ما لن تعرفه عن الرياضيات (ج2)

في المحطة السابقة تعرّفنا على التقريب كوسيلة لجعل القواعد البسيطة ممكنة بشكل أسهل عندما تتعقّد الأمور.

لكنّ أحد أساتذتي الجامعيين، د/ سمير شمس الدين، والذي كان يركب معنا المقطورة بالصّدفة لاحظ أننا أخطأنا في تعريف شيء ما إذ ما لقبناه بمتسلسلة اتضح أنه متتابعة، ولكي تفهم الفرق بين المتسلسلة والمتتابعة فبإمكاننا تعريف المتتابعة على أنها مجموعة من الأعداد تتبع نمطًا معينًا ترتيب كلّ عدد يسمى رقم الحدّ”. أما المتسلسلة فهي ببساطة مجموع حدود المتتابعة.

لذلك نتوجه له بالشكر على مرافقتنا في هذه الرحلة الرياضية السعيدة وإفادتنا بخبراته في عالم الرياضيات

الآن وبينما يسير القطار ونقترب من المحطة الثانية، ترى كيف تتخيّلها؟

سأعطيك لمحة أو اثنتين.. لو أعطيتك عددًا مثل: 25264258879255455، وعددًا آخر وهو: 25264258879255005 وسألتك هل العددين متساويين؟ كيف ستكون إجابتك؟!

إعلان

حسنًا، لنرَ.  إنّ البعض سيهرعون إلى الحاسب ويقومون بطرح العددين فإن حصلوا على الناتج “صفر” كان العددان متساويان، وإلا فالعددان غير متساويين.

وهؤلاء هم الأشخاص المندفعين في هذه المقطورة، فالبعض الآخر أقلّ اندفاعًا وأكثر رزانة؛ سيتريّث قليلًا وينظر مليًّا إلى العددين ويلاحظ أنهما يتشابهان فيما عدا خانتَي كلّ من العشرات والمئات.. وبالتالي بعملية طرح عقلية بسيطة بإمكانك استنتاج أنّ الفرق بين العددين هو الرقم 450. لكن حتى هؤلاء برغم رزانتهم سيظلّون متّفقين مع الفئة الأولى في كون الرقمين غير متساويين.

ولو كنا سعداء الحظ قليلًا، فيجلس بيننا شخص دارس للرياضيات، لوجدته يتابع الحديث بابتسامة طفيفة، بحكمة الرجل الكبير العالم ببواطن الأمور كجدّ يستمتع برؤية حفيده يحاول ويخطئ في أمر ما.

إذًا لقد اتفقنا على أنّ العددين غير متساويين، أليس كذلك؟

دعني أزفّ إليك الآن البشرى، فالعددين متساويين؛ أو بتعبير أدقّ بإمكاننا اعتبارهما متساويين. لكن كيف يمكننا تحديد شيء كهذا؟

حسنًا، لو طرحنا العدد الأول من العدد الثاني فسينتج لدينا 450، ولو قمنا بقسمة 450 على العدد الثاني -وهو الأصغر- فسنحصل على عدد صغير جدًا جدًا يقترب من الصفر؛ حوالي 0.0000000000000178

وهذا يعنى أنّ نسبة الخطأ 0.00000000000178، وهي نسبة صغيرة جدًا وبإمكاننا أن نقبل بها، فلو كنّا في صدد حلّ مسألة رياضية وحصلت أنت على الناتج الأول وحصلت أنا على الناتج الثاني سيعتبر كلانا صحيحًا لأنّ نسبة الخطأ نفسها ضعيفة، وأحيانًا في بعض التطبيقات التي لا تحتاج إلى دقة عالية جدًا بإمكاننا الاكتفاء ببضع خانات من اليسار دون أخذ العدد كاملًا.

هل عرفت ما هي المحطة الثانية؟

تمامًا! المحطة الثانية التي مررنا بها للتو هي: الخطأ غير مطلق بل نسبيّ

والاستفاضة في هذه المحطة قد تكون مفيدة، لكن يكفيك أن تعرف منها أنّ الخطأ غالبًا ما يؤخذ نسبة إلى شيء ما وأنّ هناك نسبًا معينة تعتمد على دقة التطبيق المستخدم مقبول بها، وإن كنت تظنّ أنّ تلك الأمور تنطبق على النسب الصغيرة فقط فبعض التطبيقات تقبل الخطأ حتى بنسبة قد تصل إلى 40 في المئة.

يكفي هذا.. دعنا ننتقل للمحطة التالية. وبينما نمرّ من هنا، أعطني كأسًا من الماء وكوبًا من القهوة من فضلك، فأمامنا حديث شيّق للغاية.

المحطة الثالثة: نظرية الأعداد الأولية

أظنّ أنه لا بأس ببعض الموسيقى التصويرية هنا من فضلك.

جميل..

والآن لكي نفهم ما هي نظرية الأعداد الأولية أظن أنه علينا أن نعرف أولا ما هي الأعداد الأولية؟

العدد الأولي :هو عدد صحيح موجب لا يقبل القسمة إلا على نفسه والواحد

مثلا ال 5 هي رقم أولى لأنها لا تقبل القسمة إلا على ال 5 وال 1

أما الواحد نفسه فهو رقم غير أولى وهو أمر غير جوهري جدا بالنسبة للأعداد فهو اصطلاح ليس أكثر _ أقصد كون الواحد عدد غير أولى_ بإمكانك أن تعتبره ظلما لكن صدقني الحياة ليست عادلة تماما حتى بالنسبة للأعداد

فهمنا ما هو العدد الأوليّ، ينقصنا فهم مفهوم بسيط آخر أو اثنين لنتمكّن من فهم نظرية الأعداد الأولية، ألا وهو اللوغاريتم. واثقة أنك سمعت هذا المصطلح في مكان ما هنا أو هناك. وإن كنت غير متأكّد فأعتقد أنّك رأيت هذا الرمز من قبل l،og وهو ما يرمز إلى لوغاريتم.

لكن ما هو اللوغاريتم؟

بإمكاننا تعريف اللوغاريتم تقريبيًا على أنّه عدد الخانات التي يحتويها الرقم مثلًا log 1000 =3

لأنّ الألف نفسها تساوي عشرة مرفوعة للأس ثلاثة. ما يعني أنّ log لها أساس، وهو العشرة، وبإمكاننا كتابتها هكذا log10 1000. ولو لاحظت معي فهناك رقم صغير جدًا بقرب الlog نسميه أساس اللوغاريتم، وعندما يُكتب اللوغاريتم بدون أساس فهذا يعني أنّ أساسه هو العشرة. لكنّه لا يكون دائمًا عشرة، فبإمكانه أن يكون أيّ رقم كما سنرى لاحقًا.

رائع!

قطعنا شوطا طويلًا، الآن تبقّي لدينا مصطلح صغير لفهمه: اللوغاريتم الطبيعي..

عندما يقول متخصّص بالرياضيات “لوغاريتم طبيعي” فهو يقصد لوغاريتم أساسه هو العدد e، وال e هو عدد ثابت غير منتهٍ مشابه ل “الباي” التي اعتدنا عليها، ولكنّ قيمته تساوي تقريبًا 2.7. واللوغاريتم الطبيعي لأيّ رقم هو تقريبًا عدد الأرقام المكونة للرقم نفسه مضروبًا في 2.3. ويُكتب هكذا: logex أو هكذا lnX.

رائع! الآن لدينا ثلاثة مفاهيم مهمة هي:

*العدد الأولي

*اللوغاريتم

*اللوغاريتم الطبيعي

ينقصنا معرفة “ما هي نظرية الأعداد الأولية“. صحيح.. صحيح! لكن أتعلم ما ينقصنا حقًا؟ ينقصنا شيء هام جدًا؛ كلّ نظرية تأتي لتحلّ مشكلة ما. فما المشكلة التي واجهت علماء الرياضيات كي يحتاجوا إلى نظرية ما تعالج تلك المشكلة؟

الآن، من تعريف الأعداد الأولية بإمكاننا أن نتوقع أنها ستكون كثيفة أكثر في الأرقام الصغيرة، لأنّ فرصة الأرقام الصغيرة في ألا يتواجد رقم تقبل القسمة عليه سوى نفسها والواحد كبيرة، لو كنت تفهم ما أعنيه.

وكلما زاد الرقم زادت الفرصة في أن نجد رقمًا يمكننا أن نقسمه عليه غير نفسه والواحد، بالتالي لا يكون رقمًا أوليًا.

رائع؟ نعم.. لكنه غير مرضٍ. أعني بإمكاني أنا وأنت أن نتكهّن صحّته لكننا لا نستطيع إثباته، وعلماء الرياضيات لا يقبلون بالشيء إن لم يكن مثبتًا.

من هنا ظهرت واحدة من أعظم إنجازات الرياضيات: نظرية الأعداد الأولية؛ والتي تقول ببساطة أنّ كثافة الأعداد الأولية قرب العدد n هي حوالى:

1/loge

أي أنّها تساوي “واحد مقسوم على اللوغاريتم الطبيعي للعدد n”

أما السؤال عن كيف أتت النظرية فدعنا نعود لفرض العصا السحرية الرائعة التي تحلّ كلّ شيء. بالفعل هذه النظرية تثبت ما سبق واستنتجناه بالتفكير؛ أنّ كثافة الأعداد الأولية تقلّ قرب الأعداد الكبيرة، لكنها تثبته بشكل رياضيّ شيء يمكننا الاعتماد عليه.

والآن سأتركك تفكّر في الأمر قليلًا وأتناول قهوتي، وإلى محطة أخرى..

 

المصادر: الرياضيات، مقدمة قصيرة جدًا، الفصل السابع.

إعلان

اترك تعليقا