ما تريد معرفته عن الثقوب السوداء وتصحيح بعض الأخطاء المنتشرة حولها

بعد نشر آينشتاين نظريته “النسبيّة العامة” ببضعة أشهر، قام Karl Schwarzschild في أوائل عام 1916م  بنشر ورقة بحثيّة تتضمن حلًا رياضيًا للنسبية العامة يوضح فيها أنّه إن كانت كتلة جسم ما كبيرة بما يكفي فإنّه سوف ينهار على نفسه، وجاء David Finkelstein عام 1958 ليوضح أنّه لا يمكن لشيء حتى الضوء أن يهرب من هذا الجسم، وفي عام 1964، سمى الصحفي John Wheeler هذا الجسم ب “الثقب الاسود“، وقد كانت خواص الثقوب السوداء غريبة مما جعل آينشتاين وأغلب مجتمع النسبيّة العامة يستهجنوا وجودها بشكلٍ ماديّ في الكون وظلَّت هذه النظرة مستمرة حتى عام 1964 حيث تم اكتشاف أول نجم نيوتروني، فاقتنع الباحثين بإمكانيّة وجود الثقوب السوداء.

– لماذا سمي الثقب الاسود بهذا الاسم؟

من خصائص الثقوب السوداء أن جاذبيتها كبيرة بحد يكفي لمنع الضوء من الهرب منها إلا في حالات نادرة جدًا ونتيجة لذلك لا نستطيع رؤيتها، وإنَّما نعرف وجودها عن طريق جاذبيتها، وذلك مثل الثقب الأسود العملاق الذي يقع في مركز مجرتنا ويدور كل ما في المجرة حوله.

وأيضًا لفظ مظلم أو أسود Dark في الفيزياء كثيرًا ما يشير إلى شيء نجهل الكثير عنه، مثل: المادة المظلمة والطاقة المظلمة Dark matter and Dark energy.

– كيف تنشأ الثقوب السوداء؟

لنعرف كيف تنشأ الثقوب السوداء يجب أن نعي أولًا القوى التي تؤثر على النجوم، وكيف تنتهي حياة النجوم.

إعلان

فالنجوم تؤثر عليها قوتين:

1- قوة جاذبية نحو مركز النجم نتيجة الكتلة، وهذه القوة تشد أطراف النجم نحو الداخل.

2- قوة طرد نتيجة الإنفجارات التي تحدث داخل النجم بسبب التفاعلات النووية الإندماجية التي تنتج طاقة النجوم الهائلة، وهذه القوة تدفع أطراف النجم إلى الخارج.

وعند وجود ما يكفي من الذرات لإتمام التفاعلات النووية، تكون قوة الجذب متساوية لقوة الطرد ويكون النجم في حالة اتزان، لكن مع الوقت وعبر مليارات السنين يبدأ وقود النجم من الذرات اللازمة للتفاعل الإندماجي بالنفاذ، فتصبح قوة الجذب نحو الداخل أقوى من قوة الطرد، فيتم جذب قلب النجم بفعل الجاذبية فينكمش وتزداد كثافته، وينفجر الغلاف الخارجي للنجم بعيدًا عنه في الفضاء، ويتحول قلب النجم المتبقي إلى قزم أبيض أو نجم نيتروني أو ثقب أسود وذلك اعتمادًا على كتلته ونصف قطره بعد الانكماش.

– هل يمكن أن يتحول كل شيء إلى ثقب أسود؟

نعم يمكن تحول أي شيء إلى ثقب أسود بشرط تحقيقه لشعاع شوارزشيلد Schwarzschild Radius، وسُمي بهذا الإسم نسبةً للعالم الألمانيّ الذي حل معادلات آينشتاين، وشعاع شوارزشيلد هو “المسافة التي يجب أن ينضغط فيها الجسم لتصبح جاذبيته قادرة على منع فوتونات الضوء من الهرب.”

وشعاع شوارزشيلد للشمس حوالي ثلاث كيلومترات وللأرض 0.88 سنتيمتر، أي أن الشمس والأرض يجب أن ينضغطوا في هاتين المسافتين ليتحولوا إلى ثقب أسود، وهو شيء لا يمكن حدوثه في الطبيعة.

ممّا يتكون الثقب الأسود؟

أولًا: نقطة التفرد Singularity وهي مركز الثقب الأسود حيث يحدث أقصى انحناء للزمكان.

ثانيًا: منطقة أفق الحدث Event Horizon وهي عبارة عن كرة خياليّة يساوي طولها طول شعاع شوارزشيلد. حيث أنّ الضوء داخل هذه المنطقة لا يستطيع الهروب، بينما الضوء خارجها يقدر على ذلك.

– لنأتي الآن للنقطة المهمة كيف تتحول النجوم لثقب أسود؟

يموت النجم بعد نفاذ وقوده فينكمش نحو الداخل بفعل قوة الجاذبية، وما يحدث بعد موته يعتمد على كتلته، لذا سنصنف النجوم إلى ثلاث حالات حسب الكتلة، وللتسهيل تكون المقارنة بكتلة الشمس.

أولًا- نجوم ذات كتلة أقل من خمس كتل شمسيّة:

ومصير هذه النجوم هو أنّها تتحول إلى قزم أبيض white dwarf.

ثانيًا- نجوم ذات كتلة أكبر من خمس وأقل من عشرين كتلة شمسية:

مصير هذه النجوم  في النهاية هو أن البروتونات والنيوترونات تتحلل وتنفك من الذرة بفعل الحرارة الشديدة، وتنجذب البروتونات موجبة الشحنة للإلكترونات سالبة الشحنة فينتج عنهما نيوترونات أيضًا، وينهي النجم حياته في استعراض عظيم عبارة عن انفجار supernova، وينتج كمية هائلة من الضوء والطاقة ولا يستطيع شيء آخر أن ينتج كم مماثل من الطاقة.
وهذا الانفجار لا يدمر النجم بالكامل بل يُبقي قلب النجم، وهو عبارة عن كرة من النيوترونات شديدة الكثافة تسمى بالنجم النيتروني، ويبلغ قطرها من 10 ل 20  كيلو متر وتصل كتلتها إلى ضعف كتلة الشمس.

ثالثاً- نجوم ذات كتلة أكبر من عشرين كتلة شمسية:

وتلك هي نجومنا المنشودة، حيث إنّها تنهي حياتها بولادة أعظم الأجسام في الكون وهي الثقوب السوداء، وتَمُر هذه النجوم بنفس مراحل النجوم في المرحلة السابقة، إلا أن النجم النيترونيّ الناتج من supernova يكون ذا كتلة أكبر من ثلاث كتل شمسية، لذا لا يستطيع أن يظلّ في حالة استقرار فينهار على نفسه ويصبح ذا حجم أقل من شعاع شوارزشيلد Schwarzschild Radius ويتحول إلى ثقب أسود، ولا يستطيع الضوء الذي يدخل منطقة أفق الحدث الخاصة به من الهرب.

– هل يمكننا رؤية الثقوب السوداء؟

لا يمكننا رؤيتها بشكل مباشر، ولكنّنا نستطيع معرفة وجودها بطريقتين:

  • الأولى: انبعاث أشعة سينية عند ابتلاعه لكتلة كبيرة

نتيجة جاذبية الثقب الأسود الشديدة، يقوم بابتلاع أي جسم يقترب منه فتزداد كتلته، لكن إذا كانت الكتلة التي يبتلعها كبيرة بما يكفي فيتكون حوله ما يسمى بقرص التضخم، ويحدث ارتفاع كبير في درجة الحرارة وتنبعث موجات سينيّة يمكننا رصدها.

  • الثانية:  تأثير جاذبيتها على الأجرام المحيطة

 تؤثر جاذبية الثقب الأسود الشديدة في الأجرام المحيطة وتجعلها تدور حولها في الأفلاك، فيوجد في وسط معظم المجرات ثقبًا أسودًا عملاقًا تدور نجوم المجرة حوله، وعلى سبيل المثال يقع في مركز مجرتنا درب التبانة ثقبًا أسودًا عملاقًا Super-massive black hole تبلغ كتلته حوالي 4 مليون كتلة شمسيّة ولا يتعدى حجمه 1500 كيلومتر، وتدور جميع نجوم المجرة حول هذا الثقب الأسود.

– كيف حصلنا على الصور المنتشرة للثقوب السوداء رغم أنها لا تسمح للضوء بالهرب؟

بالطبع بعض هذه الصور مزيف ولكن هذا لا يمنع أن البعض منها حقيقيّ، وكما لم يتم الحصول على هذه الصور بتصويرها مباشرةً، بل تم ذلك بإدخال البيانات التي بحوزتنا عن الثقوب السوداء في  كمبيوتر عملاق حيث يتم معالجتها وإعطاء شكل تقريبي لها، ومن أمثلة الصور التي لدينا للثقوب السوداء، هذه التي صورها لنا فيلم كريستوفر نولان الشهير Interstellar.

– لما لا يستمر الثقب الأسود في الزيادة في الكتلة بابتلاع ما حوله من أجسام إلى أن يبتلع  كل ما في الكون؟

المسافات بين النجوم في الكون شاسعة جدًا, فأقرب النجوم للشمس هو Proxima Centauri ويبعد عنها مسافة 4.22 سنة ضوئية، وهذه مسافة هائلة فالضوء الخارج منه يستغرق 4.22 سنة للوصول إلى الشمس، والشمس رغم بعدها عنا إلا أن ضوءها يستغرق 8 دقائق للوصول إلينا وهو ما يعادل 0.000016 سنة فقط.
وجاذبية الثقب الأسود لا يمكن أن تسحب نجم وتبتلعه من هذه المسافة، لذا فالثقوب السوداء ليست كما نتخيل كالمكنسة تبتلع كل ما يحيط بها من نجوم طوال اليوم، وإنما تبتلع فقط ما يقترب منها بحد معين وهي أعداد قليلة جدًا من النجوم.

بعض المعلومات الممتعة عن الثقوب السوداء:

  • إذا حدث وسقطت في ثقب أسود، هناك نظرية تقترح أن الجاذبية ستجعل منك كالمعكرونة الإسباجيتي، وذلك لأن الفرق في الجاذبيّة بين رأسك وقدميك سيكون كبير جدًا فسيتم جذب رأسك بمقدار أكبر بكثير من قدميك، لذا ستموت قبل أن تصل لنقطة تفرد الثقب Singularity، ولكن لا تقلق فموتك بهذه الطريقة الفيزيائيّة الرائعة يستحق أن يتغنى به الشعراء وقد يخلدوا ذِكراك لآلاف السنين.

لكن هناك دراسة منشورة في “Nature” عام 2012 تفيد بأنّ التأثير الكميّ سيجعل من منطقة أفق الحدث Event Horizon كجدار ناري يحرق أي شيء يقترب منه.

  • إذا اقترب نجم ما من ثقب أسود سوف يتحول إلى أجزاء.

- المصادر:

1-  What Is a Black Hole?-Nasa
2-  What is a black hole – mathematically
3-   Black Holes-Nasa
4- Black Hole's -hubblesite 
5- http://amazingspace.org/resources/explorations/blackholes/lesson/whatisit/history.html
6- How much mass make black hole 
7-Schwarzschild Radius

 

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمود غنيم

تدقيق لغوي: بتول سعادة

تدقيق علمي: محمد حسنين

اترك تعليقا