كيف تؤثر الألوان على عقلنا وجسمنا حسبما يقول العلم؟

يُقال أن الأحمر يجعل القلب ينبض بسرعة، هذا واحد من الادعاءات التي سوف تسمعها عن تأثير الألوان المختلفة على عقل وجسم الإنسان. ولكن هل هناك أيّة أدلة علمية وبيانات تدعم مثل هذه الادعاءات؟

لقد تم فهم الآلية الفسيولوجية التي ترتكز عليها رؤية البشر للألوان. لكن فقط منذ العقدين الأخيرين بدأنا بفهم مسار منفصل للتأثيرات غير البصرية للألوان. فمثل الأذن التي تعطينا شعورًا بالاتزان.. أيضًا بتنا نعرف أن العين تؤدي وظيفتين.

ترسل الخلايا الحساسة والتي تكون على شكل مخاريط في شبكية العين إشارات كهروكيميائية لمنطقة في الدماغ تعرف باسم القشرة البصرية حيث تشكّل الصور البصرية التي نراها فيها. ومع ذلك، فإننا نعلم الآن أن بعض الخلايا العقدية لشبكية العين تستجيب للضوء عن طريق إرسال إشارات بشكل رئيسي إلى منطقة مركزية في الدماغ تُدعى الوطاء “تحت المهاد” حيث لا تلعب هذه المنطقة أي دور في تشكيل الصور البصرية.

ضوء ولكن ليس رؤية

إن الوطاء “تحت المهاد” هو جزء أساسي في الدماغ وهو المسؤول عن إفراز عدد من الهرمونات التي تتحكم بالعديد من الجوانب المسؤولة عن تنظيم الجسم مثل درجة الحرارة، والنوم، والجوع، والنظم اليومية.
عند التعرض للضوء في الصباح فإننا نتعرض للعديد من الألوان وخاصة اللونين الأزرق والأخضر اللذَين يحفزان هرمون الكورتيزول الذي يحفزنا ويوقظنا، ويحولان دون إفراز هرمون الميلاتونين. أما في المساء ومع انخفاض درجة اللون الأزرق يتم إفراز هرمون الميلاتونين في مجرى الدم الذي بدوره يجعلنا نشعر بالنعاس.

إن الخلايا الشبكية بين العين والوطاء “تحت المهاد” والتي تشكل المسار البصري غير المشكل للصور حساسة جدًا للأطوال الموجية القصيرة في الطيف المرئي مثل الأزرق والأخضر. وهذا يعني وجود آلية واضحة يمكن من خلالها للون والضوء أن يؤثرا على المزاج، ومعدل ضربات القلب، واليقظة، والاندفاع وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

إعلان

فعلى سبيل المثال، يُعتقَد أن هذا المسار البصري غير المشكل للصور ذو علاقة بالاضطراب العاطفي الموسمي وهو اضطراب في المزاج يؤثر في الأشخاص خلال أشهر الشتاء المعتمة حيث يمكن معالجته عن طريق التعرض للضوء في الصباح. هناك بيانات منشورة تشير إلى أن التعرض لضوء قصير الموجات قبيل ساعات من النوم من الممكن له أن يزيد من اليقظة وبالتالي يؤثر على جودة النوم.

ينتشر ضعف جودة النوم في المجتمعات الحديثة بشكل متزايد ويرتبط بارتفاع مؤشرات صحية خطيرة مثل البدانة، والسكر، وأمراض القلب. وهناك قلق من استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية في وقت متأخر من الليل حيث من الممكن أن يؤثر على نوعية النوم لأنها تصدر كميات كبيرة من الضوء الأزرق والأخضر عند أطوال موجية تمنع من إفراز الميلاتونين وبالتالي نُحرم من الشعور بالنعاس. وهذا واحد من تأثيرات الضوءين الأزرق والأخضر. ولكن هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام بها لدعم الادعاءات المقدمة حول الألوان الأخرى.

في جامعة “ليدز” لدينا مختبر إضاءة صُمم خصيصًا لتقييم أثر الضوء على السلوك البشري وعلم النفس. نظام الإضاءة فريد من نوعه في المملكة المتحدة حيث أنه يمكن أن يغمر الغرفة بالضوء الملون عند أطوال موجية محددة (تستخدم الإضاءة الملونة الأخرى عادةً مزيجًا من اللون الأخضر والأزرق والأحمر).

file 20170921 17987 2fd7ve

وجد البحث الأخير الذي قامت به المجموعة تأثيرًا بسيطًا للضوء الملون على معدل ضربات القلب وضغط الدم: حيث بدا أن اللون الأحمر يرفع معدل ضربات القلب بينما يخفض الضوء الأزرق ذلك. بدا أن التأثير قليل ولكن تم تأكيده في عام 2015 من قبل مجموعة في أستراليا.

في عام 2009 تم تركيب أضواء زرقاء في نهاية الأرصفة على خط سكة حديد يامانوتي في طوكيو للحد من حالات الانتحار. وكنتيجة لنجاح هذه الأضواء انخفضت حالات الانتحار بنسبة 74% في المحطات التي تم فيها تركيب المصابيح الزرقاء. وتم أيضًا تركيب إضاءة مماثلة في منصات قطار غاتويك.

تم اتخاذ هذه الخطوات بناءً على الادعاء القائل بأن الضوء الأزرق يمكن أن يجعل الناس أقل اندفاعًا وأكثر هدوءًا. ولكن هناك القليل من الأدلة العلمية التي تدعم هذه الادعاءات حتى الآن وكمثال على ذلك هناك دراسة استمرت لثلاث سنوات سيصدرها نيكولاس سيكوون، وهو باحث دكتوراة في مجموعتنا، وجد دليلًا غير قاطع على تأثير الإضاءة الملونة على الاندفاع.
وهناك دراسات مماثلة أُجريت في مختبرنا لاكتشاف تأثير اللون على الإبداع وتعلم الطلاب في الصف الدراسي وجودة النوم من الواضح أن التأثير يتجاوز الرؤية العادية للألوان.

لقد أعطى اكتشاف المسار البصري غير المشكِّل للصور هذا زخمًا جديدًا للبحوث التي تكتشف كيف نستجيب للون من الناحيتين الفسيولوجية والنفسية. كما أدى تزايد توفر الإضاءة الملونة واستخدامها نتيجة للتطورات التقنية LED إلى الحاجة إلى إجراء أبحاث جادة في هذا المجال. ولكن أصبح من الصعب فصل الادعاءات عن تأثير الألوان المدعومة بالبيانات عن تلك الادعاءات التي تستند إلى الحدس أو العُرف.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: هديل سلامة

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

تدقيق علمي: لمياء العايدي

اترك تعليقا