حرب الأيام الستة (الأولى)

جرى العرف على تسمية حرب 1967 بحرب الأيام الستة، وفي قول آخر “النكسة”. تلك الحرب التي سمحت للعدو الإسرائيلي بهزيمة الجيوش العربية واحتلال كامل سيناء حتى خط الدفاع الثاني: “قناة السويس”… فشيّد على ضفاف قناتنا خط بارليف، الذى دمرته قواتنا عام 1973 بعد ملحمة العبور.

أما الذى قد لا يعلمه الكثير، أنّ مصر عاشت أحداث حرب “الأيام الستة” قبل هذا التاريخ بسنوات طويلة. وكانت تلك الحرب قد استمرت أيضًا ستة أيام، وتوقفت على ضفاف قناة السويس. وهاتان النقطتان هما فقط وجهَي الشبه مع حرب 67.

أما ظروف تلك الحرب الأولى، فكانت كما يلي:

كانت مصر رغم الاحتلال البريطاني منذ 1882 لا تزال خاضعة للسلطنة العثمانية وإمبراطرية الخلافة التي كانت تتهاوى تدريجيًا، رغم تدخلها في شئون بلادنا بصفتنا إحدى ولاياتها. وكانت “اتفاقية القسطنطينية” الخاصة بحرّيّة الملاحة في قناة السويس قد أُبرمت عام 1888 تحت رعاية الدولة العثمانية.

ومع استمرار الاحتلال البريطاني فى مصر، أصبحت قوات الاحتلال هي الحاكم الفعلي للبلاد، لدرجة خلع حاكمها إن لم تتفق سياسته مع إرادة المستعمر، دون أن تقدِر تركيا على الاعتراض.

إعلان

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وخاصة عندما أظهرت تركيا نيتها التحالف مع كل من ألمانيا وبروسيا والمجر، قامت بريطانيا بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني، ووضعت مصر تحت حمايتها بعيدًا عن النفوذ العثماني، وأعلنت قيام “سلطنة مصر”، ونصبت رجلًا كهلًا من الأسرة العلوية سلطانًا على مصر، السلطان حسين كامل، والذي لم يترك أي أثر على السياسة المصرية، ثم توفي بعد ذلك بعامين ليتولى ابن الخديوى إسماعيل السلطنة، فيصبح السلطان فؤاد الأول.

فى غمار الحرب العالمية الأولى، حاولت الدولة العثمانية استرجاع نفوذها فى الولايات السابق خضوعها لها. وقد تصوَّر الأتراك أن بإمكانهم اللعب على مشاعر المصريين لحثّهم على التخلص من المستعمر البريطاني لتعود هى كمحتلّ وحاكم أبديّ للبلاد باسم الخلافة الإسلامية. وإمعانًا في الضغط على بريطانيا، وبصفتها الراعي الرسمي لاتفاقية القسطنطينية، أعدّت العدّة لهجوم القوات التركية على مصر واحتلال قناة السويس وطرد الإنجليز من قواعدها الممتدة بطول القناة.

بدأت تركيا فى الاتصال ببعض المنظمات والأحزاب الوطنية المصرية عارضة دعمها لها للتخلص من الإنجليز. ولكن الأحزاب، وعلى رأسها الحزب الوطني، لم تقبل الاشتراك في تلك اللعبة، خاصة وأنّ فكرها السياسي قد تحول منذ زمن إلى ضرورة الاستقلال التام، بما في ذلك من السّلطنة العثمانية. كما أنّ بذور الفتنة الطائفية التي حاولت تركيا زرعها بين المسلمين والأقباط لم تنبت، بل بالعكس تمسّكت كلّ التيارات السياسية بمبادئ الوحدة الوطنية، التي أصبحت فيما بعد نواة لفكر ثورة 19 وتلاحم الهلال والصليب من أجل الاستقلال.

فى أواخر يناير من عام 1915، أرسلت تركيا قواتها المسلحة لتشنّ حربًا على الإنجليز في مصر لاحتلال قناة السويس. زحفت قواتها عبر سيناء حتى وصلت إلى قناة السويس. وهنا، تصدّت لها القوات التي كانت على ضفاف القناة تحت الراية البريطانية، وكانت معظمها من المصريين والهنود تحت قيادة بعض الضباط الأستراليين والنيوزلنديين. واستطاعت تلك القوات صدّ الهجوم التركي وإجباره على التراجع والانسحاب من سيناء بعد ستة أيام بالضبط. فكانت هذه هي حرب الأيام الستة الأولى.

وقد دخلت تفاصيلها فى كتب تاريخ الحرب العالمية الأولى. أما بريطانيا، فقد ضربت باتفاقية القسطنطينية عرض الحائط، وأصبحت تتحكم بمفردها في الملاحة في قناة السويس، ومنعت العديد من السفن (خاصة أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية) من المرور فى قناة السويس، وظلّ الحال كذلك، رغم محاولات حكومة الوفد فى مطلع الخمسينات، إلى أن تمّ التأميم فى 56.

كلمة أخيرة: الحقيقة أنني لا أعلم إن كان خبراؤنا العسكريون قد درسوا وقائع تلك المعارك التى دارت على أرض سيناء المصرية فى عام 1915، قبل أن يتوغلوا فى سيناء ويقحموا جيشنا فى معارك صعبة. على أيّ حال، دروس التاريخ متوفرة لمن يريد أن يبحث ويتعلم.

إعلان

اترك تعليقا