من علم النفس: تسعة دروس أساسية لفهم الحقبة الترامبية

يتناول هذا المقال الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الناحية النفسية والاجتماعية، ويقدّم توضيحًا للمنطق الدافع، الانحياز، الأخبار المزيّفة، نظريّات المؤامرة، وغيرها، والتي أمكن دراستها وتقديم الأمثلة عليها في ضوء “الحقبة” الترامبية لأنّها الأكثر تشوّشًا وتخبُّطًا؛ يتّضح فيها تلاطم الرأي العام والأرجحة النفسية التي يتعرّض لها الشارع الأمريكي -والعالمي إن صحّ القول- ولأنّ ترامب يمتلك سيطرة نافذة مكّنته من الهيمنة على أفكار الشعب الأمريكي وتغييرها في كثير من الأحيان. ونرى أهميّة نقل هذا المقال إلى العربيّة كونه خطوة لملاحظة ما تفعله الأحداث السياسية والأخبار المزيفّة والإعلام الكاذب في عقولنا.

-كَتَبه: بريان ريسنك 

– ترجَمَهُ للعربية فريق من عائلة المحطة: ضحى حمد، نور العليمي، محمد السيد، إيمان الحاج عيد  

في يناير عام 2017، عندما ادّعت شون برايسر Sean Spicer، السكرتيرة الصحفيّة للبيت الأبيض آنذاك، أنّ حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب كان الأكثر مشاهدة على مرّ التاريخ، كان ذلك بمثابة الإعلان عن حقبة سياسية جديدة مظلمة. ولمّا اتّضح الوضع السياسيّ أكثر، تكشّف انطواء حقبة ترامب السياسية المحافظة على القِبَلية والخوف وتصديع الإحساس بواقع مشترك.

أما أنا فقد قضيت وقتًا طويلًا خلال السنوات العديدة الماضية أعدّ تقاريرًا في علم النفس السياسي، وأسأل أهمّ خبراء السلوك البشري عمّا يحدث في الولايات المتحدة “بحقّ الجحيم”.. ولحسن الحظّ أنّنا، في بعض الأحيان، نجد إجابات لأسئلتنا الملحّة.

إعلان

وقد يزعجنا التفكير بأنّ قادتنا، والجماعات التي ننتمي إليها منذ ولدنا، والبروباغندا “echo-chamber” كلّها تستطيع استخراج أسوأ ما فينا من انحيازات نفسية. ويقول دومينيك بروسارد، باحث في الاتصالات من جامعة ويسكونسن ماديسون، أنّه “في نهاية المطاف، كلّنا بشر وكلّنا نستخدم نفس العمليّات السيكولوجية”. فإذا أخذنا هذا بالحسبان سنكون على أعتاب فهمِ ما تفعله الأحداث السياسية في عقولنا. ولنحذر، فما تفعله ليس جميلًا على الإطلاق.

قبل التفصيل، سأُفرد لكم هنا بعض الدّروس من علم الاجتماع، أعود إليها بين الفينة والأخرى فتساعدني على تفسير ما يحدث في أمريكا في حقبة ترامب هذه:

  • الانحياز لجماعة يغيّر إدراكنا للعالم
  • نستطيع أن نحصّن أنفسنا ضدّ الحقائق غير المريحة
  • قادة مثل ترامب سيمتلكون قوى استثنائية يستطيعون بها أرجحة الرأي العام
  • لا يتخذ الناس قراراتهم استنادًا إلى الحقائق في أغلب الأحيان
  • الخصوم السياسيون غالبًا ما يكونون سيئين للغاية في جدالاتهم
  • خوف العِرق الأبيض من أن يتمّ استبدالهم يسيطر عليهم بصورة لا تصدّق
  • من السّهل جدًّا شلّ الإحساس بالمعاناة المشتركة
  • تقتات الأخبار المزيّفة على انحيازاتنا، وسيكون من الصّعب القضاء عليها
  • قد تكون نظريّات المؤامرة متفشّية، إلا أنّها ليست إلا ردّ فعل على عالَم مظلم غامض.

1) المنطق الدافع: الانحياز لجماعة يغيّر إدراكنا للعالم

لقد تمّت تسمية علم النفس بالعلم الصّعب، هذا لأنّ العقل الإنسانيّ ينطوي على كثير من التناقضات الفوضويّة. حتى أفضل الباحثين سيتعرقلون بهذه التناقضات، وسيتطلّب منهم الأمر عقودًا من البحث لتكوين نظريّة نفسية، والتي من الممكن أن تُنقَض خلال أشهر قليلة بدليلٍ جديد. ورغم خلل علم النفس إلا أنه يبقى الأداة العلمية الأفضل بين أيدينا لفهم السلوك البشريّ.

الفكرة النفسية الرئيسة التي ننطلق منها لفهم السياسة هي “المنطق الدافع”. وتعني أنّ الانحياز لجماعة أو فريق ما سيؤثر في رؤيتك للواقع.

إنّ جماعاتنا التي ننتمي إليها هي عدساتنا لرؤية العالم من حولنا وتفسيره.

ماذا يفعل بنا الانتماء إلى جماعات معيّنة؟

في خمسينيات القرن العشرين، لاحظ علماء النفس أنّ مشجّعِي فريقَي كرة قدم خَلَصوا إلى استنتاجات مختلفة جدًّا حول الفريق الذي يستحقّ مخالفةً لِلَعِبِه الفظّ. فرغم أنّهم كانوا يشاهدون نفس اللقطات من المباراة، إلا أنّهم وكأنهم كانوا يشاهدون مبارتين مختلفتين.

وفي دراسة أكثر حداثة، عرض الباحثون على المتطوّعين فيديو لاحتجاجات قَمَعتها الشرطة. وقد قيل لبعض المتطوعين أنّ الاحتجاجات كانت ضدّ عمليّات الإجهاض، وقيل للبعض الآخر أنّها كانت لدعم حقوق المثليّة الجنسية. في حالة الاحتجاجات ضدّ الاضطهاد، اعتقد المتطوعون الذين يناصرون الإجهاض أنّ المتظاهرين كانوا فوضويّين. أما في الحالة الثانية، فقد عبّر الذين هم على مستوى عالٍ من مُثُل المساواة الإنسانية عن دعمهم للمحتجّين.

لقد شاهد المتطوعون نفس اللقطة! وكلّ ما تغيّر هو توضيح السّبب وراء هذه الاحتجاجات والجماعات التي ينتمي إليها المتطوّعون.

شيء واحد أساسيّ نعلمه بخصوص المنطق الدافع هو أنّنا بالغالب لا ندرك أنّنا ننصاع للانحياز. إذ أنّنا أسرع في ملاحظة المعلومات التي تؤكّد على ما نعلمه مسبقًا، الأمر الذي يُعمينا عن الحقائق التي تَنقضها.

ويمكن أن يؤدّي بنا انحيازنا إلى عقلنة العبث المنطقي! ومثال ذلك: اقتراح رئيس مجلس البحوث العائلي المحافظ على ترامب بأنه يجب أن يحصل على فرصة أخرى لعلاقته المزعومة مع ممثلة إباحية!

ولعلّ كوننا جزءًا من فريق يجعلنا أكثر عرضة لتذكّر والإيمان بقصص الأخبار المزيّفة. ففي دراسة عام 2013، كان الليبراليون يتذكرون (خطأً) أنّ الرئيس جورج دبليو بوش كان في إجازة مع أحد المشاهير خلال كارثة إعصار كاترينا في عام 2005. أمّا المحافظون فكانوا يذكرون أنّ الرئيس باراك أوباما قد صافح رئيس إيران (الأمر الذي لم يحدث).

عندما يتغيّر حال جماعاتنا ستتغير آراؤنا تبعًا لذلك؛ فعندما استطلعت “جالوب” آراء الأميركيين في الأسبوعين السابق والتالي للانتخابات الرئاسية، قَلَب الديمقراطيون والجمهوريون تصوّراتهم عن الاقتصاد، على الرغم من أنه لم يتغيّر شيء في الواقع بشأن الاقتصاد، وكلّ ما تغير هو الحزب الذي فاز. وبدت الاحتمالات الاقتصادية للبلاد -فجأة- أفضل بكثير بالنسبة للجمهوريين بمجرّد فوز مرشحهم.

لاحظ علماء النفس أنّه عندما يتم تصنيف مجموعة من الأشخاص عشوائيًا إلى جماعات “زرقاء” عشوائية وجماعات “حمراء” فإنّهم سيبدأون بالانحياز إلى الجماعات التي تصنّفوا بحسبها. فنحن معرّضون جدًّا لرؤية العالم: “نحن” مقابل “هُم”. لكنّ حقيقة أنّ تفضيلات مجموعتنا تتشكل بسرعة، يعني أنها تتغيّر بسهولة أيضًا: نبدأ في رؤية الأشخاص بشكل أكثر إيجابية إذا اعتبرناهم رفاقنا. فهذه عمليّات مرنة.

2) التقدّم التكنولوجيّ قد يعمل على تقوية جهاز المناعة الأيدولوجيّ ضدّ الأفكار الهدامة

قد يعجبك أيضًا

العقل البشريّ عبارة عن أداة ماهرة، نستخدمها في إرسال الصواريخ إلى القمر وفي اختراع أشياء رائعة كالبيتزا وأجهزة التكييف. لكن لماذا نصرّ على إبداء عدم مهارتنا في أغلب الأحيان؟

الافتراض الأول: نحن أصبحنا أكثر ذكاءًا لمقدرتنا على التعاون والعمل في مجموعات. وقمنا بتطويع هذه المهارات لعمل إنجازات عظيمة في العلوم والرياضيات. إلا أننا عندما نتعرض للضغوطات نوجّه كلّ إمكانات عقولنا لحماية المجموعة حيث ننتمي.

في ضوء هذا، يمكننا اعتبار أنّ الدوافع المنطقية لدفاعاتنا الشرسة عن المجموعة تتمثل في عملية التأقلم التي تساعد على ربطنا بالآخرين وبالتالي تساعد على بقائنا. كما أنها تعمل على جعل أفراد المجموعة يتشاركون واقعهم المشترك. وهذا يقودنا لتفضيل الناس الذين يمكن اعتبارهم “نحن”، وتجنب الناس الذين يمكن اعتبارهم “هم”.

يجبرنا هذا على تجنب الأفكار غير المعهودة والتي يمكن أن تؤذي مجموعاتنا. ويمكنك ملاحظة أنّ نظام المناعة هذا يعمل بالفعل في الوقت الراهن، كما أنّ علماء النفس يؤكدون ذلك.

في عام 2017 نُشرت تجربة في “جريدة علم النفس الاجتماعي التجريبي” حيث يتمّ إعطاء المشاركين خيارين. إما أن يقرأوا أحد وجهات النظر التي تتعلق بشيء يتفقون معه – كزواج المثليين مثلًا – أو يقرأون عن شيء لا يتفقون معه. إذا اختار المشاركون قراءة رأي يتفقون معه يدخلون السحب لكسب 7 دولار، وإذا اختاروا قراءة رأي لا يتفقون معه لديهم إذن الفرصة لكسب 10 دولارات.

وقد تعتقد أنّ الناس يريدون الفوز بمال أكثر، فالمال الكثير خير من القليل على كلّ حال.

ولكن.. لا. الأغلبية بنسبة حوالي 63% من المشاركين اختاروا بالفعل ما يتّفقون معه متخلّين عن الفوز بـ 10 دولارات. وتعقيبًا على هذا قال جيرمى فريمر، عالم النفس في جامعة وينيبيج، والذي قاد التجربة: “هم لا يعرفون ما تتضمنه وجهات النظر الأخرى، بل لا يريدون أن يعرفوا من الأساس”.

خلال تجربة أخرى، قام فريمر وعدد من الطلبة الجامعيين بإعطاء سؤال للمشاركين حيث يجب على كلّ مشارك إعطاء نسب لمدى اهتمامه بفهم وجهات النظر السياسية الأخرى مقارنة ببعض الأنشطة مثل “مشاهدة فلم”، “الجلوس الهادئ”، “الخروج في نزهة في يوم مشمس”، وأيضاً “خلع ضرس”.

النتائج: الاستماع إلى وجهات النظر السياسية الأخرى نال نفس درجة النفور التي ينالها خلع الأسنان.

هذه هي النقطة الرئيسية التي لا يضعها الجميع في الحسبان عند مناقشة “الأخبار المزيفة”. المشكلة أنّ الأنظمة الأيكولوجية لوسائل الإعلام أصبحت تتجنب ذكر الحقائق غير المتوافقة مع نظرتنا الخاصّة للعالم، وتبقينا على اتصال دائم بما نحبه، وهذا يؤدي إلى رفض أيّ فكرة قد تخالف وجهات نظر المجموعة التي ننتمى إليها، هذا ما يفعله جهازنا المناعيّ تمامًا؛ فهو يقاوم أيّ أشياء غريبة قد تدخل الجسم.

في عام 2017 قال جوناس كابلان، عالم النفس في جامعة كاليفورنيا: “إنّ مسؤولية العقل الرئيسة هي الاعتناء بالجسد، وحمايته، وإنّ طبيعة المرء النفسية عبارة عن امتداد لدماغه، فعندما نشعر بتعرضنا للهجوم، يقوم دماغنا بتسخير كلّ إمكاناته الدفاعية لحماية الجسد كله”.

وأخيرًا، هناك نقطة مهمه جدًا تجعل الناس يبتعدون عن الحقائق، وهي أنّ الناس لا يخافون من الحقائق نفسها، بل مما تقود إليه، وهذا يسمى “النفور من الحلّ”، وهو يفسّر سبب قلق مناصري حزب المحافظين بشأن الحلول الجديدة للأوضاع، حيث تتضمن هذه الحلول زيادة مراقبة الحكومة ووضع القواعد المنظّمة للأفراد وهو شيء مقلق.

وهذا يفسّر أيضًا سبب محاولة داعمي ترامب التشكيك في تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي بشأن التدخّل الروسي في الانتخابات. لأنّ الاستنتاج المحتمل لذلك هو أنّه تمّ التلاعب في انتخابات ترامب بواسطة كيانات خارجية، وهو شيء مقلق لهم جدًا أيضًا. 

3) القادة يحبّون كون دونالد ترامب يمتلك قوّة هائلة سيتطيع بها الهيمنة على الرأي العام

أسلفنا القول بأننا، لاإراديًا، نؤمن بما تؤمن به جماعاتنا. وفي عصر ترامب، طرأت تغيّرات مذهلة في الرأي العامّ تؤكّد هذا. ومن الجدير بالذكر أنّ الزيادة في عدد مؤيدي ترامب متزامنة مع بعض التغيّرات الملحوظة في عقول الجماهير.

في عام 2015، كان هناك حوالي 12% من الجماهير يمتلكون وجهات نظر مؤيدة للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. في فبراير 2017، وُجد أن 32% من الجماهير يحبونه. (هناك خوف متزايد أبداه البعض من كون شنّ روسيا حملة للتأثير في الانتخابات)

في 2014، وطبقًا لاستبيان يوجوف، 9% من الجماهير اعتبروا روسيا حليفة للولايات المتحدة. وفي أوائل 2018 أصبحت هذه النسبة 23%.

لطالما تساءل الباحثون: هل التغيرات الجذرية في الرأي العام تأتي من أعلى إلى أسفل: حيث يتبع الأعضاء ببساطة قادتهم في كلّ شيء؟ أم من أسفل إلى أعلى: حيث يحاول القادة التأثير في أيدولوجية الأعضاء؟ وفترة ترامب منحتنا دلائل جيدة بشأن مدى تأثير عبارة “اتبعوا القائد”.

في يناير2017، عالِمان سياسيان من جامعة بريغهام يونج قاما بتجربة ليعرفا جانبًا من عدة قضايا، كالهجرة والتجارة ورفض تحطيم روسيا. كانت لدى ترامب سياسات ثابتة. فتساءلا: هل إنّ مؤيدي ترامب سيتبعونه مهما كانت السياسة التي سيتبعها؟

وأجريت التجربة على 1300 شخص من الجماهير، وكانت بسيطة جدًا حيث يتم سؤال المشاركين عن تأييدهم أو رفضهم لعدة سياسات كالحدّ الأعلى للأجور، اتفاقية الطاقة النووية مع إيران، فحص الأشخاص حاملى الأسلحة، وهكذا.

ويتمّ الأمر بهذا الشكل:

أ- المجموعة الأولى:

  • “من فضلك اختر إذا ما كنت تؤيد الجملة التاليه أم لا”:

-زيادة متوسط الدخل لـ 10$ في الساعة. دونالد ترامب قال أنه يؤيد هذه السياسة. ماذا عنك؟ هل تؤيد هذا أم ترفضه؟

مؤيد

معارض

لا أعرف

ب- المجموعة الثانية:

لم يتم ذكر ترامب في البيان الخاص بهم. وكان هناك جانب ثالث للتجربة اختبر ماذا يحدث عندما يقال أنّ ترامب يؤيد سياسة المحافظين.

عندما كان يقال للمشاركين أنّ ترامب يؤيد سياسة الليبراليين، فإنّ مؤيدي ترامب كانوا أكثر ترحيبًا بتأييدها هم أيضًا. هم يتبعون قائدهم. وتعقيبًا على ذلك، قال جيرمي بوب -أحد القائمين على التجربة- ” ما تمّ استنتاجه من هذه التجربة أنّ متوسط جماهير أمريكا لن يوقفوا ترامب عن فعل ما يريد فعله”. فمثلًا لو أنّ ترامب يؤيد أحد سياسات الهجرة فإنّ مؤيّديه سيتبعونه بذلك. والتجارب السابقة التي أجريت على الليبرالييين وجدت نفس التأثير: فالليبراليون سيدعمون سياسات المحافظين لو تمّ إخبارهم أنّ قادتهم يدعمون سياسات المحافظين.

مع العلم أنّه عندما يتمّ تغيير توجّهات الناس بهذا الشكل فإنهم يكونون في الغالب غير مدركين لذلك!

نستخلص من كلّ هذا أنه وبالرغم من أنّ ترامب من أكثر رؤساء البلاد المكروهين إلا أنه يمتلك قدرة هائلة في التأثير على ملايين الآراء الداعمة له.

لكنّنا أيضًا لا يجب أن نبالغ في مدى التأثير على عقول مؤيدي ترامب، فهم لم يتمّ غسل أدمغتهم بالكامل أو أنّ قناعاتهم السابقة تبدّلت لمجرّد اتباع نزوات قائدهم. بل الحقيقة أنّ الجماهير حقًا لا يتعمّقون في فهم السياسات التي تُطبّق عليهم، فبدلًا من أن نسأل أنفسنا سؤالًا مثل: “ما رأيي في سياسة الضرائب؟” نسأل سؤالًا أكثر سهولة كـ “ما رأي القائد الذي أدعمه في سياسة الضرائب؟”

4) يستطيع المرء إدراك الحقائق غير المريحة ولكن من الصّعب أخذها بعين الاعتبار

إليكم الأخبار الجدية: نستيطع التأكد من صحة الحقائق قبل أن نؤمن بها. وإليكم الأخبار السيئة: نحن لا نعتمد على الحقائق عند اتخاذ قراراتنا.

لقد وجد العالِم السياسي برندان نيهان وزملاؤه أنّ مؤيدي ترامب كانوا على استعداد تامّ للاعتراف بتمكّن ترامب وقدرته على التلاعب بالحقائق، وعلى الرغم من إدراكهم لذلك، إلا أنّ ذلك لم يغيّر شعورهم تجاهه!

كما أوضح العالم دان كاهان -عالم النفس في جامعة يال- صعوبة تغيير السلوك والآراء رغم التأكد من صحة الحقائق، حيث أثبتت الدراسات أنه كلما كان المرء أكثر إحاطة بالأمور السياسية، كلما ازدداد عناده وثباته على آرائه.

كما يستخدم بعض الناس عقولهم في تضليل الآخرين بدلًا من استخدام ذكائهم للوصول للحقائق. ومن ناحية أخرى، كلنا نتعرض للكثير من الضغوط للارتقاء لمستوى توقعات جماعاتنا، وكلما زاد ذكاؤنا، كلما استطعنا استخدام قوة عقولنا لخدمة ذلك الغرض!

في ضوء هذه الدراسات سيقوم دي كاهان بمنح المشاركين أنواعًا مختلفة من المسائل الرياضية. فعندما تكون المشكلة خارج إطار السياسة، مثل محاولة اكتشاف فاعلية عقار ما، يميل الناس لاستخدام مهاراتهم الحسابية للوصول إلى نتيجة، ولكن حينما يحاولون تقييم شيء سياسيّ تصبح المعرفة الحسابية غير مهمّة على الإطلاق ويحلّ محلها استخدام القوة في هذا الموقف؛ لأنّ المعرفة الحسابية سوف تجبر المناصرين على الانحياز .

وأوضح كلين في ضوء أعمال كاهان

كلما كان الشخص أكثر ذكاءً، كلما حولته السياسة لشخص غبيّ، وهذا الأمر ليس مقتصرًا على المسائل السياسية فحسب، حيث وجد كاهان أنّ المواطنين أصحاب المعرفة العلمية الرفيعة يصبحون أكثر عنادًا عندما نسألهم عن تغيّر المناخ (أي أنّهم يكونون متمسّكين بآرائهم و بما يعرفونه دون أن يمنعوا التفكير به)، والمهمّ أنّ هذا النمط ثابت، فكلّما زادت المعلومات لدينا، كلما قمنا بتطويعها لخدمة أهدافنا السياسية.

وهناك نقطة أخرى انتهت عندها المناقشة وهي أنّ الاخبار الزائفة تكون مضللة حقًا، ولكنها لن تحدث ضررًا إذا كان لدى الناس معلومات سليمة وحقيقية متّفَق عليها من قبل الجميع.

5) من الصعب جدًا تغيير آراء المعارضين السياسين بمجرّد الجدال معهم

فلا يمكن معالجة الاختلاف عن طريق عرض فكرة مخالفة للرأي للآخر.

وقد قام الباحثون مؤخرًا في نيو بريتستن بأداء تجربةٍ دفعوا فيها بعيّنة كبيرة من الديمقراطيين ومشجّعي الحكومة ممن يستخدمون موقع تويتر لقراءة آراء كثيرة من الجانب الآخر (أي من الجانب المعارض لآراءهم وأفكارهم)، ولكنهم لم يجدوا أيّ دليل بأنّ احتكاك الجماعات ببعضها عبر السوشيال ميديا يقلّل من الاستقطاب السياسي. وأثناء تلك التجربة، أبدى مشجّعو الحكومة تحفظًا كبيرًا على مدار الاختبار، بينما زاد تمسّك الليبراليين بآراءهم و أفكارهم.

هناك نظرية تسمى بـ”الأسس الأخلاقية” يمكنها مساعدتنا للتعرف على أسباب الفشل الدائم في تغيير الآراء.

الأسس الاخلاقية هي عبارة عن فكرة تعني أنّ الناس لديهم أخلاق مستقرة ومستقيمة تؤثر على نظرتهم للعالم، وتشمل الأسسُ الأخلاقية الليبرالية على المساواة والعدالة وحماية الضعفاء. فالأسس الأخلاقية تحافظ على التمسّك بالولاء داخل الجماعة وعلى انتشارالنقاء الأخلاقي واحترام السطلة. وتفسّر الأسس الأخلاقية سبب تلقّي الرسائل التي تسلط الضوء على المساواة والعدالة صدىً لدى الليبراليين وسبب تلقّي المزيد من الرسائل الوطنية مثل”اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” لكسب بعض القلوب المتحفظة.

يقدّم الليبراليون حججًا لا تنتهي، ونقاشًا مستمرًا حول وجوب السيطرة على انتشار السلاح، راغبين بحماية الضعفاء والقضاء على الظلم (فيقولون مثلًا: من غير الصّواب أن يعيش معظم الأمريكيين في خوف من عنف السلاح). بينما يرسي المحافظون قضيتهم في حقّ تقرير المصير، فيقولون مثلًا بأنّ لكلّ فرد الحقّ في أن يحظى بحماية شخصية خاصة به.

الأمر هو أننا في الغالب لا ندرك أنّ للآخرين أسسًا أخلاقية تختلف عن أسسنا، فعندما ننخرط في نقاشات سياسية نميل جميعًا للمبالغة في قوة الأسباب التي نجدها مقنعة شخصيًا، ونعتقد بطريقة خاطئة أنّ الجانب اللآخر سوف يتأثر.

في دراسة لعلماء النفس:

قام روب وبلر وماثيو، شارك فيها ما يقرب من 200 من المحافظين والليبراليين، حيث قام كلّ منهم بكتابة مقال لتغيير آراء خصمه السياسي نحو قبول الزواج من المثليين أو جعل اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية في الولايات المتحدة. وقد قام 9% فقط من الليبراليين بتقديم نقاشات تعكس المبادئ الأخلاقية، وارتكب ما نسبته 8% من المشاركين نفس الخطأ في تشجيع النقاشات قد أعطتهم فرصة أكبر لإقناع الليبراليين، برغم أنه من الصعب تقبل آراء وأفكار شخص معارض.

خلاصة القول: أنّه من الجيّد أن تكون متعاطفًا ومتحمسًا عندما تتجادل مع شخص أخر.

6) خوف العرق الأبيض من استبدالهم يعد حافزًا قويًا.

لم يخجل القوميون البيض في شهر أغسطس الماضي عندما كانوا يسيرون في مدينة شارلوتسفيل، فيرجينيا هاتِفين “لن تستبدلونا” وأيضًا “اليهود لن يستبدلونا”.

وفي ظاهر الأمر، أن خوفهم – من أن يتم استبدالهم – يعد أمرًا سخيفًا. حيث أنّ العرق البيض -الرجال الأكثر بياضًا على وجه التحديد- يعدّون الطبقة السياسية والاقتصادية المهيمنة من الأمريكان منذ قبل تأسيس هذه البلاد.

ويعزى هذا الشعور إلى شهر نيسان من عام 2017، عندما وجد فريق من علماء النفس نموذجًا لدراسةٍ استقصائية على الانترنت لـ 447 شخصًا عرّفوا عن أنفسهم بأنهم جماعة اليمين المتطرف قادهم -النموذج- إلى سلسلة من أسئلة الاستقصاء النفسية. ثم قاموا بمقارنة جماعة اليمين المتطرف بنموذج لدراسة استقصائية على الانترنت لـ382 شخصًا ليسوا من جماعتهم.

وقد كشفت الدراسة أنّ جماعة اليمين المتطرف في قلق شديد من بلوغهم موقفًا ضعيفًا، مقارنة بالعينة المدروسة. حيث أنهم في خوف من أن يتمّ تشريدهم بسبب ازدياد أعداد المهاجرين والدخلاء على هذه المدينة. فهم يرون أنفسهم كضحايا محتملين.

إنه لمن السهل التفكير بأنّ هذه المخاوف هي أمر مقيت ومحصور فقط بمجموعات محددة. ولكنها توجد أيضًا وعلى مستوى أقل، ضمن الفئة الغالبة من الناس والذين قد لا يعتبرون أنفسهم عنصريين.

قد أصبحت المخاوف من الدخلاء ومخاوف الاستبدال والبغض العنصري محرضًا سياسيًا قويًا، فقد أدلى واحد وأربعون بالمئة من جيل الألفية من ذوي العرق الأبيض بأصواتهم لصالح ترامب، وفي هذه الفئة، وجد علماء سياسيون أنّ خوف العرق الأبيض من أن يتمّ تشريدهم من أجل أجناس أخرى هو أمر شائع. وقد وضّح أخصائيو العلوم السياسية ماثيو فاولر وفلاديمير انردكي مدنيكا وكاثي جاي كوهين نتائجهم في الصحيفة الأمريكية واشنطن بوست: “إنّ جيل الألفية الأبيض الذين سُجّلت لهم درجات عالية في سلّم قياس ضعف العرق الأبيض، كانت احتمالية تصويتهم لصالح ترامب أكثر بنسبة 74% من أولئك الذين في أسفل السلّم”.

وبناء على التجارب، فإنه عندما يتمّ تذكير المشاركين المحايدين أنّ الأمريكيين سيؤولون إلى أقلّيّة خلال بضعة عقود، تبدأ لديهم مشاعر الكراهية تجاه القوميات والأجناس الأخرى، وقد أظهرت إحدى التجارب أنّ تذكير العرق الأبيض بهذا الأمر سيؤدي إلى زيادة الدعم للرئيس الأمريكي ترامب.

وقالت الباحثة الاجتماعية في التحيز العرقي والتي أنجزت جزءًا كبيرًا من هذا البحث، جينيفر ريتشيسون: “إنّ الناس الذين يجدون أنفسهم غير متحيّزين “وليبراليين” يظهرون آثار هذه المخاطر”.

وتقول مورين كريج، التي تعاونت مع ريتشيسون : “عندما يسمع الناس عن تزايد أعداد فئة معينة، يبدأ لديهم شعور يُعرف بالتنافس العقيم بين هذه الفئات”. فعندما يسمع الناس بنشأة فئة معينة، يظهر لديهم تلقائيًا خوف من تناقص أعداد فئتهم. حتى أنّ هذا يحدث أيضًا لدى الناس ذوي النوايا الحسنة.

إنّ هذا لا يعني أنّ كلّ العرق الأبيض متحيّزون وعنصريّون، وإنما يعني أنّ خوفهم جميعًا يعدّ هدفًا سهلًا للغاية بأيدي رجال السياسة. فهم يخافون دون أيّ تفكير، حيث أنّ خوفهم هو السبب وراء كل أفعالهم ويدفعهم لتصديق الشخص الذي سيقول لهم أنه سيقضي على جميع مخاوفهم.

هناك أيضًا هذه الحقيقة وهي أنّ “الإعلام السلبي والمخيف غالبًا ما يكون أكثر ثباتًا وخلودًا في الذاكرة من الإعلام البنّاء”. وتوضّح صحيفة تعود لعام 2012 أنهم يبالغون في الاعتقاد بأن الاشخاص الذين لا يعجبونهم يشكلون تهديدًا لهم . حيث أُجري اختبار بسيط  طُلب فيه من المشاركين بتقدير المسافة المستقيمة الواقعة بين مدينة نيويورك وحتى المكسيك. فقدّر المشاركون الذين يحملون  البغضاء تجاه المهاجرين المكسيكيين بأنّ المكسيك أقرب بآلاف الأميال لمدينة نيويورك من أولئك الذين شعروا بتهديد أقلّ. فتبيّن أنّ خصومهم يبدون أقرب إليهم في عقولهم مما هم عليه في الواقع، فإن شعر الناس أنّ الجدار بين المدن آمن، فسيختفي هذا التأثير.

إنّ السياسيين المحنّكين يعلمون أنّ هذا الخوف يعد أمرًا محفزًا، وإنّ صيغة الخطابات هي التي تشعله. إنه لمن الصعب إلقاء اللوم على الناس بسبب مخاوفهم، فهناك تلك الأفكار التي تعمل كجدران حدودية وتهدّئ قليلًا من مخاوفهم.. هذه هي الطبيعة البشرية. ولكن بإمكانكم إلقاء اللوم على رجال السياسة الذين يتغذون على هذه الطبيعة البشرية.

7) سرعة تجرّد الإنسان من مشاعره تجاه معاناة الآخرين مثيرة للصّدمة

ربما تعتقد أنه في كل مرة نشهد فيها حدثًا لمقتل ناتج عن إطلاق الرصاص أو يتمّ تذكيرنا بأنّ هناك الملايين من اللاجئين والأشخاص المشرّدين حول العالم، سوف تثار في نفوسنا مشاعر التعاطف والحزن الشديد. ولكن لا، إنه من الطبيعي أن نفقد الإحساس مع مرور الوقت.

هناك مفهوم عميق ومثير للغضب في علم النفس، قد يساعد على تفسير الزيادة في فقدان الأحاسيس مع مرور الزمن. وهو أنّ: كلّما ازدادت أعداد ضحايا مأساة ما، كلّما قلّ صدق تعاطفنا واستعدادنا للقيام بشيء.

إنّ هذه النزعة تعرف بـ الخدران النفسي؛ وهو يوضّح كيف تتحول المآسي إلى أفكار تجريدية في عقولنا، وكيف أنّ هذه الأفكار التجريدية تضعف ويتم تجاهلها بكل سهولة. وقد قال عالم النفس والخبير في العلوم السلوكية في جامعة أويغون، بول سلوفيك، في مقابلة له: “ليس هناك قيمة ثابتة للحياة الانسانية”، وأضاف: “إنّ قيمة الحياة الواحدة تتناقص مقابل مأساة أكبر”.

وفي تجربة أخرى، وجد سلوفيك أنه من غير المرجح أن يعمل المشاركون لصالح 4.500 حياة في مخيم لاجئين إن كان هذا المخيم يحتوي على 250.000 نسمة مما لو كان يحتوي على 11.000 نسمة. وما يثير الغضب هو أنّ حياة 4.500 شخص ينبغي أن تكون مهمة كما لو كانت في أي مكان أو ظرف آخر.

ويوضح سلوفيك:

“إنّ نظام الأحاسيس لدينا لا يمكنه إضافة شيء، وليس بإمكانه أن يضاعف، فهو لا يعالج الأرقام بشكل جيّد”.

لذلك ليس من المدهش أن يقوم ستة أمريكيون من أصل عشرة بدعم قرار حظر السفر؛ ويتضمن ذلك حظر اللاجئين من الدخول إلى الولايات الأمريكية، وأنّ العديد من النواب لا يهمّهم حرمان عشرات الملايين من التأمين الصحّي. وأنّ العالم قد وقف متفرجًا على وفاة الملايين في الحروب والإبادة الجماعية في دارفور، وأننا لم نتصدَّ كدولة واحدة لانتشار الوباء الأفيوني، الذي قتل 33.000 شخصًا في عام 2015.

إنّه من غير المدهش أن يقوم القادة السياسيون بغض الطرف عن اللاجئين، او ازدياد قسوتهم عندما يتعلق الأمر بمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، والذين قدموا إلى الولايات المتحدة كالأطفال.

8) الأخبار الوهمية تتغذى على تحيزاتنا العنصرية – وسيكون من الصعب القضاء عليها.

الخداع، ونظريات المؤامرة، والأخبار المصطنعة، ليست أمورًا جديدة في تاريخ البشرية، ولكن اليوم، وبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر هذه الأمور بسرعة مثيرة للقلق، مع عواقب مروعة.

إنّ الأخبار المصطنعة تعدّ أمرًا خطيرًا لأنها تتغذى على العنصرية، وتقول باحثة الاتصالات في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، ميريام ميتزجر: “إنّ الإعلام المزيّف يعدّ أمرًا مثاليًا لسرعة انتشار الأخبار، حيث أنّ هذا الأمر سيكون صادمًا، ومفاجئًا، وسيلعب بشكل رئيسي في مشاعر الناس، وهي تعدّ وصفة عن كيفية نشر معلومات مضللة”.

ولقد شهدنا قصصًا اخبارية زائفة -وانتشار شائعات بسرعة مخيفة على وسائل التواصل الاجتماعي- غالبًا ما كانت تفوق معدّل الحقيقة، بعد فواجع إطلاق النار في مدرسة ثانوية في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا، أو تفجيرات ماراثون بوسطن التي حدثت في عام 2013.

وقد نشرت مجلة العلوم مؤخّرًا دراسة تثبت حقيقة المشاعر “على الأقلّ تلك التي تتعلق بانتشار المعلومات المضللة على تويتر“. فحلّلت الدراسة ملايين التغريدات التي تمّ إرسالها بين العامين 2016 و2017، وتوصّلت إلى نتيجة مريعة، وهي

“أنّ الأكاذيب تنتشر بشكل أبعد وأسرع وأعمق، وعلى نطاق أوسع بعض النظر عن نوع المعلومات”.

وقد وجدت أيضًا أنّ

“الأخبار السياسية الكاذبة كانت ذات آثار أكثر وضوحًا على الناس من الأخبار التي تخصّ الإرهاب، والكوارث الطبيعية، والعلوم، والأساطير الشعبية أو حتى الإعلام المالي”.

ولكنّ الأهم من ذلك، هو ما تكشفه الدراسة عن السبب وراء هذا الزخم من القصص الإخبارية الكاذبة. حيث أنها ليست حسابات التويتر ذات ملايين المتابعين وليست الروبوتات الروسية التي صُمّمت لنشر المعلومات المضللة بشكل تلقائي، بل هم مستخدمو تويتر العاديون مع القليل من متابعيهم.. فمن المحتمل أنهم يقومون بنشر بعض الأخبار الزائفة مع أصدقائهم، ربما لهدف معين. فغالبًا ما تكون القصص الزائفة مفاجئة أكثر من القصص الحقيقية.

ولكن الأمر المحبط، هو أنّ الفيديوهات الموصى بها على اليوتيوب أو الأخبار المستجدة في الفيس بوك أو أخبار جوجل، غالبًا ما تروّج قصصًا زائفة “ربما لأننا نجد شيئًا من الجاذبية في هذا النوع من الأخبار”.

ولكن في كلّ مرة، يصادف فيها القرّاء إحدى هذه القصص على الفيس بوك أو جوجل، أو في أي مكان آخر، وتعطيهم انطباعًا خفيًا، حتى تصبح أمرًا مألوفًا في كل مرة يتم قراءتها، مما يجعل هذه الألفة تلقي بوهم الحقيقة. وقد أطلق علماء النفس على هذا الأمر اسم تأثير الحقيقة الوهمية: كلما تكررت الكذبة، كلما ازداد احتمال تصديقها.

9) قد تكون نظريات المؤامرة متفشية – ولكنها تعتبر ردّ فعل معيّن لعالم ذو جانب مظلم وغامض

من المرجّح أنّ أكثر العواقب غموضًا في عصرنا الغريب هذا، الذي يتصدى فيه علم النفس البشري للتحيّز السياسي المفرط وانتشار وسائل الاعلام التي تعتمد على الخوارزميات الاجتماعية، هو أنه كيف يمكن لنظريات المؤامرة –التي غالبًا ما تكون قاسية ومدمرة – أن يتمّ تداولها بكلّ سهولة.

بعد فترة وجيزة من حادثة إطلاق النار في المدرسة الثانوية في مدينة باركلاند والتي خلّفت سبعة عشر وفاة. كان الفيديو الأكثر تداولًا على اليوتيوب مبنيًا على كذبة. حيث يدّعي الفيديو أنّ أحد الناجين من حادثة إطلاق النار في باركلاند، ذي السبعة عشر عامًا ديفيد هوج، والذي أصبح مؤيدًا مقنعًا ومتعاطفًا مع الرقابة على الأسلحة، ويقوم بمقابلات إخبارية على التلفاز – هو مجرّد ممثل.

إنّ الألم الذي تتسبب به نظريات المؤامرة قد يكون وخيمًا، فعلى سبيل المثال، ما يزال أهالي الأطفال القتلى بحادثة إطلاق النار في المدرسة الابتدائية ساندي هوك، متهمون، حتى يومنا هذا، بأنهم قاموا باختلاق الأمر بأكمله.. “ربما في ذلك حياة أطفالهم”.

وكذلك العذاب الذي ذاقته عائلة سيث ريتش، عضو اللجنة الديمقراطية الوطنية الذي قُتل في محاولة لعملية سطو واضحة في عام 2016. فعلى الرّغم من عدم وجود أي أدلة ،قام رجال نظريات المؤامرة وكبار المحافظين بإشعال شائعات تقول إنّ عملية اغتيال ريتش كانت مدبّرة من قبل حملة كلينتون الرئاسية.

ونشر والدا ريتش في صحيفة واشنطن بوست:

” لقد تحولت وفاة سيث إلى لعبة كرة قدم سياسية، ففي كلّ يوم نستيقظ على عناوين جديدة للصحف، وأكاذيب وأخطاء وقائعية، وأناس جدد يتقربون منا للاستفادة مما تركه سيث”.

ويمكن القول أنّ ترامب -الذي عزز على مدى السنين نظرية المؤامرة التي تقول أنّ الرئيس السابق باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة الأمريكية – يزيد النار اشتعالًا. وقد أخبرتني عالمة النفس آشلي لاندرم، والتي درست في جامعة تكساس للتكنولوجيا: “إنّ الإعلام قد فقد شرعيته في محاولة ترامب لمكافحة وسائل الإعلام، وخلق بيئة تكون فيها نظرية المؤامرة أمرًا طبيعيًا”. وتوضّح لاندرم أن نظريات المؤامرة تعدّ نوعًا من الاستدلال المدفوع. فمن المحتمل أنّ نظريات المؤامرة بعد حادثة إطلاق النار في باركلاند والتي كان فيها الناجون المراهقون مجرد ممثلين، قد أضعفت من رسالتهم القوية في مكافحة الأسلحة.

ولكن هناك أيضًا طريقة أكثر تعاطفًا في النظر إلى أصحاب نظريات المؤامرة. فقد أخبرني في العام الماضي عالم النفس الذي درس نظريات المؤامرة، جان ويليم فان برويخين: “هي تعدّ آلية دفاع عن النفس لدى الناس”. حيث تشكّل هذه النظريات أداة للشعور بالمزيد من السيطرة والعثور على تفسيرات في عالم مخيف ومضطرب.

وقد وجد عالم النفس فان برويخين، أنّ الناس الذين يشعرون بالعجز والتشاؤم، هم أكثر قابلية لتصديق نظريات المؤامرة. وهنا يمكن أن يساعد التعليم والتوعية. حيث أنّ تحقيق مستويات أعلى من التعليم يرتبط بالشعور بالأمان حول العالم، وهذا بدوره قد يساهم في الحماية ضد العقلية التآمرية.

إنّ فكرة قتل الأطفال في المدراس أمر مروّع. فلمَ نرفض اللجوء إلى نظرية تؤكّد أنها لم تكن في غاية السوء بعد كلّ ما حدث؟

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا