أرجوك لا تطفئ الشمس.. توليد الطاقة في مصر

إنتاج الطاقة المتجددة في مصر

منذ حوالي أكثر من عقد من الزمان طُرِحت قضية خطورة استخدام الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة ، وآثاره السلبية الضخمة على البيئة والاقتصاد والصحة، وكذلك أهمية أن تتجه السياسات الحكومية نحو التوسُّع في استخدام الطاقة المتجددة، نتيجة للعلاقة الإيجابية في استخدامها، وزيادة النمو الاقتصادي ومؤشرات التنمية المُستدامة.

وبسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة، وجدنا الحكومة المصرية تتخذ قرارًا متسرعًا وفي غاية الخطورة، وهو بناء محطة الحمراوين للطاقة الكهربائية التي تعمل بالفحم وبالقرب من مدينة القصير، محافظة البحر الأحمر، وبالتعاون مع الشركات الصينية. وهو ما يمثل تراجعًا خطيرًا عن اتفاقيات المناخ الموقعة، والتي تنادي بأهمية الحد من نسب الانبعاثات الضارة لتلك المحطات وبسبب تأثيرها الكبير على التغيُّر المناخي.

أنا على يقين أن صانعي ومتخذي قرار بناء تلك المحطة الكهربائية الكارثية، يدركون تمامًا خطورة بناء محطة طاقة كهربائية تعمل بالفحم، لكن الغريب أنهم مستمرون وعاقدون العزم على إنهاء بناء تلك المحطة فى موعدها المحدد سلفًا، رغم التحذيرات من الآثار البيئية السلبية لها، وهو ما يطرح سؤالًا هامًا حول من هم المستفيدون من بناء محطة كهربائية تعمل بالفحم في منطقة البحر الأحمر؟

ويبدو أن الحكومة المصرية لا تبدي أي اهتمام نحو العمل على رفع مؤشرات التنمية المستدامة في مجال الطاقة لديها. ولا تدرك جوهر إنتاج طاقة متجددة ونظيفة من المنظور التنموي المستدام على مصر، وانعكاساته الإيجابية على المشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والتي سيكون لها مردود كبير فى  الحد من نسب الفقر الكبيرة في مصر، والتي تبلغ فى بعض محافظات الصعيد أكثر من 55%، وكذلك أهمية مشروعات الطاقة المتجددة في تعزيز الرخاء لجميع سكان المجتمعات الريفية والنائية المحرومة.

ولا أدرك سببًا مقنعًا لتجاهل الحكومة المصرية حقيقة أنّ مشروعات توليد الطاقة من المصادر المتجددة بالمقارنة مع الوقود الأحفوري ذات عائد اقتصادي ضخم، ولا تسبب أي عبء مادي على ميزانيات الدول النامية، وهو ما يعني انتفاء المخاطرة الاقتصادية في استعمالها.

إعلان

ومن وجهة نظري فإن إصرار الحكومة المصرية على بناء محطة كهربائية تعمل بالفحم في البحر الأحمر يرجع إلى غياب الوعي بالنتائج السياسية والاجتماعية والثقافية في حالة إنشاء تلك المشروعات القذرة والتي تخلت عنها معظم دول العالم، وهو ما يعطي صورة عن  غياب الشعور بالمسؤولية المشترَكة في رسم السياسات المحلية والسياسات الدولية في مجال إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة، وآليات وقف الانبعاثات الضارة من تلك المحطات بسبب تأثيرها الكبير على ظاهرة التغير المناخي الذي يعاني منه معظم دول العالم.

وبسبب غياب السياسات والوعي والهرولة نحو زيادة إنتاج الطاقة في مصر شاهَدْنا توقيع الحكومة المصرية في الشهور الماضية على اتفاقية مع الشركات الصينية من أجل بناء محطة الحمراوين للطاقة الكهربائية تعمل بالفحم. المثير في الأمر أن الإحصاءات العالمية تُظهِر انخفاض الاحتياطي العالمي من الفحم، و هو ما يمثل أيضًا سؤالًا للحكومة المصرية حول كيفية تأمين إمدادات الفحم لعمل تلك المحطة الكهربائية الكارثية، والجدير بالذكر أن الكاتب دبليو أس جيفونز فى عام 1865 تنبأ بنفاد مصادر الفحم من العالم فى كتابه الشهير “قضية الفحم”. ومن الأمور المثيرة للقلق في بناء تلك المحطة الكهربائية الكارثية هي غياب الشفافية الحكومية في نتائج الجدوى الاقتصادية والبيئية لها على المدى البعيد، خاصة إذا علمنا أن تكاليف إنشاء المحطة يقارب 90 مليار جنيه مصري.

وفي الواقع لا أدرك سببًا مقنعًا في عدم اتجاه الحكومة المصرية نحو توجيه واستثمار هذا المبلغ الضخم في إنشاء مشروعات للطاقة المتجددة، كبديل عن إنشاء محطة كهربائية تعمل بالفحم، ورسم سياسات للطاقة المتجددة تركّز على تشجيع إنشاء مشروعات للطاقة المتجددة في المناطق النائية والريفية المحرومة، وحسب الظروف المناخية والجغرافية التي تتلاءم معها المنطقة وتقديم كافة أوجه الدعم المادي والفني لها.

وهو بالتأكيد سيعمل على حماية الطاقة المتجددة من الهدر والموجود بكثرة في مصر، وكذلك حماية الوقود الأحفوري  الذي أكتُشِف مؤخرًا في كثير من المناطق الساحلية والصحراوية في مصر من الاستهلاك الجائر. وأيضًا حماية البيئة من التلوث، والحفاظ على الموارد المالية لمكافحة البيئة من التلوث. وهو ما سيقود في النهاية إلى تحقيق المجتمعات الخضراء في مصر.

ومن وجهة نظري أرى أن ما يعوق إيقاف مشروع بناء محطة كهربائية تعمل بالفحم ضارة على البيئة والصحة العامة في محافظة البحر الأحمر هو غياب الثقافة البيئية للغالبية العظمى من سكان مصر، وهو ما يفرض أهمية كبيرة نحو محاولة خلق مجتمعًا مصريًا مثقفًا بيئيًا خاصة في الجوانب التعليمية والمعرفية حول أهمية الطاقة المتجددة والنظيفة على الاقتصاد، والبيئة والصحة العامة، وبالتزامن مع ذلك علينا نشر الوعي البيئي لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال البيئة في مصر وهو ما سيخلق جماعات ضغط سياسي على الحكومة المصرية من أجل التخلي عن مشروع إنشاء محطة الحمراوين والتي ستعمل بالفحم بمحافظة البحر الأحمر، مع طرح بدائل لإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة من خلال تشجيع مشروعات ريادة الأعمال في إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، وأيضًا توجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية للقطاع الخاص نحو إنشاء تجمعات صغيرة من أجل إنتاج الطاقة المتجددة.

وللأسف لم ولن يتم كل ذلك إذا لم تكن هناك إرادة سياسية واعية للمضي في طريق إنتاج الطاقة المتجددة رغم تكلفتها العالية، وفي نفس الوقت وجود دعم و إرادة قوية لمجتمع مصري مثقف ومتحضر ينشد العيش في بيئة نظيفة وصحية، وحينها سنقف جميعًا في وجه من يريد استخدام الفحم في توليد الطاقة وقتل الحياة.

 

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

اترك تعليقا