بوم الليل وعصافير النهار .. قراءة في كتاب “لماذا ننام” (٢٠١٧)

النوم هو الركن الثالث بجوار الغذاء السليم وممارسة الرياضة لصحة الإنسان

أنا بومة من بوم الليل. يراوغني النوم كالعادة بشدة هذه الليلة. الساعة الآن الثالثة صباحًا وأنا مستلقٍ جاحظ العينين على سريري. ألعن المخدّات والألحفة والسرير. أسبّ أضواء أعمدة النور التي تتسلل من بين الفتحات الصغيرة في نافذتي فتصيب عينيّ بشظايا من نور.

لم يكن هذا إلا يومًا آخر من أيام معاناتي اليومية مع النوم خاصة في هذا الأسبوع الكئيب. داوم فيه النوم يوميًا على مخاصمتي بينما تقضّ مضجعي آلاف من المسؤوليات والمهام التي من المفترض أن أنهيها في هذا الأسبوع السابق لعيد الأضحى.  

كتاب يلقي نفسه بين يديك

تعثّرت في هذه الليلة أثناء تصفحي لمخزوني من الكتب على جهاز الكيندل بكتاب “لماذا ننام” من تأليف البروفسور ماثيو ووكر، أستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا. وأعترف أنني كنت آمل في المقام الأول إيجاد علاجٍ سريع فيه يحسّن من نوعية نومي خلال الأوقات العصيبة. وللأسف لم أجِد، لكنني تعلمت عددًا من النصائح المفيدة، واطلعت على مجموعة من الإحصائيات المرعبة والحكايات والدراسات الموثوق بها عن آثار الحرمان من النوم.

عرض الكتاب

يضمّ كتاب Why we sleep: the new science  of sleep and dreams الصادر في عام ٢٠١٧ أربعة أجزاء: الأول (٥ فصول) يحدثنا عن ماهو النوم. والثاني (٣ فصول) يتناول ضرورة النوم وأهميته، والثالث عن الأحلام وأسبابها، والرابع عن اضطرابات النوم.

وفيما يلي، استعراض سريع لأهم الخطوط العريضة التي تناولها الكتاب:

إعلان

أولاً: الساعة البيولوجية تحدد نمط النوم: بوم الليل أو عصافير النهار

لماذا يصير الصباح عسلاً في أعين عصافير النهار وعلقمًا بالنسبة لبوم الليل؟ الأمر كله يعتمد على ساعتك البيولوجية- أو ما يسمّونه بـ الإيقاع البيولوجي اليومي circadian rhythm – والتي ترقد في الأعماق بين طيات مخك. وتحدد هذه الساعة عملياتك الحيوية وحالات نشاطك وغفوتك وفقد لدورة مداها 24 ساعة يتبعها الجسم بغض النظر عن نوعية الساعات المنبهة التي توقظك صباحًا، أو أهمية المواعيد التي ترتبط بها مساءً.

إيقاعك الزمني البيولوجي circadian rhythm هو الذي يملي عليك رغبتك في النوم أو اليقظة، أو الأكل والشرب أحيانًا. وهو أيضًا مسؤول عن تقلباتك النفسية والعاطفية فضلاً عن معدل الأيض أو الحرق لديك. لكن هذا الإيقاع البيولوجي الزمني يختلف من شخص لآخر، ولهذا تجد قطاعًا كبيرًا من الناس يكرهون منبهات الصباح ويعانون من مشاكل صحية أكثر من القطاع الآخر.

يمثل الأشخاص الليليون أو بوم الليل  30٪ من البشر، هؤلاء الناس الذين يدفعهم إيقاعهم الزمني إلى النوم متأخرًا والاستيقاظ متأخرًا في صباح اليوم التالي. ولسوء حظ هؤلاء أنّ مجتمعاتنا تبدأ أعمالها صباحًا. المدرسة ومصالح العمل تبدأ صباحًا وتستمرّ حتى العصر في معظم الأحوال، وذلك في الوقت الذي تخبرهم فيه ساعاتهم الجسدية أنّ عليهم النوم الآن.

ويضطر بوم الليل إلى الالتزام بضوابط المجتمع فيذهبون إلى مدارسهم وأشغالهم صباحًا رغمًا عن سهرهم ليلاً، ومن ثم يعانون من الحرمان من النوم الكافي. ويزيد هذا من احتمالات تعرضهم لعدد من الأمراض مثل السكر والاكتئاب والسرطان.

ثانيًا: ما هو النوم؟

يوجد نوعان من النوم: الأول، نوم حركة العين غير السريعة NERM، والثاني، نوم حركة العين السريعة REM. وتستغرق دورة النوم ٩٠ دقيقة تبدأ بنوم حركة العين غير السريعة ثم تنتقل إلى مرحلة نوم حركة العين السريعة REM. ويتكون النوم المتوازن من ٨٠٪؜ من نوع الاول NERM و٢٠٪؜ من النوع الثاني.

يفترض أنه في مرحلة النوم الأول يتم التخلص من الذكريات القديمة غير الهامة ونقل المعلومات إلى مناطق الذاكرة طويلة الأجل، وفِي المرحلة الثانية تتم تقوية الروابط العصبية وخلق روابط جديدة.

طبيعة موجات النوم

عند تسجيل النوم باستخدام جهاز الرسم الكهربائي EEG، اتسم النوم من نوع NERM ببطء الموجات، والتي تنتشر من مقدمة الرأس إلى المنطقة الخلفية بالمخ. وتتسم مرحلة REM بسرعة الموجات للدرجة التي يصعب التمييز بينها وبين موجات المخ أثناء الاستيقاظ. والمميز الوحيد بينهما هي حالة ارتخاء العضلات أثناء النوم muscle atonia.

الأحلام

تحدث الأحلام خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة REM عندما تخفّ قبضة “المهاد ” thalamus في المخّ الذي يمنع أي مدركات حسية والتي تمثل محفزات الأحلام، على عكس مرحلة نوم حركة العين غير السريعة. وكان يُظنّ أنّ الأحلام تحدث عندما يبدو على الشخص أنّ عينيه تتحركان سريعًا أثناء نومة لكن تبين عدم صحة ذلك، فهذه الحركة مرتبطة فقط بإنشاء هذه المرحلة.

ثالثًا: التطور والنوم 

يفضّل بوم الليل وعصافير الصباح من الناس أوقات نوم مختلفة، ومن ثم تتمتع كل مجموعة بفترات عظمى من النشاط الحيوي على مدار اليوم كله. ويرجع ذاك إلى أسباب وراثية، كما أنّ التطور حبَّذ هذا التنوع لأنّ المزيج من البشر حسّن من قدرة المجتمع الإنساني على مواجهة المخاطر التي قد تداهم البشر ليلاً.

رابعًا: النوم عبر مراحل العمر المختلفة

١- الأجنّة

تقضي الأجنة fetuses معظم وقتها في حالة شبيهة بالنمو، ولأنه لم يتطور لديها بعد المركز العصبي المسؤول عن ارتخاء الأعصاب، نلاحظ حركة الجنين من لَكمٍ وركلٍ من فترة لأخرى. وكشفت الدراسات عن أنّ الأمهات اللاتي تتعاطين الخمور ينخفض لديهنّ زمن نوم حركة العين السريعة REM، كما أنّ الأطفال الذين يعانون من التوحد تنخفض لديهم نفس المرحلة بنسبة تتراوح بين ٣٠٪؜-٥٠٪؜.

٢- الأطفال

يكون نوم الأطفال الرضّع بشكل غير منتظم في البداية، ويبدأ في الانتظام اعتبارًا من الشهر الرابع. ومع زيادة العمر، ينخفض إجمالي ساعات النوم، وتقلّ مدة نوم حركة العين السريعة. وبعد اكتمال نمو التشابك العصبي للنوم REM، يبدأ النوم من نوع حركة العين غير السريعة NERM في لعب دور أكبر في نمو المخ.

٣-المراهقة

تتكوّن لدى المراهقين ساعة بيولوجية تميل للسهر ليلاً أكثر من الكبار، حيث يفضّلون السّهر ليلاً والاستيقاظ متأخرًا. ولا يمثل هذا نوعًا من العصيان لآبائهم كما نظنّ ولكنه ميل بيولوجي ربما نتج، كما يقول المؤلف، عن توجّه تطوريّ يساعد المراهقين في نيل الاستقلال عن آبائهم، والقيام بذلك بشكل جماعي.

٤-الكبار

تبدأ جودة النوم في التدهور مع أوائل الثلاثينيات خاصة في مرحلة النوم NERM، وفِي أواخر الأربعينيات يخسر الشخص حوالي ٧٠٪؜ من نومه العميق مقارنة بفترة المراهقة، وبحلول السبعينات يفقد ٩٠٪؜. ويؤدي هذا إلى تدهورٍ في القدرة على الاحتفاظ بالذاكرة عند كبار سن. ويميل  كبار السن اعتبارًا من الستين إلى النوم مبكرًا ربما بسبب حدوث تدهور في منتصف القشرة الأمامية للمخ التي تسبب النوم، وعودة الساعة البيولوجية للميل إلى النوم مبكرًا مثل السابق، فضلاً عن اضطرابات المثانة بهذا العمر. ويجب التنويه في هذا الشأن بخطأ المقولة بأن الكبار يحتاجون إلى نوم أقل، والحقيقة أنهم فقط عاجزون عن النوم.

خامسًا: الحرمان من النوم وأمراض الضغط والقلب

إذا كانت نصيحة الأطباء دومًا باتباع نظام صحي للتغذية، وممارسة الرياضة والنوم بوصفهم أعمدة الصحة، فإن المؤلف يرى أن النوم هو أساس بقية الأعمدة. وذلك على الوجه الخصوص بالنسبة لصحة القلب وأوعيته الدموية.

ففي الغرب، تنتشر أمراض القلب بشكل كبير جعل من تكلفة علاجه حملاً كبيرًا على ميزانيات الرعاية الصحية بتلك الدول. لكن العلاج الحقيقي أرخص بكثير، فكل ما يحتاجه الناس هو النوم. ففي دراسة نشرت عام 2011 فحصت حوالي 500 ألف شخص من دول مختلفة، وأعراق وأعمار مختلفة، تبين أن الحرمان من النوم أو نقص عدد ساعاته الكافية يرفع من مخاطر الإصابة بأمراض القلب أو الموت منه بنسبة 45٪.

وهناك دراسة أخرى تتبعت عدد من العاملين اليابانيين من الذكور على مدار 14 عام واكتشفت أنه عند مقارنة العمال الذين حصلوا على ساعات أكثر من النوم، بنظرائهم الذين ناموا 6 ساعات أو أقل، فإنّ الذين ناموا ساعات أقل كانت مخاطر إصابتهم بنوبات قلبية أعلى بنسبة 50٪. وحتى عندما نأخذ في اعتبارنا العوامل الأخرى التي تسبب أمراض القلب مثل التدخين والسمنة، فإنّ الرابطة بين الحرمان من النوم وأمراض القلب قوية.

إذًا لماذا يؤدي نقص ساعات النوم إلى مزيد من أمراض القلب؟ الأمر ببساطة مرتبط بضغط الدم. عندما لا تحصل على ما يكفيك من النوم يرتفع الدم في أوردتك. وبعد فترة من الوقت يلحق الضرر بجدران الأوعية الدموية. ويمكن للناس تجنب كل هذا فقط بساعات نوم وراحة أكثر.

سادسًا: النوم في عالم الحيوان

هل تعرف أنّ أسماك القرش لا تغلق عينيها أبدًا؟ لا تغلق هذه الوحوش أعينها فعلاً ليس لكونها لا تنام ولكن لأنها بلا جفون. والحقيقة أننا لم نكتشف بعد حيوانًا لا يحتاج إلى النوم. وعلى الرغم من أنّ الحاجة إلى النوم تشمل الجميع إلا أنّ مقدار النوم الكافي يتباين تباينًا كبيرًا.

تحتاج الأفيال، على سبيل المثال، نحو أربع ساعات تقريبًا من النوم يوميًا، بينما تحتاج القطط الأسود والنمور ثلاثة أضعاف هذه الكمية، أي حوالي 15 ساعة. ونحتاج نحن البشر، كما تعرفون، نحو 8 ساعات يوميًا. وربما صاحب الرقم القياسي في موضوع النوم هذا هو الخفاش البني الذي ينام 14 ساعة يوميًا.


لماذا تحتاج بعض الحيوانات ساعات نوم اكثر من غيرها؟ لم يتوصل العلم للإجابة محددة في هذا الشأن حتى الآن.

لا يحكم عادات النوم للحيوانات أحجامها أو نوعية طعامها. لا يهمّ على الإطلاق إن كانت ليلية (بوم الليل) أو نهارية (عصافير النهار). وحتى لا يمكن التعميم على حسب الرتبة. على سبيل المثال، السناجب والديجوس degus كلاهما ينتمي إلى الرتبة “القوارض rodentia ” لكن السنجاب يحتاج إلى 15 ساعة بينما يحتاج الثاني إلى 7 ساعات ونصف.

ولا تقتصر الغرابة على هذا فقط، فالحيوانات المختلفة تتمتع بأنواع من النوم مختلفة. على سبيل المثال، تظهر الأبحاث أنّ هناك صنفين class فقط من الحيوانات هي التي تتسم بنوم الحركة السريعة للعين REM: الثدييات والطيور. أثناء مرحلة النوم هذه، تحلم الثدييات والطيور، بل ويتخشب جسمها أثناء الحلم.  بينما لا تدخل الزواحف والأسماك والحشرات هذه المرحلة أبدًا.

وعلى مايبدو أنّ هناك استثناءً لهذه القاعدة، فالحيتان والدلافين والثدييات المائية الأخرى لا تمرّ هي أيضًا بمرحلة نوم الحركة السريعة للعين. وعلى ما يبدو أن هذا لتجنّب غرق هذه الحيوانات بسبب ردود الأفعال الجسمية العنيفة أثناء الحلم.

سابعًا: كيف نحسّن من نومنا؟ 

قدّم الكتاب في نهايته بعض اللتوصيات البسيطة التي يمكن الاستفادة بها لتحسين جودة نومك إذا كنت من بوم الليل، وهي:

١- النوم والاستيقاظ في نفس الأوقات كل يوم.
٢- تقليل الضوء قبل النوم. وتجنب مصابيح السرير على قدر الإمكان (أباجورة النوم). وجود الضوء الاصطناعي بشكل مستمر يؤخر من الإيقاع البيولوجي اليومي (الساعة البيولوجية) ..

٣- كشف الأيدي والأرجل عند النوم، وأخذ حمام ساخن قبل النوم.

٤- لا تشرب الكافيين على الإطلاق على الأقل بدءًا من فترة بعد الصبح.
5- لا تعتمد على الحبوب المنومة – فهذه مهدئات فقط تضعك في حالة التخدير أكثر من النوم.

الخلاصة

الإنترنت لا ينام، ولأن العالم بجميع ارتباطاته أصبح يشبه الإنترنت بأفراده الذين يرتبطون بـ هواتفهم وأجهزتهم اللوحية فلقد أصبح النوم في أعين الكثيرين نشاطًا مضيعًا للوقت ورثناه من الأزمنة التي تسبق العصر الرقمي الذي نحياه الآن.

لكن الحقيقة هي أن النوم يمثل ضرورة كبيرة لصحتنا وقدرتنا على الإنجاز، والحرمان منه له عواقبه الوخيمة الشخصية والاجتماعية على حياتنا. وإذا كان العالم الحديث أصبح أشدّ يقظة وأسرع إيقاعًا، فلازال البشر يحتاجون إلى النوم.

وإنني  لأنصح بشدة بقراءة هذا الكتاب الجميل سواء كنت من بوم الليل أو من عصافير النهار لزيادة الوعي بأهمية النوم الكافي.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سمير الشناوي

تدقيق لغوي: ضحى حمد

اترك تعليقا