عبث الأقدار.. الإسقاط فى الرواية التاريخية

“إنْ هَزَأنا من القدَر، فسوف يهزأ منّا!”
_نجيب محفوظ عبث الأقدار

القدَر هو الفائز فى النهاية لا محالة، ومحاولاتنا المستميتة لتغيير وجهته لصالحنا سوف تبوء بالفشل، هذا إن لَم ندرك من البداية أنّ القدر دائمًا فى مصلحتنا وصفّنا، أو بمعنى آخر، يفعل الطيب والأفضل لنا.

جميعنا لدينا مآرب نسعى إليها بما أوتينا من قوة، وسوف نحارب من أجلها إذا لزم الأمر.

 “خوفو بن خنوم”

فرعون وصاحب الهرم الأكبر، وميرابو المعماري الفنان الذي جعل من الحجارة بناءً ضخمًا شهدت الدنيا له بالجمال والعظمة، وخوميني كاهن المعبود “بتاح” ربّ منف والصديق المقرب لخوفو الفرعون.

ددف بن مَن رع، من يكمن بداخله السر الذي سوف يحاربه ويسعى فرعون إلى التخلص من وجوده.

الساحر “ديدي” البالغ من العمر مائة وعشرة سنين، من سوف يظهر لدقائق معدودة فى القصة ويقلبها رأسًا على عقب.

إعلان

لتسأل نفسك سؤالًا بعد قراءة الفصل الأول: “هل يُغني الحذر عن القَدَر؟

لا تتعجل في الإجابة، واترك نفسك للقراءة.

قد يقول البعض أنّ أسلوب “نجيب محفوظ” في بداياته الأولى كان إسلوب كاتب مبتدئ، لكنّ الحبكة قوية والسرد أكثر من عبقري، وتلك الحالة التي يدخلك فيها نجيب محفوظ من أول حرف تقرأه لن تخرج منها إلَّا بعد أن تصل لآخر حرف فى الرواية!

“عبقريٌ، رغم أنها بداية”

اتخاذ بعض الكُتَّاب من الرواية التاريخية دربًا يسلكونه فى البداية، أمر شائع بين الكُتَّاب، وهو أيضًا ما فعله محفوظ مع عدد من الروايات فى بداياته، ليجعل منها الانطلاقة.

ورغم أنّ عبث الأقدار تعتبر من تلك الروايات المكتوبة في البداية الأدبية لـ نجيب محفوظ، إلَّا أنها على قدر كبير من العبقرية، ومكتوبة بحب شديد للقصة التاريخية، وسردها بسيط لن تشعر لحظة واحدة حين تقرأ بملل، بل سوف تشعر بالسعادة داخلك، ولغة العمل لغة بسيطة رغم أنّ اختيار اللغة للعمل التاريخي شيء صعب، إلَّا أن نجيب محفوظ عرف كيف يختار لغته في هذه الرواية مما جعلها تخرج في ثوب على قدرٍ كبير من الجمال والبساطة.

“عبث الأقدار”

اتفقت أو اختلفت مع العنوان بسبب فكر أو رؤية مختلفة لديك، أو معارضة تحت بند ديني مُعللًا أنّ العنوان لا يناسب! هي حريتك، لكن لا تفرضها على غيرك!

انساقت (الشروق) وغيّرت اسم الرواية من“عبث الأقدار” لـِ “عجائب الأقدار”، بسبب بعض الآراء، مع أنّ محتوى الرواية يؤكد أن لا مهرب من القدر مهما فعلت، ولتقرأ ولتحكم، وأتمنى أن تقرأ بالفعل، ولا تصدر أحكامًا مسبقة.

حكاية خوفو بن خنوم وابنه الأمير رعخعوف ولي العهد، وددف بن من رع، حكاية خالدة وكان ينبغي أن تسجّل فى رواية، وفعلها نجيب كما سوف يفعلها مع أحمس في “كفاح طيبة”.

“مَن الذي ينبغي أن تُبذل حياته لصاحبه؟ الشعب لفرعون أم فرعون للشعب!”

ذلك السؤال طرحه خوفو في الرواية على مجلسه، وأجاب عليه خوميني بحكمة وحذر!
لكن هذا السؤال ما زال يُسأل حتى الآن،  “مَن الذي ينبغي أن تُبذل حياته لصاحبه ؟ الشعب لفرعون أم فرعون للشعب!”
والإجابة التي كان ينبغي أن ينطلق بها لسان خوميني وينطلق بها لساننا، أن تُبذل حياة فرعون للشعب، لا حياة الشعب لفرعون، وبدل أن تُسخَّر حياة الشعب لمن يدير وطنه، الأولى أن يصبح الساكنون في أعلى الهرم خُدامًا لساكني أسفل الهرم وأسفل أسفل الهرم.

نحن من نصنع الفراعنة، وأيضًا من نمحي سيرتهم، ونجعلها كومة تراب ثم ننفخ فيها فتتناثر وتصبح مجرد ذرات لا حول لها ولا قوة.

لنأخذ هذه الرواية التى بين يدينا، ولنسقط ما فيها على حالنا هذه الأيام وسابق الأيام.

فعلها نجيب وكتب رواية تاريخية وأسقط ما فيها على زمنه، وزمننا.

هل نحن نتعلّم أم لا نتعلّم؟

“الجندي الذي يجهل الحكمة، كالحيوان الأمين ليس إلا”

نحن نجهل الحكمة، وهم يعملون على أن نبقى جاهلين بها، وجاهلين بكُلَّ ما يجعلنا نعلم!
“إنّ الصبر ملاذ الإنسان من القنوت ودرعه ضدّ الشدائد”
ما أكثر الشدائد التي مرت بنا، وما أكثر الفراعنة الذين مروا علينا، ما أكثر الجاهلين المتحكمين بنا، وما أكثرنا عوزًا إلى شخص لا يجلس على العرش ولا يتغير، أن تنتهي كلمة فرعون.
هل لنا الجنة بعد كُلَّ هذا الصبر؟

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمد حسن خليفة

اترك تعليقا