التحرش الجنسي جريمة والجاني في نظر المجتمع الفتاة

مع أنّ المتحرش هو المجرم الوحيد في جريمة التحرش إلا أنّ المجتمع يصرّ على وضع اللوم على الفتاة وتبرير الجريمة لأسباب يُلصقونها بالفتاة.

التحرش الجنسيّ ظاهرة خطيرة ومؤشّر لهبوطٍ في القيم المثاليّة والأخلاقيّة والإنسانيّة في المجتمع. إنّ هذه الجريمة تتعرّض لها الفتاة بشكلٍ يوميّ في الأماكنِ العامة ووسائل النقل وأماكن العمل وفي الشارع، والخطر يزداد في حال تعرّضها للتحرش في المنزل من أحد أفراد عائلتها، فمن المفترض أنْ يكون البيت هو أكثر الأماكن أمنًا خاصّة لمن فقد الأمان خارج حدوده.

وتتنوّع أشكال هذه الجريمة؛ فتشمل لمس أجزاء الجسد أو توجيه عبارات نابية وايحائات جنسيّة، والملاحقة والتتبُّع، وتوجيه النّكات الجنسيّة، والاهتمام الحثيث والمتطفّل والطلبات غير اللائقة، وتعبيرات الوجه والغمز والنظر المطوّل للأعضاء الجسديّة، حتى في مواقع وسائل التواصلِ الاجتماعيّ فإنّ إرسال الصور والنصوص الجنسيّة والتَتبُّع والاتصال المزعج يُعتبر أيضًا من أساليب التحرش الجنسي.

وفي أكثر المجتمعات إيقانًا بحرمة جسد المرأة وعورته تجد فيه انتهاكًا لجسدها، بل وتجد المبرّرات لتلك الجريمة القذرة، وهذه المبررات تُشرَّع اجتماعيًا ويُعطى لمُرتكِبها الحقَّ في ممارسة جريمته إذا توفّرت تلك المبرّرات الواهية، فتكون الفتاة هي المذنبة والجانية في جريمةٍ ذنبها الوحيد فيها أنها وُلدت فتاة.

ومن بعض المبررات التي تكون بمثابة غطاء اجتماعيّ يختبئ خلفه المُجرم، هو لوم الفتاة على طريقة اللبس أو نَوعه، على كونها محجبة أو غير محجبة، مع وجود حالات تحرش كانت الفتيات فيها محجبة بالكامل.

ولوم الفتاة على خروجها من المنزل في ساعةٍ مُتأخرة. للفتاة كامل الحق بالخروج بأمان في أي ساعة تريد دون أن تُواجَه بالاعتداء، فنحن لا نقطن في غابة كي نختبئ عند حلول الظلام خوفًا من الذئاب!

إعلان

ولومها على إعطاء المجرم المجال وعدم التصدّي له، ولومها أيضًا في حال التصدي له بالكلام أو بالصراخ أو بالضرب.

بالإضافة إلى لومها على التواجد في أماكن يتواجد بها الذكور أكثر من الأناث، وذلك يبرّر حصر المهن التي قد تعمل بها المرأة، فيفضّلون لها العمل بأماكن تتواجد فيها الأناث.


وفي بعض البلدان العربية يُخفَّف حكم الجاني المتحرِّش أو المغتصِب استنادًا لتلك المبررات الاجتماعيّة، ليصبح القانون أيضًا يهنّئ المجرم على جريمته بتبريرها، وقد يختلف الحكم أيضًا باختلاف توقيت حدوث الحالة ليلًا أو نهارًا، وكأنّ الجريمة ليلًا يقلّ وقعها أو تقلّ جُرميّتها لسؤال الفتاة عن سبب وجودها أصلًا ليلًا في الخارج.

وبالرجوع إلى معهد تضامن النساء الأردني، فقد جاء في التقرير الحكومي ما يلي: “قضايا التحرش الجنسيّ في العمل محدودة جدًا حيث يُشكّل الوصم الاجتماعيّ أهمّ التحديات أمام تقديم الشكوى، وتحقّق مديريّة التفتيش بالقضايا عند ورود الشكاوي أو بناءً على تقارير دولية ومحلية سواء كانت صادرة عن جهة حكوميّة أو أهليّة وحققت في عدة حالات بناءً على تقارير دولية.”

وينطبق ذلك على كافة الأقطار العربية، حيث أنّ الحالات التي تُقدّم شكوى قضائية قليلة جدًا ويَصعُب علينا في هذه الحالة أيضًا أنّ نحصر نسبة التحرش بشكل دقيق في المجتمع بسبب عدم وصول الحالات وتسجيلها، فالخوف من البوح بالتعرّض للتحرش لعدم وضع اللوم على الفتاة أو خوفًا من النبذ الذي ستتعرض له مع أنها الضحية وليست الجانية، يقف عائقًا أمام التصدي للجريمة والقول بخطورتها والذنب الذي يقع فقط على المتحرّش بغض النظر عن أية ظروف رافقت الجريمة سواء كانت خروج الفتاة ليلًا أو طريقة اللباس مهما كانت، فإنّ إعطاء التبرير لأية ظروف للجريمة يُزيح النظر عن جُرميّة الحدث والفعل الذي قام به الجاني وهو مسؤول بالكامل عن فعله، حتى تخفيف الحكم نظرًا للظروف أيضًا يعتبر مبررًا لهذه الجريمة.

إنّ المجتمع العربي من المجتمعات الأبوية والذكورية، فالعادات المجتمعية تدعم الذّكَر بشكل أساسيّ فتتيح له المجال في السُّلطة الكاملة، ووجود الذّكَر في هذه السلطة يوسّع من دائرة صلاحياته الاجتماعية، ومن الطبيعي أن تتحكّم السلطة في تشريع ما لصالحها وتبريره، فنقول أحيانًا (الراجل راجل والبنت بنت) أو نقول مبرّرين منعنا الفتاه على حصولها على أمر معين (لإنّك بنت)، وكأنّ كونها فتاة ذنب ترتكبه ويمنعها من حصولها على حياة طبيعية.

سأعرض حادثة وقعت مؤخرًا لفتاة قرّرت ألا تسكت لجريمة التحرّش التي تعرّضت لها لتكون حديث الرأي العام في الشارع المصري:
*نقلاً عن موقع أخبار العربية:
“كشفت ر.ف فتاة الصعيد صاحبة فيديو التحرش بها الذي هز مصر قبل أيام، وحصلت على أول حكم قضائي بحبس المتهم لمدة 3 سنوات مع الشغل، كافة التفاصيل حول الواقعة وملابساتها، وكيف لاحقت المتهم حتى تمكنت من تحديد هويته وتقديمه للمحاكمة، ثم كيف تخلى عنها محاميها مقابل 30 ألف جنيه.

وقالت ر لـ”العربية.نت” إنها تقيم في مدينة قنا جنوب مصر، وإن حادثة التحرش الجنسي حصلت في يوم إجازتها من عملها الجمعة الماضي، حيث خرجت من منزلها لشراء بعض المتطلبات، وأثناء سيرها في شارع جانبي ضيق، تحرش بها شاب لا تعرفه، فما كان منها إلا أن انهالت عليه ضرباً، حتى أنقذه الأهالي من بين يديها.

وأضافت أنها غضبت بشدة من الأهالي لمساعدتهم الشاب على الإفلات منها، وعادت إلى منزلها غاضبة، وجلست تفكر جديا في كيفية العثور عليه، وملاحقته والحصول على حقها منه، فقد تعلمت من أهلها ونشأتها الصعيدية أن تعمل بالمثل القائل “لو مسوا عرضي فيها موتي”، مضيفة أنها ومنذ تلك اللحظة لم يهدأ لها بال حتى عثرت على الشاب، فالموت كان أهون.

إلى ذلك، أوضحت أنها فكرت في الذهاب لمنطقة الواقعة حتى تسأل سكانها عن هذا الشاب ودعت الله أن تكون هناك كاميرا مراقبة في المنطقة سجلت الواقعة، وقد حدث ما توقعته بالفعل، حيث عثرت على محل تجاري يضع كاميرا مثبتة، ومن حسن حظها أن الكاميرا كانت باتجاه الواقعة، وقد التقطت هذا الفيديو الذي تم تداوله.”

إعلان

اترك تعليقا