الكوكب المفقود

هل تصدّق أنّه في المجموعة الشمسيّة كان يوجد كوكب – غير الكواكب التي نعرفها- ثم انفجر! أم تعدّ ذلك ضربًا من الخيال العلمي!
دعونا نقرأ هذه القصة إذن.

في عام 1766م قدّم العالم جوهانس تيتوس فكرةً عن وجود علاقة رياضيّة في أبعاد كواكب المجموعة الشمسيّة عن الشمس (باعتبار الشمس النجم الوحيد الذي تدور حوله هذه الكواكب).
هذه العلاقة درسها العالم جوهان بود Bode (يترجم أحيانًا بوده) وقدّمها في عام 1772م على شكل متوالية حسابية حملت اسم (قاعدة تيتوس – بود)، ومضمونها ينص على “دعونا نفترض متوالية يمثل فيها كل عدد ضعف العدد الذي يسبقه ما عدا أول عددين منها، ولتكن هذه المتوالية:
0، 3، 6، 12، 24، 48، 96، 192، 384، 768
ولو أضفنا العدد 4 لكل أعداد المتوالية لصارت:
4، 7، 10، 16، 28، 52، 100، 196، 388، 772
لنعتبر العدد 10 يمثل المسافة بين الأرض والشمس، ولنحوّل الأعداد الأخرى كتناسب مع العدد 10 (وذلك بقسمة كل الأعداد عليه)؛ فتصبح الأعداد هكذا:
0.4، 0.7، 1، 1.6، 2.8، .25، 10، 19.6، 38.8 ، 77.2

سنجد الأعداد الناتجة تتقارب مع القيم الحقيقية للمسافات بين الكواكب والشمس مقدرة بالوحدة الفلكيّة AE وتعادل 149 مليون و598 ألف كيلومتر (وهي المسافة بين الأرض والشمس تقريبا)
كما يظهر في الجدول التالي:

الكوكب السيَّار

المسافة محسوبة بقاعدة تيتوس – بود المسافة الفعلية
عطارد 0.4 0.39
الزهرة 0.7 0.72
الأرض 1.0 1.00
المريخ 1.6 1.52
الكويكبات (2.8) ؟
المشتري 5.2 5.20
زحل 10.0 9.54
أورانوس 19.6 19.18
نبتون 38.8 30.60

بلوتو

77.2

39.30

لكن المسافة 2.8 لا يقابلها كوكب في المجموعة الشمسية.

البحث عن كوكب

ساور العلماء الشك أنّ هناك كوكبًا مفترضًا عند النقطة التي تقابل 2.8، ولكنّهم لم يرصدوه لضعف أجهزتهم آنذاك، لذا لم يتمكنوا من رؤيته.
فشكلوا عام 1800م في ألمانيا فريقا من العلماء أطلق عليهم اسم “الشرطة السماوية” يترأسهم العالم هايزشي وم اولرسي، وأخذوا يتفحصون السماء بأجهزتهم، فاكتشف العالم الايطالي جوزميبي بياتسي في الأول من يناير عام 1800م جسمًا سماويًا يغير من وضعه يوميًا ويتجه نحو المنطقة بين المرّيخ والمشتري، فأطلق عليه اسم (سيرس) وهو اسم آلهة الحصاد في موطن بياتسي في منطقة سيسيليا، وقد درس العالم الألماني كارل جاوس هذا الكويكب وتأكد أنه في نقطة 2.9 تمامًا، لكنه استبعده لكونه صغير جدا فقطره لا يتعدى 500 ميل.
لكن الاكتشافات بعد ذلك توالت، ففي عام 1802م اكتشف أولبرز كويكبا أصغر من سيرس سُمي (بالاس)، ثم بعد ذلك تم اكتشاف كويكب (جونو) عام 1804م، وكويكب (فيستا) عام 1807م، وتواصلت الاكتشافات حتى وصل عدد الكويكبات التي تمّ رصدها قرابة 2300 كويكب وكلّها أصغر من (سيرس).

إعلان

حل أولبرز

بعد اكتشاف أول أربعة كويكبات من هذه الكويكبات طرح العالم أولبرز فكرة مفادها أنّ هذه الكويكبات هي بقايا كوكب سيّار كان قد انفجر لأسباب مجهولة!
أُطلق على هذه الكوكب المفترَض اسم (فايتون) اعتمادًا على الميثولوجيا اليونانية – كما هو الحال مع أغلب مسمّيات كواكب المجموعة الشمسية – حيث أن (فايتون) هو ابن آلهة الشمس (هليوس) الذي أخذ عربة الشمس من والده وحينما اقترب من الأرض انقلبت العربة فاشتعل العالم بالنيران، فحكم عليه (زيوس)- كبير الآلهة – بأن يكون عبّارا على نهر (اريدانوس) في العالم السفلي حيث يدل الأرواح على طريقها هناك.
أمّا أسباب انفجار هذه الكوكب فيخمّن العلماء أنّها كارثة كونيّة نتيجة اصطدامه بنيزك هائل الحجم أو لحروب مخلوقاته التي امتلكت أسلحة متقدّمة أدّت إلى تفجير الكوكب بأكمله!
وأضافوا أنّ هذه المخلوقات قد زارت المريخ ومن بقي منهم هبط على الأرض أيضًا!
طبعا لست مع التفسير الأخير الذي اعتمد على الوجه الحجري الذي وجدوه في المريخ، فقد تبيّن أنّ هذه الوجه ما هو إلا وجه صخري عملت الجيولوجيا على نقشه.

ونسأل هل كان تفسير أولبرز صائبًا؟

بيّن علم الميكانيكا السماويّة أنّه إذا انفجر جسم يدور حول الشمس بهذه الطريقة، فإن أفلاك أجزائه تتقاطع في نقطة بالرغم من كونها مختلفة كليًا، وهذه المنطقة هي مركز الانفجار.

وكانت كويكبات (سيرس) و(بالاس) و(جونو) تتقاطع في نقطة واحدة، لكن الحسابات الفلكية بينت أن فلك (فستا) – أحد الكويكبات المكتشفة- لا يتقاطع مع غيره، وكذلك وجد العلماء أنّ لألوفٍ من الكويكبات أفلاكًا غير متقاطعة، ولذا ففكرة أولبرز لم تكن صائبة.
وتظل هذه الكويكبات مجرد أجرام سماوية مثل غيرها من الأجرام التي يمتلئ بها الكون الفسيح.
وأخيرًا كان أوّل من تنبّأ بوجود هذا الكوكب المفترض هو العالم يوهانس كبلر – صاحب القوانين الثلاثة المشهورة في حركة الكواكب- حيث قال: ” إنّي أضع كوكبًا بين المرّيخ والمشتري”.

***
 الهوامش :
 1/ اسحق عظيموف، العلم وآفاق المستقبل، ترجمة: د/السيد عطا (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995)، ص: 181.
 2/ برهان شاوي، موسوعة الفضاء والكون (أربد: دار الكندي للنشر والتوزيع، 2004)، ص: 32-34.
 3/ لين نيكلسون، استكشاف الكواكب، ترجمة: نيقولا شاهين (بيروت: معهد الانماء العلمي، 1983)، ص: 92-97.
 4/ وجه المريخ (موقع ملتقى طلاب جامعة دمشق- يوم 10 سبتمبر 2011)

إعلان

اترك تعليقا