العدالة لنورا حسين!

“حاميها حراميها!” الأب؟ ما الذي يعنيه ذلك؟

لطالما ارتبط لفظ الأب بالأمان، فمن المفترض أن يكون هو الحامي الأوّل لابنته التي ترى فيه بطلها. لكن لِمن تلجأ نورا حسين إن تنكّر لها والدها وقرّر أن يكون “حراميها” بدلًا من “حاميها”؟ وأيّ نوع من الآباء ذلك الذي يرمي بابنته في فم الذّئب الذي هو أصلًا ابن عمّها؟ أن تُزَوّج فتاة دون موافقتها، يعني أنّك ارتكبت جريمة في حقّها. أن تزوّجها لحيوان فتلك جريمة في حقّ الإنسانيّة، وأن يغتصبها ذلك الحيوان فذلك ظلم في حقّ الحيوانات. أمّا أن تحكم عليها بالموت لأنّها قتلت مُغتصبها، فأنت هنا تقتلنا جميعًا! استفيقوا من جهلكم، لقد انقضى عهد الجواري، ألم يخبروكم بذلك؟ ألم يخبروكم بعدُ أنّ المرأة إنسان؟ هاكم آخر الأخبار إذن! المرأة إنسان وهذا ليس بالأمر الجديد. للمرأة قلب وعقل وكيان، تخيّلوا! ونورا امرأة، أي أنّها إنسان، أتفهمون ما أقصد؟؟

نورا حسين فتاة مثلي، لكنّها تصغرني بسنتين، وتكبرني بألَمين. نورا فتاة مثلي وربّما تفوقني بحلم أو اثنين. ذنبها أنّ أباها فقد قلبه، ولا ذنب لها غير أنّها أنثى. أمّا نحن، فذنبنا الصّمت! إذا لم نخرج عن صمتنا المقيت هذا، فكم من نورا سينجب عالمنا؟ وكم من أب سيفقد قلبه؟ وعقله؟ و أشياء أخرى أصبحت نادرة جدًّا… صمتنا هذا يعني أنّنا نقبل بما حدث، ما يحدث و ما سيحدث. أوليس السّكوت علامة الرّضا؟ لا، لسنا راضين بما يحدث، ولن نرضى… فليسمع العالم إذًا: هناك مجازر تُرتكب في حقّ البنات، كلّ يوم نُحرَق بالمئات، كلّ يوم تُذبح واحدة منّا بشتّى الأساليب وأبشعها. كلّ يوم هناك ورود تُقطف قبل أوانها. فتاة قاصر لم تتكوّن معالِم أنوثتها بعد، هناك في الزّاوية تبكي طفولتها. وأخرى زُفّت لعجوز لم يزده الشّيب سوى طيشًا. وتلك تبحث عن دميتها في الظّلام… هذا عصر الجاهليّة بامتياز. طُرق الوأد تطوّرت يا معشر النّاس! أصبحت الأنثى تُدفن في سرير. حكمت المحكمة أن تُشنق كلّ من تسوِّل لها نفسها بالفرار من الموت! ولتكن نورا عِبرة للأخريات…
ليس من العدل أن تُقتل نورا حسين للمرّة الثالثة، كفاها موتًا! دعوها تعيش أو اقتلونا جميعًا. دعوها تصرخ، دعوها تبكي، دعوها تنهار، دعوها تحزن! بربّكم، ألم يحن وقت النّهوض؟ لقد استغرق هذا السّبات الفكريّ أكثر من شتاء وأكثر من خريف. فلننفض عنّا غبار الجهل والتّخلّف. حان الوقت للاستحمام من الحقارة، فلربّما كان علينا بناء حضارة الآن. ماذا لو اعتنقنا الإنسانيّة على سبيل التّغيير؟ وماذا لو قلبنا الأدوار للحظة؟ فليجرّب الرّجل أن يكون له جسد هزيل، أن يُكبَّل بالضّعف، أن يشعر بالخوف وأن… فليجرّب الرّجل أن يكون ضحيّة اغتصاب! أن يُهان ويُعنّف ويُترك جثّة دون ثياب…
 
نورا حسين فعلت ما عجزنا كلّنا عنه… غرست سكّينًا في أحشاء الظّلم. قالت “لا!”. لم تخضع ولم تخنع. هي امرأة أقدمت على الشّجاعة، فأثارت حنق الطّغاة. هي لن تموت مهما قتلوها! فروحها سترقد داخل نساء الأرض ونجوم السّماء. كلّ واحدة منّا كان من الممكن أن تكون نورا، لكنّنا لا نملك كلّنا شجاعتها. هناك من تسكت، هناك من تبكي فقط وهناك من تلجأ إلى الجنون! حتّى الجنون صار أرحم من واقع فاق الخيال شراسة. صار الجنون ترفًا، في عالم كلّ ما فيه يرجع إلى الوراء باستمرار…
 
نورا أعادت الاعتبار لكلّ نساء العالم. لكلّ أولئك اللّواتي لم تعرفن يومًا معنى الحياة. للّواتي عشنَ الخوف وعايشن القهر في كلّ دقيقة. انتقمت بمفردها لكلّ فتاة حُرمت اللّعب وأُجبرت على تأجيل أحلامها أو إلغائها تمامًا. أهدت بعضًا من الأمل إلى تلك التي كانت تنتظر دورها في وجل، وإلى كلّ من طالب بالعدالة لها…
مساهمة أسماء بوزيد من الجزائر

إعلان

اترك تعليقا