فيتامين د: فيتامينٌ زائف لمرضٍ زائف !

(بتصرف عن مقال تيم سبيكتور، أستاذ علم الأوبئة الجينية في جامعة كينجز كوليدج في لندن؛ والمنشور في دورية The Conversation في 30 أوغسطس الفائت)

فيتامين د. فيتامين الشمس، من منّا لم يتم تشخيصه بنقصٍ فيه استوجب تعاطيه مكملات منه؟

الجميع واقعٌ في عشق هذا الفيتامين السحري. حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قالتا أن الأدلة ساحقة على الفوائد الصحية لفيتامين د، وأن على الجميع تناول المكملات الغذائية منه لمدة ستة أشهر في السنة على الأقل. وعليه، فإن نصف السكان في الدولتين يتناولون مكملات فيتامين د.

ابتدأ استخدام فيتامين د كمكمل منذ العهد الفيكتوري لعلاج كُساح الأطفال في المناطق الفقيرة. ويستخدم حاليًا بشكل روتيني في علاج ترقق العظام. إضافة إلى أنه تم ربطه بخفض الإصابة بالمئات من الأمراض، مثل الاكتئاب وحتى أنواع السرطان المختلفة.

نشرت دورية البحوث الطبية البريطانية British Medical Journal نتائج أكبر دراسة إكلينيكية (1) جرت إلى الآن حول فوائد فيتامين د في الوقاية من الكسور. تمت الدراسة على 500 ألف شخص من عدة دول، واستخدم فيها الباحثون طريقة بحث تسمى “العشوائية المندلية” (2) -Mendelian Randomization-  لتفادي الانحيازات التي يمكن أن تحدث في دراسات المراقبة.

وكانت النتائج مفاجِئة. حيث أظهرت عدم وجود أية علاقة بين مستويات فيتامين د على مدى العمر، وخطر الإصابة بالكسور. وهو ما يناقض وجهة النظر الأخيرة للحكومة البريطانية، لكنه يدعم مجموعة سابقة من الدراسات الطبية (3) جرت في 2014 وقامت بتحليل 31 اختبارًا لمكملات فيتامين د، ولم يتم إيجاد تأثير له على أيٍ من أنواع الكسور. وكذلك ما بينته دراسة حديثة (4) أجريت في 2017، أنه بتحليل 33 دراسة عشوائية لأكثر من 50 ألف شخص من المتقدمين في العمر تبين أن المكملات الغذائية من الكالسيوم أو فيتامين د، لم يكن لها أي أثر على حوادث الكسور. ولم يظهر لها أي فائدة تذكر على قوة العضلات أو قابلية الحركة.

فمن أين جاء اعتقادنا بفوائد فيتامين د؟

يقول سبيكتور أن ذلك أعتمد غالبًا على دراسات تمت على مكملات الفيتامينات التي استخدمت في دور الرعاية في ثمانينات القرن الماضي، والتي لم تخضع للتكرار البحثي وشابت غالبيتها عيوب بحثية.

إعلان

إذن ما الداعي للاهتمام الحاصل بنقصٍ الفيتامين لدى الأشخاص؟

يعتبر نقص فيتامين د وباءً حديثًا. فمثلًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن خُمس السكان لديهم مستوىً متدنٍ من الفيتامين (في منطقة الشرق الأوسط ووفق إحصائية (5) المؤسسة الدولية لترقق العظام (IOF) جرت في 2011، فإن انتشار نقص فيتامين د في المنطقة يتراوح بين 50‏-90 بالمئة).

هل هناك اتفاقٌ على النسبة المقبولة من فيتامين د في الدم؟

لا يوجد اتفاق عالمي على ذلك. وسبب الارتباك الحاصل، كما يقول سبيكتور، هو استخدام وحدات مختلفة لقياس فيتامين د في الدم (نانومول/لتر أو نانوجرام/مليلتر). فبينما تفاوتت النسبة المقبولة من مركب 25-هيدروكسي فيتامين د المعبرة عن الفيتامين في الدم، في الولايات المتحدة بين 50-80 نانومول/لتر. إلا أن دراسات حديثة (6) بينت أن نسبة 30 نانومول/لتر كافية تمامًا. وهذا يعني أن ملايين تم اعتبارهم مرضى وبحاجة لإعطائهم مكملات فيتامين د بلا داعٍ (over-medicalisation).

ما الضرر من تناول المكملات؟

بينما يظن معظم الناس أن المكملات الغذائية من الكالسيوم أو الفيتامين د آمنة، إلا أن هناك دراسات (7) أظهرت أن مكملات الكالسيوم ليست فقط غير فاعلة لمنع الكسور، بل إنها أيضًا قد تتسبب في أمراض القلب. كذلك فإن فيتامين د هو من الفيتامينات التي تذوب في الدهون. ولذلك فإن الجرعات العالية منه يمكن أن تتراكم في الجسم. ورغم أن الجرعة اليومية التي يوصى بها هي جرعة معتدلة (400 وحدة دولية IU) إلا أن البعض قد يتجاوزها عند تناول مصادر طعام تحوي الفيتامين. والأخطر هو أن الكثيرين يقومون بشراء مكملات الفيتامين د ذات الجرعات العالية (4.000- 20.000 وحدة دولية).

ويقول الدكتور سبيكتور أن العديد من المرضى الذين يزورون عيادته لديهم مستويات عالية جدًا من الفيتامين في الدم (فوق 100 نانومول/لتر). وهي جرعات ذات سُمية. وبينت دراسات عشوائية (8) على مرضى ذوي مستويات مرتفعة من الفيتامين د أو يتعاطون جرعات عالية منه (فوق 800 وحده دولية). أنه كانت لديهم احتمالية مرتفعة للسقوط والكسور. لذا، فليس صحيحًا أن مكملات فيتامين د آمنة.

ويضيف كاتب المقال، أنه لا يمكن أن نوصي بإعطاء مكملات فيتامين د لعلاج حالات مرضية أخرى. حيث أنه كان يعتقد بقدرتها على منع أمراض القلب والشرايين، لكن تبين أن معظم الدراسات التي تمت حول فائدة الفيتامين د لعلاج 137 مرضًا، ائفة.

دواءٌ سحري لمرضٍ كاذب!

يقول سبيكتور أنه يبدو أننا قمنا بخلق مرضٍ كاذبٍ آخر بتشجيعٍ من شركات الفيتامينات، والمجموعات المعنية بالمرضى، وإدارات الصحة العامة، والجمعيات الخيرية. الجميع يحلم بالدواء السحري الذي يعالج كل الأمراض.

الخلاصة: يمكن للأشخاص الأصحاء الحصول على حاجتهم من الفيتامين د من خلال التعرض للشمس يوميًا وتناول الغذاء المحتوي عليه كالأسماك والزيوت والألبان والمشروم. ويمكننا الوثوق بأن آلاف السنين من التطور جعلت أجسامنا قادرة على التعامل مع انخفاض إنتاجه في الجلد أثناء أشهر الشتاء.

مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4
مصدر 5
مصدر 6
مصدر7
مصدر 8

إعلان

مصدر مصدر
فريق الإعداد

إعداد: رائدة فضه

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

اترك تعليقا