اللحوم الحمراء: نقمة أم نعمة في مصر؟

لا أحد ينكر أنّ مصر من الدول المستوردة للحوم الحمراء والماشية من الخارج، بسبب عدم كفاية الإنتاج المحلي. ويُقدّر حجم الإنتاج المحلي لمصر في عام 2017 من اللحوم الحمراء حوالي 30% فقط بينما تستورد مصر 70% من اللحوم الحمراء من بعض الدول مثل أثيوبيا، والسودان، والبرازيل، والمجر وغيرها؛ لسد الفجوة الإنتاجية من اللحوم الحمراء.

وفي إطار سد الفجوة الغذائية من اللحوم الحمراء فى مصر. خرجت علينا الدولة المصرية بإعلان استراتيجية في التنمية الزراعية تمتد إلى عام 2030، أحد أهم محاورها هو زيادة الإنتاج الحيواني واللحوم الحمراء من 630 ألف طن إلى 1 مليون طن، وزيادة إنتاج الألبان من 5 مليون طن ليصبح 9.5 مليون طن بنهاية عام 2030.

وفي الحقيقة، عندما قرأت هذا الهراء عن تلك الزيادات الخيالية تذكرت أن تلك الأهداف لا يمكن إنجازها في ظل عدة حقائق علمية يجب أن توضع في الحسبان تعيق تحقيقها في السنوات القادمة وأغفلها معدّو الاستراتيجية، ومن أهمها أن مصر تعاني من محدودية الموارد المائية من نهر النيل، وعدم وجود الأمطار الغزيرة التي تشكل المراعي الطبيعية للماشية، أضف إلى ذلك الزيادة السنوية الرهيبة للسكان في مصر والتي تقدر بـ 2.5 مليون نسمة سنويًا. لكنني من وجهة نظري أعتقد أن استراتيجية مصر في زيادة الإنتاج الحيواني والألبان يغفل تمامًا قضية تأثيره الضار على التغير المناخي، خاصة مع الزيادة الملحوظة لدرجة الحرارة في مصر في السنوات الماضية فالمثبت علميًا أن هناك علاقة إيجابية بين إنتاج اللحوم الحمراء وزيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الكرة الأرضية.

وفى نفس الوقت يجب أن نلقي الضوء أيضًا على التغير المناخي وتأثيره المباشر والضار على صحة الماشية، وتفشي أمراض الماشية، مثل حمى الوادي المتصدع، بالإضافة إلى انخفاض إنتاجية الألبان ونمو الأبقار. ومن هذا المنطلق أعتقد أننا أمام استراتيجية مصرية للتنمية الزراعية مشكوك في مصداقيتها وصلاحيتها، وتحوي في نفس الوقت أهدافًا غير واقعية لزيادة الإنتاج الحيواني والألبان في مصر، وغير مجدية. وأيضًا في ظل غياب كل المقومات والأساسيات الضرورية لتحقيقها.

وهنا تثار عدة أسئلة هامة فى هذا الصدد، هل سنضحي بقضية التغير المناخي من أجل زيادة الإنتاج الحيواني؟ وهل ندرك الآثار السلبية لتربية الماشية حاليًا؟ وهل نحن على استعداد للاستغناء نهائيًا عن اللحوم الحمراء أو التقليل من تناولها فى مصر؟. و هل الشعب المصري يعي ويعلم أن قطعة واحدة من البيف برجر لا يتعدى وزنها 150 جرامًا يتناولها في سندوتش في أحد المطاعم تستهلك لكي تُنتَج حوالي 2450 لترًا من الماء؟، وأن إنتاج كيلوجرام واحد من اللحم البقري تستهلك حوالي 15000 لتر من الماء، وحوالي 25 كيلو جرامًا من الحبوب؟

إعلان

لك أن تتخيل عزيزى القارئ تلك الكمية الكبيرة من الماء والحبوب لإنتاج كيلو من اللحم في مصر وكم يتكلف!، فالجميع يعلم أننا مقبلون على أزمة كبيرة في الماء العذب بسبب الزيادة السكانية، وثبات الموارد المائية من النيل لمصر. فهل نستمر في تنفيذ استراتيجية للثروة الحيوانية محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، وهل يعتبر ذلك هدرًا للموارد المصرية إذا تم تطبيقها.

وأحب أن أنوه إلى أهوال تربية الماشية، والتلوث والنفايات الحيوانية الناتجة عن تربيتها، وأضرارها المناخية الضخمة على البيئة. وهو ما يجعل زيادة الثروة الحيوانية في استراتيجية التنمية الزراعية 2030 غير فعال إلى حد كبير، خاصة في ظل محدودية الإمكانيات الحالية، فالمثبت علميًا أن إنتاج اللحوم في العالم ينتج 14.5% من الانبعاثات الغازية الضارة المسببة للاحتباس الحراري على كوكب الأرض.

وعلى الرغم أن أغلبية المصريين لا يأكلون اللحوم الحمراء كثيرًا بسبب أسعارها العالية مقارنة بدخولهم المتدنية، إلا أن تخفيض استهلاك المنتجات الحيوانية لدى المصريين أمر ضروري واستبدالها ببروتين نباتي آخر ربما يكون أحد الحلول للتقليل من تربية الماشية في مصر، وخفض فاتورة الاستيراد من اللحوم.

شيء آخر وهو التقليل من استهلاك اللحوم الحمراء في مصر حتى ولو كان شعيرة دينية مثل عيد الأضحى، والذي يتم فيه إنفاق المليارات من الجنيهات من أجل ذبح الماشية. فدرء المفاسد مقدم على المنافع. وهو مايتطلب برنامجًا توعويًا عن الأثار الضارة لتربية الماشية، وصناعة اللحوم وآثارها على التغير المناخي، فأغلب المصريين لا يدركون أن تخفيض إنتاج اللحوم الحمراء وأن التقليل فى استخدام الأراضي المخصصة لتربية الماشية سيساعد كثيرًا في التوازن البيئي وخفض درجة الحرارة. وبما أن غذاء الحيوان محدود، وهناك ندرة في الماء العذب فى مصر، وعدم وجود أراضٍ صالحة للمراعي الطبيعية. فهل يجوز علميًا أن ننادي بزيادة الإنتاج الحيواني في مصر؟

إعلان

اترك تعليقا