الحبكة الدرامية: صنعة الروائي

ذات مرة قال الروائيّ الأمريكيّ جون باردنر ساخرًا: “هناك نوعان من الحبكة الدرامية في كلّ الأدب الروائيّ: شخص ما ذهب في رحلة، وشخص غريب جاء إلى المدينة!”.

أمّا هايلو مايازاكي، واحد من أشهر صنّاع الرّسوم المتحركة اليابانيين والذي صنع أفلامًا شهيرة (كالمخطوفة) (وقلعة هاول المتحرّكة)، فيقول “مايقود الرسوم المتحركة هي إرادة الشخصيات، فأنت لا تصف القدر بل تصف الإرادة”.

يتّضح إذن من قول الاثنين أنّ الشخصية هي المكوّن الأكثر أهمية في الحبكة الدرامية.

فى هذا المقال سوف نلقي الضّوء على كيفية تفاعل الشخصيات مع الأحداث لصناعة الحبكة الدرامية المثيرة، مع العلم أنّه تمّ التحدّث كثيرًا عن الأمر في مقالات أخرى وربما دورات تدريبية كاملة، لكنّ هذا المقال يلخّص لك الأمر في عدّة أسئلة يجب أن تسألها لنفسك عندما ترغب في صناعة شخصيات مثيرة للاهتمام تُثري بها عملك الأدبيّ.

السؤال الأول: ماذا يريدون؟

هذا هو السؤال الأول الذى يجب أن تجيب عنه لتتمكّن من صنع شخصية رائعة، فكلّ الشخصيات الرائعة دومًا تريد شيئًا ما.

إعلان

الأديب كورت فونيجت صاحب رواية (المسلخ رقم 5) قال:

” إنّ الخطوة الأولى لكتابة قصة جيّدة هي صياغة شخصية تريد شيئًا ما، حتى إذا كان هذا الشيء بسيطًا جدُا كالرغبة في شرب الماء”.

إذن الرغبة في شيء ما هي المكوّن الأهمّ لخلق شخصية منطقية يمكن للقرّاء اتّباعها. هذا ومع العلم أنّ الشخصية التي تريد شيئًا ما تختلف تمامًا عن التي تحتاج شيئًا ما، فالشخصية التي تحتاج لشيء ما تُعتبَر شخصية قدرية، أما التي تريد شيئًا ما فتعتبر شخصية لديها الإرادة.

السؤال الثاني: ما هي نقاط ضعفهم؟

بعض الكتّاب يعطون شخصياتهم سمات مثالية كالشّرف والقوة وفي عدة حالات الحصانة، ولكن عليك أن تفكّر في قائمة أعظم الشخصيات الروائية (جي جاتسبي) في جاتسبي العظيم، و(هولدن كولفيلد) في الحارس في حقل الشوفان، و(هاري بوتر) في سلسلة هاري بوتر.

كلٌّ من هذه الشخصيات تجدها أكثر إثارة لاهتمامنا وسبب ذلك أنها تمتلك نقاط ضعف معينة. فسوبر مان ليس شخصية مثيرة للاهتمام لأنه قويّ منيع، بل لأنه ضعيف أمام حجر الكريبتونايت. لذلك عندما ترغب في تجميع سمات معيّنة لشخصيتك تأكد من أنّ نقاط ضعفها أكثر إثارة من نقاط قوتها.

السؤال الثالث: من أين جاؤوا؟

الإجابة الحرفية على هذا السؤال تعني المعلومات الشخصية لشخصياتك، من أيّ دولة، مدينة، أو قرية، هل نشأوا كأطفال في شوارع نيويورك أم ولدوا وتمّت تربيتهم في إحدى مزارع أنديانا، إنّ معرفة مثل هذه المعلومات تساعدنا على فهم رغبات الشخصية.

أما الإجابة الأكثر عمقاً على هذا السؤال فتعني الأمور الأكثر عاطفية مثل: هل أمتلكوا أبوين محبّين؟ أم تمّت تربيتهم على يد أمّ عازبة ومنهكة في العمل؟ هل فقدوا أختًا عندما كانوا صغارًا ؟ هل تعرضوا للتنمّر في المرحلة الإعدادية؟

الإجابة بهذه الطريقة تساعدنا كثيرًا على فهم دوافع الشخصية للتصرّف بطريقة معينة ولماذا ترغب في أشياء معينة.

السؤال الرابع: ما هي وجهتهم؟

وضع إجابة هذا السؤال مع اجابة سؤال من أين جاءؤا؟ يعطيك شخصية كاملة، لأنه اذا تم معرفة ما تريده الشخصية ومعرفة أين وكيف نشأت والى أين يتجهون؟ أصبح اذن لدينا مفهوم عن مدى شدة رغبتهم فى تحقيق ما يريدون ومدى مرونة تصرفاتهم عند الصعود بالأحداث ووجود عقبات أمامهم.

السؤال الخامس (الأخير): ما الذي يمكن أن تفاجئك الشخصية به؟

سؤال كهذا يبدو غير طبيعيّ للوهلة الأولى، ولكنّ الحقيقة أنّ الشخصيات قد لا تفعل ما نتوقّعه منها، فهي لديها سعة حيلة أكثر مما تتخيل، مثلًا إذا شعروا بكمين نُصِب لهم في إحدى الغرف المظلمة، فلا يمكنك توقّع ردة فعلهم، يمكنهم السير في الغرفة حذرين ويمكنهم عدم دخول الغرفة.

لهذا، ابحث في قصّتك عن أماكن حيث تقوم شخصياتك بفعل أشياء لا تتوقعها، قم بتحميس الشخصيات باتّباعها بدلًا من محاولة قيادتها.

الآن أصبحت بين يديك معرفة قوية عن كيف يجب أن تكون الشخصية داخل الرواية ويجب عليك إعطاء هذه الشخصية شيئًا لتفعله، ومن هنا يأتي تصاعد الأحداث، حيث تريد شخصيتك الرئيسية شيئًا ما ويقابلها بعض العقبات التي قد تكون عبارة عن أشياء أخرى أو شخصيات أخرى وربما عيوب شخصية تعيق الوصول لذلك الشيء الذي تريده الشخصية. تقابل الشخصية المزيد من العقبات وفي كلّ مرة يكون هناك عقبات أضخم وتشتعل الأحداث كما في لعبة الفيديو، والشخصية يجب أن تستمرّ في التغلّب على العقبات والتأقلم مع تصاعد الأحداث حتى الوصول إلى المكان الذي يمكنهم فيه الحصول على ما يريدون.

عندما تمتلك شخصيتك وأحداثك، أنت تمتلك الحبكة الدرامية اللازمة لروايتك وتمتلك أيضًا الإجابة على السؤال البديهيّ: عن ماذا يتحدث كتابك؟

إعلان

مصدر المصدر 1 المصدر 2
اترك تعليقا