العلم على مقربة من معرفة ما يدور في أذهاننا أثناء الحلم

الحلم شيءٌ عجيب، فهو يحمل في طيّاته أهمّيّة كبيرة لنا إذ أنّنا دائمًا نرنو لإخبار الناس عن مغامراتنا الليلية، لا سيما إذا كان الحلم طويلًا جدًا، ولكن إذا فهمت ما يدور داخل الدماغ بينما تأخذ الأحلام مجراها، فإنّ الأحلام تبدأ في جعل الأمور أكثر منطقية.
إليك هنا بعض الأسئلة الشائعة وإجاباتها حول الهلوسة الليلية التي نطلق عليها الأحلام.

1- لماذا تبدو الأحلام في غاية الغرابة؟

هناك سبب جيّد يجعل الأحلام غريبة ومتقلبة. وهو أنّ الذكريات تخزّن أحداث الحياة أي “الذكريات العرضية” في جزء من الدماغ يدعى قرن آمون أو الحصين hippocampus، وبالانتقال إلى مرحلة “نوم حركة العين السريعة Rapid eye movement sleep” تتوقف إشارات النوم النابعة من قرن آمون. وهذا يعني أننا أثناء الحلم لا نستطيع الوصول إلى ذكريات معينة لأشياء حدثت في الماضي، لكننا نستطيع الوصول إلى الذكريات المتعلقة بالناس والأماكن، الأمر الذي يشكّل ركيزة أساسية في أحلامنا، وفي الوقت ذاته، يُحفّز النشاط في مناطق المخّ المشاركة في العمليات العاطفية، مما يشكّل رواية عاطفية مفرطة تعمل على دمج هذه الذكريات معًا.

على سبيل المثال، في الليلة الماضية راودني حلم عن أنّ فيضانًا قد أحاط البيت الذي ترعرعت فيه، وقد كان ينبغي عليّ أن أطير صوب النافذة للهرب، غير أنّني نسيت أن أطير. فقد كان الشعور المفرط هو الخوف والقلق من ارتفاع منسوب المياه وعدم القدرة على الطيران.
جزء آخر من الدماغ وهو قشرة الفص الجبهي الظهراني الجانبي dorsolateral prefrontal cortex والذي يتحكم بقوانا الخاصة؛ بكلّ من التفكير المنطقي وصنع القرار.

أنا لا أتوقف عن التساؤل عن سبب ارتفاع منسوب مياه الفيضان بهذه السرعة، أو عن سبب عودتي إلى منزل طفولتي، أو حتى لماذا يكون الطيران إلى مكان آمن هو مجرد خيار.

ومقارنةً بحالتنا ونحن على يقظة، يساعد هذا الاختلاف في نشاط الدماغ على تفسير سبب شعورنا بأننا نملك مثل هذه السيطرة الضئيلة على أحلامنا – فنحن شاهِدون على طول الرحلة – وهو يساعد أيضًا في تفسير حدوث أشياء غريبة لا نرفع لها الحاجب متعجبين إلى أن نستيقظ. وغالبًا ما ينتهي بي المطاف في أحلامي دائمًا بالتنفس تحت الماء كما لو أن هذا الأمر طبيعيّ تمامًا.

إعلان

2- هل تراودنا الأحلام في مرحلة نوم حركة العين السريعة فقط؟

بدأت دراسة الأحلام – والتي لم تكن منذ قرون أكثر من مجرد تمرينًا يستخدم في التفسير المبتكر أكثر من من كونه شيء يمت للعلم بصلة – بالضبط في عام 1953، عندما أحضر يوجين أسيرينسكي Eugene Aserinsky وناثانيل كلايتمان Nathaniel Kleitman في جامعة شيكاغو University of Chicago المتطوعين لاستخدام تقنية “تخطيط أمواج الدماغ EEG” التي تكشف النشاط الكهربائي في الدماغ. وقد أيقظوا المتطوعين خلال مراحل النوم المختلفة. وقد اكتشفوا ارتباط الاحلام بمرحلة نوم حركة العين السريعة، ولقد أظهرت التجارب الحديثة أننا نحلم طوال نومنا، وليس فقط في مرحلة نوم حركة العين السريعة، ولكننا ننسى معظمهم. فالأحلام التي تحدث في النوم العميق تميل لأن تكون غير عاطفية وقاتمة وتُعنى بالأشياء البسيطة ويصعب تذكرها. باختصار، هي أحلام مملّة

ونوم حركة العين السريعة هو الوقت الذي تحدث فيه الأحلام الكلاسيكية، تلك التي تحتوي على تجاور غريب وأفعال مستحيلة فيزئيًا وتجارب مزعجة ومثيرة للحيرة والمشاعر.

وبالمناسبة، تساءل الكثير من الناس عما إذا كانت أعيننا في نوم حركة العين السريعة تتحرك لتنظر إلى صور الأحلام. بعض الأدلة تشير إلى أنّ هذا ما يحدث بالفعل.

3-لماذا من الصعب تذكر أحلامنا؟

يصر بعض الناس على أنهم لا يراودهم أحلاما أبداً ، لكنهم مخطئون. نحن نعرف ذلك من التجارب التي تنطوي على إيقاظ الناس في مراحل مختلفة أثناء الليل. الكل يحلم، لكننا لا نتذكرها جميعًا.

ربما يكمن هذا في نشاط الدماغ، أولئك الذين يميلون إلى تذكر الأحلام لديهم نشاط أكبر أثناء النوم ويقظة في جزأين من الدماغ من شأنهما أن يساعدا في تعزيز الصور وتخزين الذكريات أكثر من الناس الذين لا يتذكرون أحلامهم. كما أن لها علاقة بكيفية نومك.

وكما يقول روبرت ستيك غولد Robert Stickgold ، في قسم طب النوم في كلية الطب بجامعة هارفارد Harvard Medical School إننا أثناء نوم حركة العين السريعة، نكافح من أجل تشكيل ذكريات جديدة. ولكن إذا استيقظنا خلال الحلم أو بعده مباشرة ، فنحن قادرون على فهمه قبل أن يتلاشى. وبعبارة أخرى ، يمكننا تشفيره إلى تخزين طويل الأجل.

لذلك إذا استيقظت أثناء الليل، فسوف تتذكر على الأرجح أن هناك الكثير من الأحلام التي كنت تواجهها. من ناحية أخرى، إذا استيقظت على ساعة منبهة وقطعت نوم حركة العين السريعة، فمن غير المرجح أن تستمر في الاحتفاظ بهذه الذاكرة.

هذا التحول المفاجئ للتركيز من كونك نائمًا أو حالمًا للاستيقاظ وإيقاف الساعة المنبّهة يتداخل مع عملية التذكر.

4. لماذا نحلم؟

هناك العديد من الأفكار حول سبب حلمنا. الأول هو أنه ربما يكون لهذا وظيفة تطورية، لاختبارنا في سيناريوهات مهمة لبقائنا.

قد يفسر هذا سبب شرح الناس في كثير من الأحيان عن مطاردتهم أو مهاجمتهم في أحلامهم.

من ناحية أخرى، يشهد العديد من الناس على قوة الأحلام لتحفيز التفكير الإبداعي، مثل بول مكارتني Paul McCartney المغني والموسيقي والشاعر الغنائي والذي يقول أن اللحن قد جاء إليه “بالأمس” في الحلم (وفور الاستيقاظ، ارتجل بول مكارتني كلمات الأغنية حتى لا ينسى النغمة)، أما الكيميائي ديمتري مندليف Dmitri Mendeleev قال إن بنية الجدول الدوري للعناصر أتت إليه في حلم.

هناك دعم تجريبي لهذه الفكرة، حيث تشير الدراسات إلى أن الناس يحرزون نتائج أفضل في اختبارات الإبداع بعد قيلولة تتكون من نوم حركة العين السريعة.

5. هل تعني الأحلام أي شيء؟

أكد سيغموند فرويد Sigmund Freud أن “تفسير الأحلام هو الطريق الملكي إلى معرفة الأنشطة اللاواعية للعقل”. يعتقد فرويد أن اللاوعي يعني بالأفكار “الشاذة”، وأن الأحلام كانت في المقام الأول وسيلة لتحقيق الأماني. وفي حين أن هذه الأفكار الآن غير مستحسنة في مجال العلوم، غير أنّ القليل من  تفسير الأحلام أمرٌ ممكن. ما تحلم به حيال النغمة العاطفية للحلم ربما يعكس ما يعتبره دماغك مهمًا.

وتظهر الأبحاث أنه إذا لعبت Tetris طوال اليوم سيقرر دماغك أن Tetris هو ما تحتاج إلى أن تحلم به. إذا كنت قلقًا بشأن شيء ما ، فقد يعطيك دماغك حلمًا مشوبا بالقلق باعتباره العاطفة السائدة.

هناك كم هائل من البحث عن تجارب الاستيقاظ ومحتوى الأحلام تقترح بأن تجاربك في هذا اليوم يمكن أن توضع في محتوى أحلامك، لكن الكثير وربما أغلبية الأشياء الضئيلة التي تبدو أنها غير مرتبطة بيومك تتسلل أيضاً إلى الأحلام.

يقول مارك بلاغروف Mark Blagrove، من جامعة سوانسي Swansea University ، في ويلز: إنّ محاولة تحليل أحلامك وتفسيرها يمكن أن تكون طريقة علاجية أو متبصرة ، لكنه يحذّر من أنّ البعض قد يقول إنّ مثل هذه الرؤية قد لا تكون أكثر من مجرد شيء يشبه النظر إلى برجك أو أحلام اليقظة.

وستكون هناك حاجة للتجارب لاختبار ما إذا كانت الأحلام تنقل معلومات شخصية مهمة على وجه الخصوص. وحتى ذلك الحين لا يعني أن الأحلام مصممة لنقل تلك المعلومات.

إذا كان التطور قد منحنا الأحلام كرسائل عن أنفسنا، لكان بإمكانه القيام بعمل أفضل في جعلها أسهل في التذكر.

6. هل يحلم الرجال والنساء بشكل مختلف؟

تشير بعض تحليلات محتوى الأحلام إلى أنّ النساء يحلمن بشكلٍ متساوٍ عن الرجال والنساء، في حين أنّ الرجال أكثر احتمالًا لأن يحلموا برجالٍ آخرين.

وثّق مايكل شريدل Michael Schredl، من المعهد المركزي للصحة العقلية Central Institute of Mental Health، في مانهايم بألمانيا تقارير خاصة بالأحلام تظهر أنّ الرجال غالبًا ما يحلمون بمقاتلةِ رجالٍ آخرين، في حين تحلم النساء بمزيد من التفاعلات اللطيفة مع الناس.

قبل عامين، كتبت كريستينا وونغ Christina Wong وزملاؤها في جامعة أوتاوا University of Ottawa برنامجًا كمبيوترًا للتمييز بين أحلام الرجال والنساء. وقد تنبّأ البرنامج بشكلٍ صحيح بجنس الشخص الحالم بنسبة حوالي 75 في المئة من الوقت. ويشير هذا إلى أنّه قد تكون هناك اختلافات بين الجنسين في الأحلام، ولكنه من السابق لأوانه أنْ نعرف السبب في الوقت الحالي.

تدقيق راغب بكريش

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا