ملحمة الحرافيش… نجيب محفوظ عن المهدي المنتظر

هو المهدي المنتظر، البطل العظيم، حامي الفقراء ونصير الضعفاء، هو الرمز في نفوس الناس عادةً في أوقات الكرب والضيق وما بين أيدينا اليوم هو ما كتبه العبقري “نجيب محفوظ ” حول ذلك البطل الملهم الذي يرحم الضعفاء ويملأها عدلاً، ملحمة الحرافيش هي الملحمة التي بدأها “نجيب محفوظ ” بـ عاشور الناجي وأنهاها أيضا بـ عاشور الناجي في عشر قصص تمثل عشرة أجيال متتابعة.

“سيأتي البطل الحاكم العادل الذي يملأ الأرض عدلا “

– بطل ملحمة الحرافيش:

تبدأ أولى قصص ملحمة الحرافيش في زمن مجهول وحارة مجهولة من حواري القاهرة في رسالة من الكاتب يخبرنا بأن الناس هم بطبعهم لا يغيرهم مكان أو زمان،
أما المشهد الأول فهو طفل صغير ملقى بجوار سور التكية يبكي بما يُمزق القلوب فيسمعه الشيخ الضرير “عفرة زيدان” الذاهب للحسين فيحمله عائداً لداره، وعندها ترى الطفل الزوجة العاقر المحرومة من الأمومة فتنزل الرحمات ويقرر الزوجان تربية الطفل الصغير والتعهد به.

وعلى هذا يشب الطفل الذي صار اسمه عاشور في كنف هذين الأبوين الطيبين، ويعتهد الزمان عاشور الشاب فيصبح ضخم الجثة، قوي البنية، ولكن مع ذلك هو رقيق القلب، عطوف ورحيم حتى لقبه أتباع الفتوة بالثور صاحب قلب العصفورة.
عاشور الذي جعل قوته كما أمره الشيخ في خدمة الناس وليس في خدمة الشيطان، ثم تمر السنون على عاشور فيتزوج وينجب، ويحاول أن يحفظ عهد الشيخ فلا يضيعه حتى يأتي الحدث الذي يغير مجرى حياته:

فبمعجزة إلهية يحدث الوباء المدمر الذي يفتك بكل أهل الحارة والحارات المجاورة، ثم يعود عاشور وحده هو وزوجته و ابنه الطفل شمس الدين، ويصبح لقبه من يومها ذلك اللقب الذي رافقه و ذريته عاشور الناجي.
و تمر الأحداث وتصبح لعاشور المكانة والقوة فيكون “فتوة الحارة”، ويؤسس الفتوة لعهد جديد لم يعرفه الناس من قبل هو عهد الفتونة القائمة على خدمة الناس، والأخذ من الغني للضعيف، ومساعدة الفقير حتى يجد عملاً يكسب به قوت يومه، ويكبر عاشور ويبني المسجد والسبيل وحوض الماء التي تصبح من معالم الحارة كالسور العتيق والتكية المباركة.
وتنتهي حكاية عاشور بخروجه يوما ولم يعدK ليبقى الناجي في ضمير الناس ما بقيت الحياة نفسها.

– فتنة الشباب:

يجعل القدر شمس الدين الشاب مكان أبيه، فيسير على دربه ولكن تبدأ المشكلة فشمس الدين لا يعي ولا يفهم فلسفة والده من الأساس، ولكنه يتبعها وفاء لعهد والده فيرفض المحاولات المتكررة من شيخ الحارة والأعيان ليشتروه فيكون كما يريدون ولـكن دون وعي ولا فهم، ومع طول العمر بشمس الدين يصبح شبح الشيخوخة والضعف هو كابوسه المُقيم ورغبته في الموت شاباً كما كان طول العمر، فيستمر البحث الحثيث عن الشباب المفقود.

إعلان

-ملحمة الحرافيش “الحب وتغيير الطريق”

ثم تأخذ ملحمة الحرافيش منحنى جديدًا حينما يموت شمس الدين ويتولى من بعده ابنه سليمان الناجي فيبدأ سيرة أبيه وجده، ولكن تطاول الزمن وقلة الفهم يجعلان سليمان بطول المدة يقبل ما رفضه أسلافه بل ويتزوج من الأعيان، وينجب ولدين في النعيم والترف، ويمد يده شيئا فشيئا على أموال الأتاوة التي جعلها أبوه وجده للفقراء وفي خدمة الناس، ويعطي منها لرجاله وأتباعه فـ

“حتى حصون القلب يغزوها الزمن بانسيابه بين النعومة والصرامة”.

– ضياع السلطة والبكاء على الأطلال:

تنقضي سلطة آل الناجي بوفاة سليمان بعد أعوام عديدة قضاها مشلولاً حزنا وهماً وكمداً على ابنه الغائب ينتقل بيت الناجي من بيت الفتونة لمجرد بيت تاجر من الأعيان هو خضر سليمان الناجي.
ويتقلب الزمان بذرية عاشور من محنة لمحنة، ومن سيء لأسوأ فيصبح منهم السكير، واللص، والشاذ، وقاتل أخيه بل وبعد حين من يصل منهم للفتونة يتنكر لعهد الناجي الأكبر ويسير سيرة الظلم والفحش في الناس.
ويتنقل آل الناجي على مدار سبعة أجيال كاملة إما في كنف فتوة منهم ظالم شديد البأس على الخلق يفعل ما لا يعقل و يكاد يوصف بالجنون وإما في الاضطهاد والتنكيل من فتوة آخر يخشى أن يخرج عليه أحد من بيت الناجي.

– انتظار البطل:

وأما الحرافيش وعامة الناس فيدعون ويتعجبون وفي اعتقادهم أن ما يحدث لبيت الناجي هو اللعنة التي حلت عليهم لمخالفتهم عهد عاشور وأن يوما ما سيعود عاشور من غيبته وينتقم من كل من خالف عهده فيعيد الحق والحياة للحرافيش المقهورين المظلومين، فإذا ما اشتد الحال تكون الإجابة الفورية هي: “عاشور هيرجع” ويستمر الناس في انتظار البطل الموهوم المزعوم عودته.
فإذا ما تساءل السائل عن عاشور ولم يسكت عن هذا الظلم:

“هل يرضيه الظلم يا جدتي؟
– كلا يا بني.
– لم يسكت عنه؟
– من يدري يا بني، ربما لسخطه على تهاون الناس مع الظالم”

وتمر السنون وينتظر الناس في إيمان بعودة البطل

” فعندما تستحكم القبضة ولا يوجد منفذ واحد للأمل تؤمن القلوب القانطة بالمعجزة”

– القوة في موطن آخر:

بوصولنا للجيل العاشر والحكاية العاشرة من ملحمة الحرافيش مع عاشور الناجي الأخير عاشور ربيع الناجي.
عاشور الأصغر الذي وإن كان ضخماً قوياً إلا أنه لم يملك قوة جده، وفي ظل أشد المحن على آل الناجي بوجود الفتوة حسونة السبع الذي قضى على آل الناجي بالطرد من الحارة للأبد.
فهنا يبدأ عاشور بالبحث في موطن الخلل في فلسفة جده الأكبر وعلة عدم استمرارها فتظهر النتيجة واضحة جلية وهي أن موطن قوتها هو نفسه موطن الضعف والخلل فيها:
فكرة “البطل ..المنقذ ..العادل” هو الفرد الذي يقوم حوله الأمر، فلا وصول للعدل والرحمة إلا بوجوده وقضائه على الأشرار، ويكأن الكاتب يقولها صراحة: أن لا استمرار لعدل و لا حق طالما ظل الأمر معلقا بفرد واحد مهما كان هذا الفرد.

ويزيد التجلي على عاشور الحفيد حينما تزوره الرؤيا التي يرى فيها عاشور جده الأكبر الناجي بنفسه وهو يمد يده إليه قائلا “بيدك أم بيدي” فيحسمها الحفيد بقوله “بل بيدي يا جدي”.
ويبدأ العزم فيجمع عاشور الحرافيش ويقوي من عزائمهم، ويعلمهم أن الحق لن يعود بفتوة عادل بل سيعود بهم وسيحميه الحرافيش أنفسهم إن حمل كل فرد منهم النبوت مدافعاً عن نفسه، ومسترجعاً لحقه، ومحافظا عليه.
وهكذا ينتهي الأمر بعاشور مؤسساً لعهد أنقى وأعظم من عهد جده مرتفع القامة أكبر من المئذنة والسور العتيق

“وتم له أعظم نصر، وهو نصره على نفسه”

يقف الناجي الحفيد ناهياً أسطورة البطل.. البطل الذي مات، ومن مات لا يرجع أبداً.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد صبري

اترك تعليقا