بيولوجيًا.. هل تظلم أطفالك المستقبليين؟

إنّنا، إجمالًا، نُدرك أهمّية التغذية في حياتنا، والنظام الذي يجب أن نمشي عليه ونسيّر به أيامنا. لكن، منذ صِغَرنا، قمنا بتطبيق أفكار وأحكام أصبحت بعد ذلك عادات نقضي وقتنا بممارستها.

أطفالك المستقبليين

وقد نكون غيّرنا بعضًا منها، والبعضُ الآخر لا زلنا متمسّكين به، إضافةً لحالات عديدة نضطر فيها لكسر جزء من عاداتنا التي غيّرناها. فمثلًا، في بعض الحفلات التي تتبع ثقافة رفع معدّل السّكّريات في طعام طاولة الحفلة، يُستلزم منّا أحيانًا مواكبة “قواعد” الحفلة. من جهة أخرى، هناك فئة رغم علمها الكبير بضرورة مراقبة التغذية وأضرار العادات السيّئة. مثل التدخين وغيره، إلا أنها لا تزال مستمرة في تطبيقها، لذلك إن كنّا ننتمي لهذه الفئة فعلينا استدراك الأمر سريعًا. لأننا لن ندمّر أنفسنا فقط.، بل سندمّر أجيالًا قادمة من نسلنا وعائلاتنا.

فهل ذكّرتُك بشيء ما؟ قد يكون مقالنا مختلفًا قليلًا، لكنّنا هنا نتحدّث عن أنانيةٍ بَشِعة في استنفاذ الموارد الطبيعية. دون الاكتراث للأجيال القادمة، والتلاعب بالكوكب دون الأخذ بالحسبان أنّ تخريبه يعني تدمير صحّة الأجيال القادمة. وحتى تفهم معنى ذلك بأبسط الأمثلة، أدعوك لتتخيّل أنّ الهواء ملوّث جدًّا، ونسبة الأوكسيجين قليلة بسبب المصانع التي أنشأها الجيل السابق من أجل الرفاهية والمال.. ألن تشعر بالظلم بمجرّد تخيُّلك للحدث؟ أليس ظُلمًا وَجَب إبراز قانون قوي ضدّه؟

إنّ الأمر يُثقل الكاهل، لكنّك ستكون جِدّ ظالم لأطفالك المستقبليين لو لم تبتعد عن عاداتك السيّئة. وسيأتي البرهان البيولوجي ليؤكّد كلامنا وأنه ليس محض تسلسل أفكار وتشبيه وإنما أمور واقعية تحدث.

إعلان

متى تظلم الأمّ جنينها؟

فترة الحمل مرحلة مهمة من حياة الإنسان أو الفرد القادم إلى الوجود، لكنّ تواجده برحم أمّه يجعل تحكّمه بجسمه ضئيلًا جدًّا. وتبعًا لذلك، تقع المسؤولية الكاملة على الأم، ونحن مدركون لمدى صعوبة فترة الحمل والولادة بالنسبة إليها. لكن ماذا إن كانت أمًّا مدخّنة؟ سؤال فجائيّ أليس كذلك؟ لكنّ هذا الأمر شائع، فالنساء المدخّنات يجدنَ صعوبةً في إيقاف التدخين عند حدوث الحمل. استمرار التدخين أثناء فترة الحمل، يجعل المولود يحمل توريثًا لاجينيًا Epigenetic (غير مرتبط بالجينات)، ونقصد هنا أنه بفضل تدخين الأم فإنّ موادًا عديدة تمرّ للجنين عبر المشيمة تجعله يحصل على 6000 مكان ميثيلي بجينوم خلاياه مخلتفًا بذلك عن جينوم خلايا مواليد أمهاتٍ غير مدخّنات (يمكنك قراءة هذا المقال أو هذا اللذين يتوفّران على شرح صغير ومبسط عمليات توقيف أو تشغيل الجينات)، ما يجعل أطفال الأمهات المدخّنات يحملون تغييرات تشبه كثيرًا تلك التي يحملها المدخّنون البالغون، وللأسف، لوحظت عند الأطفال من عمر السبع سنوات.

أطفالك المستقبليينفلنعتبر أنّ الأم هي الجيل 0 ( ج0) والطفل هو (ج1)، للأسف فإن التأثير يستمر أحيانًا للجيل 2 حتى قبل ظهورهم، ولكن كيف؟
عندما تعاني الأم ج0 من نقص التغذية (نتيجة لظروف معينة للعائلة أو المحيط، أو لسبب قهريّ)، أو التغذية السيئة (عدم الوعي بالأغذية المطلوبة، وتنظيم الوجبات وتوفير المواد الأساسية) اللذين يؤشّران على عدم توفير العناصر الضرورية للجنين، يؤدي ذلك لتعرُّض الجنين ج1 وخلاياه الجروثومية/البذرية (التي ستصبح أمشاجًا تُنتج الجيل ج2) إلى ظروف مغايرة، بالأخصّ إن كانت هذه التغذية السلبية أثناء تشكُّل أعضاء الحمل مثل المشيمة، مما يجعل خلايا الإنجاب لدى ج1 تنتج خلفًا (ج2) يواجه صعوبات أثناء النموّ.

لو كنتِ أمًّا أو ستصبحين أمًّا يومًا ما، فأنتِ مسؤولة عن صحّة أبنائك في ثلاث مراحل؛ قبل الحمل، أثناء الحمل، وبعد الولادة. لكنّك لستِ المسؤول الوحيد، الأب أيضًا مسؤول.

نوجّه المقال لكَ أيضًا، فلو كنت أبًا الآن أو أبًا مستقبليًّا، عليك إدراك نوعية المسؤولية المختلفة التي ننصحك بفهمها واستيعابها، ثمّ البدء بالتفكير في تحمّلها، وهي مسؤولية تقع في مرحلة تسبق لحظة الإخصاب؛ ونقصد هنا حياتك وروتينك العاديّ.

ولكي نبرهن لك على ذلك، فقد تمّت مقارنة السائل المنوي لأشخاص بُدَناء وآخرين ذي بنية هزيلة، فلاحظوا أنّ هناك علامات جينية مختلفة عند أفراد النوع الأول، خصوصًا أنها متواجدة بقرب جينات متدخّلة في نموّ الدماغ، وأخرى في تنظيم الشهيّة، ووجبت الإشارة مجددًا إلى أنّ العلامات أو الجزيئات مثل الأسيتيل، والميثيل، تتحكّم بعمل الجينات سواء بتعطيلها أو تشغيلها، وذلك نسبيًا أو مطلَقًا حسب الأوامر الجينية واللاجينية. إذَن، هل تفكّر الآن بسبب وجود عائلات يتشارك أفرادها سِمَة البدانة؟

ولكي تنزع الشكّ في تأثير طريقة حياتك كرجل أو كامرأة في الأبناء المستقبليين، تجب عليك معرفة أنّ الدراسة استمرّت على ستّة أشخاص بدناء، قاموا بعمليّة تنحيف البطن، حيث أنهم بعد سَنَة من العملية، وبعد فقدانهم 30 كيلوغرامًا من وزنهم؛ لُوحظ أوّلًا أنّ عملياتهم البيولوجية (الأيض) تحسّنت بشكل كبير، والأهمّ أنه بعد مقارنة أمشاجهم، وُجِد أنّ العلامات الجينية في الجهات المراقِبة للشهية قد أعيد تشكيلها، حيث أنّ إعادة التشكيل هذه قد استهدفت الجين الذي يشفّر مستقبلًا يُسمّى الميلانوكورتين، الذي يُعَدّ مفتاحًا أساسيًا في تنظيم الشهية بين الجوع والشبع؛ فيمكنك تخيّل حدوث الإخصاب قبل التنحيف وبعده لتعلم فرْق السيناريوهات الكبير عند طفلين ولو حَمَلا نفس الجينات. وهذا يوجّه ذهنك إلى التفكير في العادات الكسليّة التي تجعل جسمك يكتسب ملايين الجزيئات الدّهنيّة (المولز Moles)، والحصول على جسم بدين وصحّة سيئة لك ولأبنائك. وكان هذا مثالًا واحدًا، بينما لا تزال هناك الكثير من العادات التي لها تأثير عميق على صحّة الخَلَف.

تجربة أخرى تزيدنا إدراكًا لذلك، حيث أنّ تقديم العلماء الإيثانول لذكور الفئران، يجعل العلامات الجينية بدماغ نسلهم متغيّرة عن الحالة العاديّة. وقد لا يحدث نفس التأثير مع الإنسان، لكنّه دليل على أنّ ما يتعرض له الذّكَر يؤثّر في نسله وخلَفه. هل تبيَّنَت صورة استخدام الفعل “يظلم” في زمن المضارع؟ لقد صار واضحًا أنّ أحداث الظلم تقع الآن لأطفال لم يأتِ زمان ظهورهم بعد.

ختامًا

نودّ الإشارة إلى أنّ هذا الموضوع واسع جدًّا، وقد بدأ العلماء بالاهتمام به كثيرًا نتيجة لملاحظاتهم منذ القدم. (من أبرز الملاحظات التي وقعت هي ملاحظة حالات العائلات اللتي تعرّضت للمجاعات في القرن الماضي). يجبرنا هذا على التفكير العميق في حياتنا؛ إذ أنّ أجزاءً مهمة من صحّتنا الآن، سواء الأجزاء السلبية أو الإيجابية. هي نتيجة لحياةِ والدينا وأجدادنا أيضًا (وهم أيضًا أثّر فيهم سلفهم) سواء قبل الإخصاب أو بعد. وهذا لفتُ انتباه لكوننا نحن أيضًا مسؤولين، بدرجة كبيرة، عن صحّة الأجيال القادمة.

المصادر:  1،2،3،4،5،6

إعلان

مصدر مصدر 1 مصدر 2 مصدر 3
فريق الإعداد

إعداد: عبد الرحمن وماسي

اترك تعليقا