العلوم السياسية .. هل السياسة علم؟ وهل العلم معادلات؟!

العلوم بصفة عامة نوعان: علوم طبيعية مثل الفيزياء والهندسة والطب والكيمياء، وعلوم إنسانية مثل الاجتماع والنفس والأدب واللغة والاقتصاد والفلسفة… الخ. العلوم الطبيعية علوم يمكن إثباتها بالتجربة؛ ففي الهندسة مثلًا لا يُقبَل شيء إلا بعد إثباته بالتجربة، وكذلك الطب بالمشاهدة والتجربة والتشريح تُستخلَص الحقيقة العلمية، أما العلوم الإنسانية فلا تخضع للتجربة ونتائج نظرياتها تقريبية. هناك دائمًا فرق بين الحقيقة والعلم، فالعلم أبعد وأوسع مفهومًا من الحقيقة.

تُعتَبر السياسة علم من العلوم الإنسانية التي لا تخضع للتجربة، ولكن كيف نُعرِّف العلوم السياسية؟ وما هو العلم أولاً؟

للعلم تعريفات وأنواع كثيرة، فلو سألت أهل اللغة أو الأصوليين عن العلم سيقولون لك إنه إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع أو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وامتثال صورة الشيء فى العقل، وينقسم عندهم إلى علم ضروري وعلم نظري. فالضروري هو ما لا يحتاج إلى استدلال أو ما يستفيده الإنسان دون نظر مثلاً: 2=1+1 وهو أيضًا ما يعلمه الناس بالحواس الخمس وهو أيضًا ما عرف بالتواتر فكل هذا عندهم علم قطعي لا يحتاج إلى نظر لذلك هو علم ضروري، أما العلم النظري فهو المتوقف على النظر وتقليب الفكر فيما ينظر فيه والاستدلال أي تحصيل الدليل، هذا عند الأصوليين (دارسي علم الأصول).

أما أصحاب العلوم الإنسانية والطبيعية يضعون للعلم تعريفًا آخر؛ فالعلم عندهم هو مجموع مسائل وأصول كلية تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى نظريات وقوانين، إذن هل العلم معادلات؟ بالطبع لا العلم ليس المعادلات، فكل شيء نستطيع تحويله إلى معادلات مثال: الدولة = الفرد + المجتمع + الثقافة + الأرض + النظام الحاكم، ونستطيع اختلاق معادلات شبيهة لا حصر لها. من التعريف لابد من وجود ظاهرة طبيعية أو إنسانية يتم معالجتها بمنهج معين لِنصل إلى نظرية تؤدي إلى قانون وهذا هو العلم.

هل ينطبق هذا على السياسة؟

للإجابة على هذا السؤال لابد وأن ننوه أن العلم يبدأ بالشك ومصدره العقل فهو يناقش اللا مثبتات، ويبدأ بملاحظة وتحليل الظاهرة بمنهج معين، مثلاً عندما لاحظ نيوتن ظاهرة سقوط التفاحة، بدأ عقله يشك ويفكر حتى قاده إلى منهج معيَّن في البحث ثم قاده المنهج إلى نظرية الجاذبية ثم قوانين الحركة والجاذبية الشهيرة، إذن ما هي الظواهر التي يمكن أن تنتج علم السياسة المزعوم؟

إعلان

بالتأكيد ظاهرة السُلطة هي أول ما يثير الاهتمام، عملية انتقال وتطور السلطة تحتاج إلى دراسة، كذلك عمليات الحكم والتصويت والضغط السياسي وتكوين التنظيمات الحزبية وجماعات المصالح وغيرها. كل هذه أدوات تفسر ظاهرة السلطة فتصل بنا إلى نظرية أو مفهوم أو قانون لتلك السياسة بأنها علم من العلوم الإنسانية. والعلوم الإنسانية بشكل عام ليست أسهل من العلوم الطبيعية كما يعتقد البعض ولكنها قد تكون أصعب اعتمادًا على العوامل التي تشكل الظاهرة الإنسانية وهي عوامل كثيرة ومتشعبة وحصرها ودراستها ليس بالأمر السهل، بينما العوامل المُشكِّلة للظاهرة الطبيعية محدودة ويمكن حصرها بسهولة.

بعد أن توصلنا لأن السياسة علم بات السؤال الآن لماذا ندرس علم السياسة؟

إنَّ دراسة العلوم السياسية تقودنا لفهم الآتي:
أولًا: السلطة وتطورها وانتقالها، فلا نستطيع فهم الإنسان دون فهم السلطة وتأثيرها عليه.
ثانيًا: المجتمع، فعلم السياسة يقودنا لمعرفة كيف يُبنَى المجتمع وطبيعة الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي له.
ثالثًا: الايديولوجيات، فعلم السياسة يقودنا لمناقشة كيف تطور الفكر تجاه الفرد والمجتمع والدولة والعلاقات بينهم.
رابعًا: الدولة والحكومة، إذ إنَّ علم السياسة يقودنا لمعرفة كيف تؤثر وكيف تتأثَّر أي معرفة علاقات التأثُّر والتأثير بين الفرد والحكومة.
أخيرًا، ما يؤسفني في مجتمعاتنا هو أننا لا نعامل السياسة على أنها علم لذلك تجد من درس ومن لم يدرس ومن قرأ ومن لم يقرأ من كان له نشاط سياسي ومن لم يكن _ممن يعرف بِ “حزب الكنبة”_ يتحدَّث جميعهم في السياسة عن علم أو عن جهل، لأنها تمس واقعهم بل هي حياتهم اليومية.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد فاروق

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

اترك تعليقا