هل نترك الألعاب الجماعية ونهتم بالألعاب الفردية؟

نظرة في التاريخ والواقع المصري

شعر الكثير من المصريين بمشاعر الإحباط واليأس بعد هزيمة مصر في كأس العالم بروسيا 2018 م. وفي المقابل كان في مدينة طراغونة الأسبانية انتصارات البعثة المصرية، تمثّلت في حصول مصر على المركز الخامس بواقع 18 ميدالية ذهبية و11 فضية و16 برونزية بإجمالي 45 ميدالية. ولنا هنا سؤال: هل أداء اللاعبين المصريين في الفِرَق الفردية أفضل من الفرق الجماعية؟

تاريخ مصر في الألعاب الفردية:

تحتلّ مصر المركز السابع في تاريخ المشاركات في دورة البحر الأبيض المتوسط حتى عام 2009 م بواقع 533 ميدالية؛ منها 135 ذهبية و126 فضية و183 برونزية. وتُعتبر رياضة رفع الأثقال هي الرياضة الأكثر حصولاً على الذهبيات بـ 42 ميدالية ذهبية ثم الملاكمة 24 ثم المصارعة 16.
وبالنسبة للأوليمبياد نجد أنّ مجموع الميداليات الأوليمبية المصرية على مدار التاريخ لا يتناسب مع حجم ومكانة مصر، فقد حصلت على 31 ميدالية أوليمبية فيها 7 ذهب و10 فضة و14 برونز. وجميعها ألعاب فردية ويمثل النصيب الأكبر منها رفع الأثقال والمصارعة.

أبطال من ذهب:

خضر التوني (1916 – 1956 م)

حاز على ذهبية رفع الأثقال رجال وزن متوسط عام 1936 م في برلين. يعتبر خضر التوني من أعظم أبطال رفع الأثقال وتصدّر اسمه سجلّات أبطال العالم لمدة 48 عامًا، وهي القائمة التي يُصدرها الاتحاد الدولي لرفع الأثقال سنويًا. عندما شاهد هتلر خضر أعجب به بشدة وطلب لقاءه في المقصورة الرئيسية وصافحه وقال له كم كنت أتمنى أن تكون ألمانيًا وأريد أن تعتبر ألمانيا وطنك. ومن الطريف أنّ الاتحاد الدولي لرفع الأثقال لم يعترف بأرقام التوني التي حققها قبل دورة 1936 م ظنًا منه أنّ هناك خطأً في البيانات التي أُرسلت إليه فلم يصدّقوا أنّ هناك رباع في وزن المتوسط قد رفع هذه الأثقال. وقد ذاعت شهرة التوني في العالم كله وأطلقت عليه الصحف العالمية ألقاب “بطل أبطال رفع الأثقال” و”أقوى رجل في العالم” و”البطل الذي لايقهر”. وقد أُطلق اسم خضر التوني على أحد شوارع القرية الأوليمبية في ميونيخ تكريمًا واعترافًا بإنجازاته. وقد توفي عام 1958 م صعقًا بالكهرباء وهو يحاول إصلاح الإضاءة في غرفة أبنائه ليواصلوا مراجعة دروسهم.

خضر التوني

بطل التجديف علي إبراهيم

يعتبر أكثر الرياضيين تعرضًا للإهمال. ولمن لا يعرفه فهو لاعب تجديف حصل على الميدالية الفضية في بطولة العالم للتجديف مرتين بالإضافة لفضيّة البحر المتوسط. كما حصل على البطولة الإفريقية والعربية عدة مرات. انضمّ للمنتخب الوطني عام 1988 م، ومنذ ذلك التاريخ وحتى أوليمبياد بكين 2008 م حقق خلالها إنجازات عالمية ودولية وأوليمبية لم تتحقّق من قبل في تاريخ اللعبة وألحقها بالركب العالمي والأوليمبي. ونجح في وضع مصر على الخريطة الدولية للّعبة وأسقط العديد من الأبطال العالميين والأوليمبيين في مياه أوروبا. توفّي عن عمر يناهز 36 عامًا عندما صدمته سيارة في طريق صلاح سالم عام 2010 م ولم يسمع عنه أحد.

 

علي إبراهيم

محمد علي رشوان

يعرفه الكثير من المصريين واليابانيين وهو الحائز على الميدالية الفضية عام 1948 م في لوس أنجيلوس. وسبب شهرته يعود إلى موقفه الأخلاقي في البطولة والاهتمام الياباني بهذا الموقف الذي يتجدّد كل أوليمبياد عندما رفض استغلال إصابة خصمه الياباني للفوز عليه.
ونجد أسماء أخرى مثل كرم جابر، لاعب المصارعة الحائز على ذهبية أثينا 2004 م وفضية بكين 2006 م وزن 90 كجم، ورانيا علوان وأبو هيف وغيرهم من الأبطال المصريين المميزين في الألعاب الفردية.

إعلان

فهل هذا دليل على تفوقنا في الألعاب الفردية مقارنة بالألعاب الجماعية؟؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نبحث عن بطولات لفِرَق جماعية.

منتخب اليد المصري:

حصل منتخب اليد المصري على المركز السادس في بطولتَي العالم في أيسلندا عام 1995 م واليابان 1997 م. وأفضل النتائج التي حصل عليها كانت المركز الرابع عام 2001 م في فرنسا. وحصل على المركز السادس كأفضل النتائج في دورة الألعاب الأوليمبية وكان ذلك عام 1996 م في مدينة أتلانتا وعام 2008 م في بكين. وحصل على بطولة أفريقيا 6 مرات وعلى المركز الثاني 6 مرات وعلى المركز الأول في ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2013 م وحصل على المركز الأول 6 مرات في دورة الألعاب العربية.

هوكي الشرقية:

حصل هوكي الشرقية على 23 بطولة أفريقية من إجمالي 27 بطولة. وحقق الرقم القياسي بموسوعة جينيس في حصد البطولات بعد فوزه ب 47 بطولة هوكي منها 23 أفريقية و19 بطولة دوري ممتاز و6 كأس مصر. وجاء ذلك في خطاب رسمي من موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

كرة القدم:

نجد أنّ وتيرة المنتخب المصري لكرة القدم ليست واحدة. فبالرغم من النتائج السيئة للمنتخب في كأس العالم إلا أننا نجد أنّ مصر حصلت 7 مرات على كأس الأمم الأفريقية محققةً بعض الأرقام القياسية، كما حدث في كأس الأمم الأفريقية عام 2010 م عندما فاز على منتخب غانا حيث لعب 19 مباراة على التوالي دون تلقّي أيّة هزيمة، وكان الرقم المسجّل باسم المنتخب الكاميروني برصيد 14 مباراة. كما حقّقت مصر رقمًا قياسيًا آخر وهو الفوز في تسعة مباريات متتالية، وكان الرّقم السابق سُجّل باسم المنتخب الكاميروني أيضًا برصيد 5 انتصارات. كما حقّق المنتخب المصري الفوز بلقب الأمم الأفريقية ثلاثة مرات متتالية آخرها عام 2010 م، ولم يسبق لأي منتخب أفريقي آخر تحقيقها. وفي هذه البطولة فاز المنتخب المصري على منتخب نيجيريا والكاميرون وغانا في النهائي وهي أقوى المنتخبات الإفريقية على الإطلاق. وفي كأس القارات 2009 م، أدّى المنتخب المصري مباراة قوية أمام البرازيل بنتيجة ¾ لصالح الفريق البرازيلي بعد عرض قويّ قبل الخسارة في الوقت بدل الضائع وهذا جعل المنتخب المصري هو الوحيد الذي أحرز ثلاثة أهداف في مرمى البرازيل في مباراة واحدة في فترة تدريب دونجا. وفي المباراة الثانية فازت مصر على بطل العالم آنذاك، المنتخب الإيطالي، بهدف تاريخيّ أحرزه محمد حمص. ويعتبر هذا الفوز هو الأول لمنتخب أفريقي على منتخب إيطاليا الأول. كما اعتلى منتخب مصر الفرق العربية والأفريقية وكان في المركز التاسع عالميًا بعد أن أحرز لقب بطولة كأس الأمم الأفريقية 2010 بأنجولا.

منتخب مصر لكرة القدم 2010

الاسكواش:

تُصنّف الاسكواش بأنها لعبة فردية وجماعية. وتصنف جماعية اعتمادًا على نظام الاشتراك في البطولات بشكل عام وبسبب طريقة إدارة اللعبة في مصر. لمصر تاريخ قديم مشرّف في الاسكواش ويعتبر الاسكواش حالة خاصة وسط الألعاب الفردية المصرية.. فتعال لنتعرف عن السبب.

يقول عاصم خليفة، رئيس الاتحاد المصري للاسكواش، بأنّ الاستعمار البريطاني في مصر كان سببًا رئيسًا في انتشار اللعبة بهذا الشكل. وأقرّ بأنّ الاسكواش ليست اللعبة الشعبية في مصر لِما تحتاجه من تكاليف كبيرة نسبيًا. ويقول أحمد طاهر، لاعب الاسكواش في الثمانينات وعضو مجلس إدارة اتحاد الاسكواش المصري السابق، أنّ سبب الهيمنة المصرية على اللعبة تعود للتواصل بين الأجيال بداية من عمرة بك -الديبلوماسي المصري الذي استطاع إحراز بطولة العالم 6 مرات متتالية في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات ليفتح بابًا واسعًا لمزيد من الإنجازات المصرية في اللعبة. كما نعرف أنّ من أسباب انتشار اللعبة هو اهتمام الرئيس السابق محمد حسني مبارك بها. حيث بدأت بطولة الأهرام الدولية عام 1996 م، وحرص الرئيس المخلوع على إقامة هذه البطولة بشكل مستمرّ والترويج للعبة من خلالها. والجدير بالذكر أنّ البعثة المصرية المشارِكة في هذا العام 2018 م في بطولة انجلترا المفتوحة للناشئين والناشئات قد حصدت 4 ألقاب فقط، وتعدّ هذه المشاركة الأسوأ في مصر.

بعد الاستعراض السابق يتضح أنّ المشكلة في مصر ليست في نوع اللعبة؛ هل هي فردية أو جماعية، فلنا نتائج جيدة في الألعاب الفردية والجماعية على حدٍّ سواء. وكما وجدنا أنّ لكلّ لعبة ظروفها وأسباب تقدمها أو انحسارها. وسنجد أنّ التميز الرياضي في مصر سواءً للألعاب الفردية أو الجماعية تميّز لحظيّ وغير مستمر. فيوجد أبطال مميزون ولكن لا يوجد نظام مميز يستفيد من الخبرات والمهارات الكبيرة، مثل كرم جابر وعلي إبراهيم وغيرهم، ويحافظ عليهم وينقل خبراتهم للأجيال اللاحقة. ومن مساوئ الرياضة عمومًا في مصر أنها تعتمد على أفراد أو جيل معين ولا تعتمد على العلم أو الدراسة كما في دول العالم الأول والثاني. وهذا بالرغم أنه لا أحد يعتقد اليوم أنّ الرياضة مجهود بدني أو نشاط عضلي فقط، بل أصبحت الرياضة اليوم علمًا وصناعة واستثمارًا كبيرًا، وتطوّر الأداء الرياضي يعتمد بشكل كبير على الاستفادة من تطبيقات مجموعة من العلوم الحركية والعلوم النفسية. فنجد أرقامًا قياسية تتحطم وأداء قوي خارق للعادة. وتعتمد على علوم تطبيقية مثل الفيزياء والبيولوجي والفسيولوجي والهستولوجي وعلوم اجتماعية مثل علم الاجتماع وعلم النفس الرياضي.

لماذا أصيب المصريون بالإحباط بعد مباريات كأس العالم؟

لفهم هذه الظاهرة نعود لعملية الحشد الزائد الذي حدث للجماهير المصرية قبل كأس العالم. ومن مساوئ الحشد الزائد هو التفكير المندفع المتطرف المصحوب بالنظرة الحادة التي لا تعرف الوسطية، كما يتّسم بالتعصب وعدم إفساح الفرص للمعارضة أو حتى المناقشة. ويعتقد مارتن أنّ المشاعر المكبوتة المشتركة خلال الحشد هي جوهر سلوك الأفراد. والمباراة الرياضية كموضوع للحشد يتيح فرص الانطلاق غير المحدود لمشاعر النقد والتبرم التي طال كبتها. وذهب ألبورت مذهب فرويد في تفسيره لسيكولوجية الحشد في أنّ أهمّ سماتهم أنهم محبطون في دوافعهم الأساسية. فقد سدّت في وجوههم فرص التعبير الحرة عن رغباتهم ونوازعهم، وهذا ما نلاحظه في تعرّض الشعب المصري في هذه الفترة للكثير من الإخفاقات السياسية والاقتصادية مما جعله يبحث عن نصر سريع يعيد توازنه النفسي ويرفع من روحه المعنوية، ووجد ذلك في كرة القدم وخصوصًا مع وجود لاعب مثل محمد صلاح حقق نتائج مبهرة عالميًا. وبعد الهزيمة حدث نوع من الإحباط استدعى كل الإخفاقات الموجودة في العقل الجمعي المصري ولذلك توقف الشعب عن تحليل الأمور بعقلانية ومنطق وانطلق العقل الباطن في قيادة ردود الأفعال التي اتسمت بالغضب والسخرية من الذات.

إذن، المشكلة في مصر لا تتوقف على نوع الرياضة؛ فردية كانت أو جماعيىة. بل تتوقف على وجود دعم ودراسة من الأجهزة الحكومية ورعاية الرياضة والرياضيين والاستفادة من الشخصيات الرياضية الاستثنائية في دعم وتدريب الأجيال وخصوصًا أنّ الرياضة حاليًا تعتبر واجهة مشرّفة يحافظ عليها سكان العالم الأول والثاني.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أحمد محمد

تدقيق لغوي: ضحى حمد

اترك تعليقا