مراجعة فيلم أسوار Fences

كيف تعامل الواقع الأمريكي مع العائلات السوداء

اقتبِس فيلم أسوار fences عن مسرحية لأوجست ويلسون، والتي انتهى من كتابتها قبل وفاة المؤلِّف بقليل، الممثل الأمريكي الشهير “دينزل واشنطن”، أخرج الفيلم وكان أمينًا بنقل عاطفة المسرحية وخطوطها الدرامية العديدة والمتقاطعة، و لكنه استطاع في نهاية الفيلم توظيف السينما لحبك القصة.

إنَّ جميع شخوص المسرحية أو الرواية من الأمريكيين االذين هم من أصل افريقي. وتحكي صعود بطلها “تروي” من ريف ألاباما لأسرة مزارع ريفية من أحد شقيق، يختلف الابن تروي مع والده فيخرج من البيت وعمره أربعة عشر سنة، ليبدأ حياة السرقة والإجرام وينتهي به الحال بجريمة قتل في مدينة موبيل بألاباما. وعندما يخرج من السجن يلتقي بصديق حياته “بونو” وينتقل معه إلى بيتسبرج بفيلادلفيا .

هناك يعمل الاثنان كجامعي قمامة في الفترة الزمنية بعد الحرب العالمة الثانية مباشرة، يتزوج تروي من “روز” وينجب ابنه الثاني “كوري” من علاقة قبل السجن، ويكافح تروي من أجل الحياة في مدن أمريكا وشمالها الشرقي الأقل عنصرية من الجنوب، و لكن الحياة قاسية، فيستعين الفقراء السود بالكنيسة للبقاء على الجانب المضيء من الحياة و لزراعة الأمل في نفوسهم.

يصطدم تروي مع ولديه، الأكبر ذو الـ 34 عامًا والذي يريد أن يصبح موسيقيًا ويعيش على الكفاف، أما الثاني كوري دو فيبلغ من العمر 7 أعوام فيريد أن يلعب كرة القدم الأمريكية لفريق الجامعة بمنحة، يتذكَّر الوالد أنَّه كان موهوبًا جدًّا في البيسبول ولكن العنصرية في أمريكا منعت الفرق من توظيف لاعبين ملونين. ولذلك يمنع تروي ولده من ترك وظيفته بعد المدرسة والالتحاق بفريقِ كرةِ القدم الأمريكية فيتصاعد الصدام بين الأب وابنه مما أدى إلى رحيل الابن.

يكافح تروي العنصرية والفصل العنصري بالإستعانة بنقابة العمَّال والشكاوى ليترقى إلى سائق سيارة جمع القمامة، ويصارح زوجته بأنَّه ينتظر مولودًا من عشيقته، رغم أنَّه يسلِّم مرتبه بالكامل لزوجته روز! تدور الأحداث الدرامية بعنفٍ وتنقطع صلة الزواج بين تروي وروز ، وتموت ألبيرتا عشيقته، فتربِّي روز ابنة زوجها اليتيمة “رينال”. وأما عن شقيق تروي “جيب” فهو معاق ذهنيًا نتيجة لإصابة في الحرب العالمية الثانية فيضطر تروي لإدخاله مصحة نفسية.

إعلان

يمكن اعتبار دينزل واشنطن مخرجًا عملاقًا إلى جانب تجسيده شخصية “تروي” بجدارة واستحقاق. وبالاضافة إلى ذلك فإنَّ أداء الممثلة الأمريكية السوداء “فيولا دافيس” مذهل وقوي حتى أنَّها نالت عدة جوائز لأدائها، وقد نالت أوسكار أحسن ممثلة عام 2016 لدورها بالفيلم.

 

ويتقاطع فيلم أسوار (fences) مع تنامي حركة الحقوق المدنية في الخمسينيات ونرى عرض صور جون كينيدي ومارتن لوثر كينج في مطبخ روز.

ويعد العمل السينمائي المُعَنْوَن بـ اللون الأرجواني (The color Purple) -في اعتقادنا- للمخرج ستيفن سبيلبج في 1985 علامةً تاريخية لدراما تحكي عن الأمريكيين من أصل أفريقي في نهاية القرن التاسع عشر في الريف الأمريكي و الجنوب، أما أفلام المخرج والممثِّل “سبايك لي” للدراما الأمريكية للسود في مدن الولايات المتحدة المعاصرة خاصة في نيويورك.

و لكن فيلم أسوار (fences) من إخراج وبطولة دينزل واشنطن هو علامة مميَّزة في تناولِ الواقعِ الأمريكي للعائلات السوداء وتطلُّعاتها للخروج من الإرث الصعب للعبودية و العنصرية والتفرقة (segregation)، وتقاطع صراعات القيم والثورة والصراع الطبقي بشفافيةٍ وحساسية نادرة.

ويميل النصف الأوَّل من العمل للحوار المسرحي وبطئ الإيقاع نوعًا ما، غير أنَّ النصف الثاني منه قد تحرَّك سينمائيًا وانتهى بإصابة كل أهدافه، حيث يعدَّ هذا الفيلم دراما واقعية فاتنة تبعث الأمل، وتزكِّي تضحيات الناس العاديين من أجل الارتقاء ليس فقط اجتماعيًا ولكن الأهم روحيًا.

مساهمة شريف العصفوري

إعلان

اترك تعليقا