتي كانت تنصّ على الحكم بالسّجن لمدة قد تصل إلى سنة في حال محاولة الانتحار. وفي المملكة المتحدة، أُلغي قانون تجريم الانتـحار ومحاولة الانتحار، ولكن ما زال القتل الرحيم الطوعيّ جريمة. وقد يتغيَّر هذا مع ارتفاع أعداد المؤيّدين للإجهاض على معارضيه؛ إذ أنّ المؤيدين للإجهاض هم أنفسهم يجادلون -وبشكل عامّ- أنّ حياة شخص ما هي ملكه فقط وأنّ قراره بإنهاء حياته يجب أن يُحترم خصوصًا إذا كان الانتحار حلًّا عقلانيًّا لآلام الشخص المزمنة والمعيقة. أما المعارضون فيجادلون بعدم ملكيّة الشخص لحياته وبذلك فإنّه لا يملك الحقّ بإنهائها تحت أيّ ظرف.

الانتحار أخلاقيّ:

وبعكس معظم النّاس، هناك مِن الفلاسفة مَن لا ينظر إلى الانتحار من الجانب الأخلاقيّ. فالوجوديّون مثلًا، يقلبون الطاولة رأسًا على عقب بقولهم أنّ الحياة لا معنى لها وبالتالي ليس هنالك مِن سببٍ لعدم الانتحار. بل بالأحرى، يكون على الإنسان تبرير عدم انتحاره من خلال إعطاء حياته معنى وتكريس جهده الفريد في محاولة الإخلاص لهذا المعنى. أما العدميّون فيختلفون عن الوجوديّين بأنّهم يؤمنون بأنّ الإنسان لا يستطيع تبرير حياته حتى لو أعطاها معنى وسببًا، فبالنسبة لهم: لا شيء يحمل معنى، ولا حتى الانتحار بحدّ ذاته!

قد يستحقّ كلّ هذا الكلام تفكيرًا وتأملًا، إلا أنّ الانتحار نادرًا ما يكون نتيجة تفكير عقلانيّ أو “انتحارًا عقلانيًّا”، إنّه في الغالب نتيجة يأس وعذاب لا تمكن السيطرة عليه.

إعلان

يقول ديفيد هيوم- والذي كان يعاني من الأسى- في مقاله في الانتحار On Suicide:

رغم أنّها “خطوة واحدة” تلك التي تفصل الإنسان عن إنهاء بؤسه إلا أنّه لا يجرؤ على اتخاذها والانتحار وذلك بسبب “خوف لا مجدٍ وخشيةٍ من الإساءة إلى خالقه”. هذا الشعور، مصحوبًا بخوفه الطبيعيّ من الموت ، يتركه بعيدًا عن نيل حريّته.

ويقترح هيوم حلًا به يتمكّن الإنسان من “استعادة حريّته الأصليّة” ألا وهو إعادة دراسة جميع الحجج المشتركة الموجهة ضدّ الانتحار “لإثبات براءة الانتحار من كلّ ذنْب أو لوم”. ووفقًا لهيوم فإنّ الإله أرسى قوانين الطبيعة وأودع في كلّ الحيوانات بما فيها الإنسان قوىً جسديّة وعقليّة تعينه على الاستفادة من تلك القوانين. ونظرًا لهذا التفاعل بين قوانين الطبيعة والقوى الحيوانيّة فإنّه لا حاجة لتدخّل الإله في العالم:

“…لا تتدخّل العناية الإلهيّة بشكل مباشر في أيّ عمليّة، ولكنّها تحكم كلّ شيء من خلال تلك القوانين العامّة الثابتة التي أرساها الإله منذ بدء الزمان.”

وبهذا، فإنّ الإنسان يوظّف قواه ويستثمرها لجلب “السهولة والسعادة والحماية” لنفسه. وإذا دعاه ذلك التفاعل إلى الانتحار فليكن ذلك! إذ أنّ التفاعل بين قوانين الطبيعة وقوى الإنسان يسمح بذلك بوضوح، فلماذا يشكّل ذلك استثناءً؟ وبناءً على كلّ ما سبق، يكون الانتحار جائزًا حتى لو كان المرء يتبنّى موقفًا دينيًّا. ويطرح هيوم الأمر كما يلي: حياة شخص ما ليست ذات أهميّة أكبر من حياة مَحار بالنسبة للعالم… أشكر العناية الإلهيّة من أجل الخير الذي استمتعت به ومن أجل القوّة التي منحتني إياها لمقاومة المرض الذي يهدّدني.

ولكنّ الفيلسوف الطبيعيّ بليني الأكبر يخطو لأبعد مما خطاه هيوم باعتباره القدرة على ارتكاب الانتحار ميزة يتفوّق بها الإنسان على الإله: الإله لا يستطيع أن يمنح نفسه الموت حتى لو أراد ذلك، أمّا الإنسان فيستطيع، وبأيّ وقت يريد.

وهنالك حجّة شائعة ضدّ الانتحار تقول بأنّه عمل أنانيّ يضرّ بالأفراد والمجتمع الذي تركه المنتحِر وراءه. ولكنّ هيوم يردّ على ذلك بالقول أنّ الإنسان لا يؤذي أحدًا عندما ينتحر، هو فقط يتوقّف عن فعل الخير. فبافتراض أنّ الإنسان ملزَم بفعل الخير، يمكننا القول أنّ هذا الالتزام يسقط عنه عندما يموت؛ وإذا كان هذا الالتزام ملاصقًا له إلى الأبد فإنّ هذا لا يجب أن يكون على حساب راحته فيسبّب له ضررًا، أي أنّه ليس على الإنسان أن يطيل وجوده البائس من أجل “مصلحة عبثيّة قد يحصل عليها المجتمع منه.” في بعض الحالات، يصبح المرء عبئًا على المجتمع فيفعل خيرًا بالانتحار. في مثل هذه الحالات، يقول هيوم، الانتحار أفضل من الحياد الأخلاقي. أي أنّه خيّر من الناحية الأخلاقيّة.

هل الموت شرّ؟

وبصرف النّظر عن أخلاقيّة أو جواز الانتحار، يستتبع الانتحار الموت… ويغدو من الطبيعيّ التساؤل عمّا إذا كنّا يجب أن نخاف من الموت. ويطرح الفيلسوف توماس ناجل في ورقته المؤثرة “الموت” باقتضاب السؤال التالي:

إذا كان الموت هو نهاية وجودنا المحتمة والدائمة، هل هو شرّ؟َ

ربما يكون الموت شرًّا لأنه يحرمنا الحياة، وربما يكون مجرّد فراغ لأنّ لا أحد يعود من الموت ليخبرنا عن تجربة الحرمان هذه. وهكذا، إذا كان الموت شرًّا فإنّه كذلك بحكم ما يحرمنا منه (الحياة) وليس بحكم صفة متأصلة فيه. ورغم أنّنا محرومون من التواجد في الزّمن الذي كان قبل ولادتنا ومحرومون من التواجد في الزّمن الذي سيكون بعد موتنا إلا أنّ هذا الوقت الذي حُرمنا منه كان يمكن أن يكون ممتعًا وخيّرًا، حيث كان يمكننا أن نتمتّع برفاهيّة العيش. وبالنسبة لـ ناجل تكون تجربة الحياة بحدّ ذاتها قيّمة جوهريًّا بغضّ النّظر عن التوازن بين عناصرها الخيّرة والشرّيرة.

يقول ناجل:

“المشكلة أنّ الحياة تعرّفنا على الخير الذي سيحرمنا منه الموت… الموت، لا يهمّ كم هو حتميّ ولا مفرّ منه، إنّه إلغاء مفاجئ لخيرات ممتدّة ولا نهائيّة.”

———————————————–

مترجم عن Can it be right to Commit Suicide?

المؤلف: Neel Burton, M.D

———————————————–

ربما يعجبك أيضًا

 

 

إعلان

اترك تعليقا