استراتيجية مناعية لمجابهة السرطان تفوز بجائزة نوبل للطب 2018

مُنذ الانطلاق الأول لتوزيع جوائز نوبل في نواحي عدة عام 1901، تقوم جمعية نوبل بتكريم رواد في مجال الطب، والكيمياء، والفيزياء، والأدب، والسلام، وأيضًا الاقتصاد كل عام. واليوم قامت الجمعية في معهد كارولينسكا Karolinska بتكريم جيمس أليسون James B. Allison بالاشتراك مع تاسوكو هونجو Tasuku Honjo وإعطائهم جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء لعام 2018، حيث تمّ الإعلان عنها صباح اليوم 1 من شهر أكتوبر في تمامِ الساعة 11:30 صباحًا، تقديرًا لجهودهم في اكتشاف علاج حديث لمرض السرطان من خلال تثبيط نظام المناعة السلبية ووضع فكرةٍ جديدةٍ رائدة في علاج هذا المرض. يُعد مرض السرطان من الأمراض المنتشرة عالميًا وسببًا في هلاك الملايين من البشر مما يعرض البشرية لتحديات صحية خطيرة. لمجابهة هذا الخطر بشكل مبسط، توصل العالمان لطريقة يمكن من خلالها وضع حد لهذا المرض وذلك بواسطة تحفيز القدرة الوراثية للجهاز المناعي البشري كي يقوم بمهاجمة الخلايا المسرطنة. وكانت فكرة رائدة لمحاربة السرطان من خلال الجهاز المناعي.

قام جيمس أليسون بدراسة بروتين معروف يعمل كمثبط لنشاط الجهاز المناعي حيث أدرك إمكانية إطلاق المثبط وبالتالي إطلاق الخلايا المناعية لمهاجمة الخلايا المسرطنة، ومن ثم عمل على تطوير هذا المبدأ وتحويلها إلى طريقة جديدة لعلاج مرضى السرطان. ومن جهة أخرى، قام تاسوكو باكتشاف بروتين يوجد على سطح نوع معين من الخلايا المناعية، وبعد الاكتشاف الدقيق لوظيفته، بدأ بالكشف عنه كبروتين يعمل أيضًا كنوع من أنواع المثبطات المناعية. وقام كلا العالمين بعرض وتوضيح كيف يمكن للعديد من الطرق والاستراتيجيات المختلفة تفعيل المثبطات للجهاز المناعي، بحيث تستخدم في علاج السرطان. وبذلك يُعتبر اكتشافهم بمثابة خطة عظيمة لمجابهة السرطان.

هل يمكن بالفعل أن يكون للجهاز المناعي دور في معالجة السرطان؟

يضم السرطان العديد من الأمراض المختلفة وجميعها تتميز بأنها تضاعُف للخلايا غير طبيعي وغير قابل للتحكم مع قدرة في الانتشار إلى الخلايا والأنسجة السليمة. وهناك العديد من الطرق العلاجية المتاحة لعلاج السرطان من ضمنها الجراحة والعلاج الإشعاعي وبعض الطرق الأخرى. وجدير بالذكر، أن هناك طرقًا استثنائية وحاز مكتشفوها سابقًا على جوائز نوبل، وذلك يتضمن طرق لعلاج سرطان البروستاتا بالاستعانة بالهرمونات (Huggins, 1966)، والعلاج الكيميائي Elion and Hitchins) 1988)، وأخيرًا من خلالِ زراعة نخاع العظام لمرضى اللوكيميا (Thomas, 1990). ولكن ظلت المراحل المتقدمة من مرضِ السرطانِ غير قابلة للعلاج على نحوٍ كبير، مما أدىّ إلى استمرار حاجتنا المُلحة إلى اكتشاف استراتيجيات علاجية حديثة.

في أواخر القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين، ظهر مبدأ يشير إلى أن تنشيط الجهاز المناعي رُبما تكون استراتيجية فعالة في مهاجمة الخلايا السرطانية، حيث قاموا بحقن بعض المرضى بخلايا بكتيرية لتنشيط الدفاع المناعي. وظل هذا الجهد فقط في إطار التأثير البسيط، ولكن تستخدم اليوم عدة استراتيجيات مختلفة لعلاج سرطان المثانة. وكان من المعروف آنذاك أننا بحاجة لمعرفة أكثر. تم إلزام العديد من العلماء لعمل بحث رئيسي مكثف والكشف عن الآليات الأساسية لتنظيم المناعة وأيضًا عرض كيف يمكن للجهاز المناعي أن يتعرف على الخلايا السرطانية. على الرغم من التقدم العلمي الهائل، فإن المحاولات لتطوير استراتيجية جديدة وشاملة لعلاج السرطان تبدو صعبة.

كيفية عمل المحفزات والمثبطات في جهازنا المناعي:

تعد الخاصية الأساسية لجهازنا المناعي هي القدرة على التمييزِ بين الخلايا الذاتية وغير الذاتية، “الخلايا الجسمية والخلايا الدخيلة أو الغريبة” ولذلك بمجرد دخول خلايا بكتيرية أو فيروسية أو أي خلايا ممرضة، يقوم الجهاز المناعي بمهاجمتها والتخلص منها على الفور. هناك العديد من الخلايا المناعية المختلفة التي تقوم بوظيفة الدفاع عن الجسم منها الخلايا التائية T-cell؛ وهي نوع من خلايا الدم البيضاء والعامل المباشر في آلية الدفاع.

إعلان

تمتلك الخلايا التائية بعض المستقبلات على سطح خلاياها ترتبط بالتركيبات التي تم التعرف إليها بأنها خلايا غير ذاتية، وبعض التفاعلات التي تثير الجهاز المناعي وتلزمه بالدفاع عن الجسم. ولكن بعض البروتينات التي تعمل كمنشطات للخلايا التائية تعد مهمة لإثارة استجابة مناعية كاملة. شارك العديد من العلماء في هذا البحث الرئيسي الهامّ وتم التعرف على بروتينات أخرى تعمل على كبح الخلايا التائية، مثبطة بذلك النشاط المناعي. يعتبر هذا التوازن المعقد بين المحفزات والمثبطات أساسي للتحكم المحكم. وهذا يؤكد أنّ الجهاز المناعي مرتبط بكفاءة لمهاجمة الكائنات الدقيقة الغريبة، بينما يتجنب النشاط الزائد والذي من الممكن أن يتسبب في تدمير المناعة الذاتية للخلايا والأنسجة السليمة.

الكشف عن قاعدة حديثة للعلاج المناعي:

أثناء التسعينات، قام جيمس أليسون بدراسة بروتين الخلايا التائية CTLA-4 في معمله بجامعة كاليفورنيا. وكان واحدًا من العديد من العلماء الذين قاموا بملاحظة أن هذا البروتين يعمل كمثبط للخلايا التائية. واستغلت بعض الفرق الآلية كهدف في معالجة أمراض المناعة الذاتية. ولكن كان لأليسون فكرة مختلفة بشكل كامل. كان بالفعل قد طوّر جسمًا مضادًا من الممكن أن يرتبط بـ CTAL-4 يعمل على تعطيل وظيفته. والآن، قد بدأ في التحقيق ما إذا كان حصار CTLA-4 قادرًا على فك ارتباط مثبطات الخلايا التائية وإطلاق الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية.

قام أليسون وزملاؤه بتنفيذ أول تجربة في نهاية 1994 واستمروا في تكرارها، وكانت النتائج مذهلة. تمت معالجة فئران التجارب من السرطان من خلال استخدام أجسام مضادة تعمل على كبح المثبطات وفتح نشاط الخلايا التائية المضادة للأورام. على الرغم من قلة الاهتمام من قبل الصناعة الدوائية، استمر أليسون في تكثيف جهوده لتطوير الاستراتيجية وتحويلها إلى علاج للمرضى. وقد ظهرت النتائج الواعدة من قبل عدة مجموعات، وفي عام 2010. ظهرت دراسة طبية هامة توضح التأثيرات المدهشة في مرضى مصابين بالملينوما (سرطان الجلد). وفي عدد آخر من المرضى، اختفت العلامات الباقية من السرطان.

في الصورة الموضحة أعلى اليسار: يتطلب تنشيط الخلايا التائية أن ترتبط المستقبلات بالتراكيب الموجودة على الخلايا المناعية الأخرى المتعارف عليها كخلايا غير ذاتية. وأيضًا يتطلب تنشيط الخلايا التائية بروتينًا يعمل كمحفز للخلية التائية. يعمل بروتين CTLA-4 كبروتين كابح للخلايا التائية من خلال تثبيط عمل المحفز.

نوبل للطب 2018

في الصورة الموضحة أسفل اليسار: تقوم الأجسام المضادة (باللون الأخضر) بعكس بروتين CTLA-4 وإيقاف عمل المثبطات التي تعمل على تنشيط الخلايا التائية وتهاجم الخلايا السرطانية.

في الصورة الموضحة أعلى اليمين: PD-1 هو مثبط آخر للخلايا التائية والذي يعمل على كبح تنشيطها.

في الصورة الموضحة أسفل اليمين: تعمل الأجسام المضادة عكس PD-1 من خلال كبح عمل المثبطات التي تؤدي إلى تنشيط الخلايا التائية بكفاءة عالية لمهاجمة الخلايا السرطانية.

اكتشاف بروتين PD-1 وأهميته لعلاج السرطان

في عام 1992، قبل اكتشاف أوليسون ببضع سنوات اكتشف تاسوكو هونجو بروتين PD-1 على سطح الخلايا التائية T-cells. وبعد عزيمة وإصرار منه على اكتشاف دوره، اكتشف بشكل دقيق وظيفته من خلال سلسلة من التجارب المتأنقة والتي أجريت على سنوات عدة بمختبره في جامعة كيوتو. أظهرت النتائج أن بروتين PD-1 وبروتين CTLA-4 كليهما يعمل كِمكبح للجهاز المناعي، ولكن كلّ يعمل بآليه عمل مختلفة (انظر الصورة المرفقة). وقد تبين في التجارب الحيوانية أن بروتين PD-1 أظهر استراتيجية حاسمة في مواجهة ومكافحة ضد السرطان، كما أظهر هونجو والمجموعات الأخرى. يعد هذا مهدًا لاستخدام بروتين PD-1 في علاج المرضى. وتبع ذلك التطور السريري، وفي عام 2012 أظهرت دراسة رئيسية فعالة في علاج المرضى الذين يعانون من أنواع السرطان المختلفة. وكانت النتائج مثيرة، حيث أدى إلى تخفيف حالة المرض على المدى الطويل والعلاج الممكن للعديد من المرضى الذين يعانون من السرطان المتنقل، والتي كانت تعد حالة غير قابلة للعلاج في السابق.

العلاج المناعي عائق للسرطان اليوم وفي المستقبل

كان التطور السريري دراماتيكيًا بعد الدراسات الأولية التي أظهرت آثار حصار كلا البروتينين PD-1و CTLA-4. نحن نعلم أن العلاج الذي يشار إليه Immune checkpoint therapy قد غير النتيجة بشكل جوهري بالنسبة لفئة معينة من المرضى المصابين بمراحل السرطان المتقدمة.

وتعد مماثلة لعلاجات السرطان الأخرى، وبالنظر للآثار الجانبية الضارة التي يمكن أن تكون خطرة ومهددة للحياة. وهي ناتجة عن استجابة مناعية مفرطة النشاط تؤد إلى ردود فعل المناعة الذاتية، ولكن عادة ما يمكن التحكم بها وعلاجها. تركز البحوث المتواصلة المكثفة على توضيح آليات العمل، بهدف تحسين العلاج والإقلال من الآثار الجانبية. أظهرت النتائج الاستراتيجية نجاح تلك الآلية في استهداف أنواع السرطان المختلفة، بما في ذلك سرطان الرئة، الكلى، الجلد، الغدد الليمفاوية.

ترجح الدراسات السريرية الحديثة أن العلاج المُركب الناتج من كلا الآليتين يمكن أن يكون أكثر فعالية، حيث ثبت ذلك لدىّ مرضى سرطان الجلد. وهكذا، ألهمت جهود «جيمس أليسون و تاسوكو هونجو» الجهود المبذولة لدمج الاستراتيجيات المتباينة لتحرير مكابح الجهاز المناعي للقضاء على خلايا الورم بشكل أكثر دقة.

حاليًا، ُتجرى تجارب عدة من العلاج المناعي لمهاجمة معظم أنواع السرطان، ويتم اختبار تلك البروتينات الجديدة كأهداف. حاول العلماء لأكثر من مئة عام إدخال الجهاز المناعي في مكافحة السرطان؛ فحتى تلك الاكتشافات الحاسمة من قبل الفائزين بالجائزة «جيمس أليسون وتاسوكو هونجو»، كان التقدم المحرز في التطور السريري بسيط.

لقد أحدث هذا العلاج المناعي ثورةً في علاج السرطان، وقد غير بشكل جذري نظرتنا في كيفية إدارة علاج السرطان.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: أمنية سليم، روضة الأمين

تدقيق لغوي: ضحى حمد

اترك تعليقا