على هامش ملتقى الرواية العربية الأوّل بتونس

جرت ما بين الثالث و الخامس من شهر مايو الجاري فعاليّات ملتقى الرواية العربية الأول، وذلك في رحاب مدينة الثّقافة التي دُشّنت حديثا بالعاصمة التّونسيّة ممثَّلةً في بيت الرّواية. عنوان الدّورة الأولى تبلور حول قدرة الرّواية على التّغيير لا سيّما في وضع بلاد العرب اليوم وهم بصدد مواجهة عدد من الأزمات والتّحوّلات السّياسيّة والإجتماعيّة الهامّة. و قد استضافت الهيئة التّنظيميّة، و على رأسها الرّوائي و النّاقد كمال الرّياحي، مجموعة من أجود و أرقى الرّوائيّين العرب، نذكر من بينهم الرّوائي الكبير إبراهيم الكوني ضيفا شرفيّا، و قد ألقى كلمة معبّرة في الافتتاح كما التقى قرّاءه و المهتمّين بكتاباته ليحدّثهم صبيحة اليوم الثّاني من الملتقى عن تجربته الرّوائيّة؛ روافدها و سماتها التّفاعليّة الكبرى مع ذاته و مع العالم الذي أُنجبت فيه.

و في إطار الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها ثيمة ملتقى الرواية العربية ، عرّج المشاركون في الجلسات وبالذّات الكاتب اللّبناني “رشيد الضعيف” على تواصل غياب معطيات بحثيّة علميّة فيما يخصّ عدد القرّاء الفعلي اليوم و تفاصيل تعاطي القارئ و تفاعله مع الكتاب على السّاحة العربيّة. كما أكّد كاتبنا على أنّ الرّواية لا تحتاج لأكذوبة أعلى مستويات المبيعات لتكون ذات تأثير في المجتمع. ذلك أنّ الكثير من الرّوايات كان لها دور حاسم في تشكيل وعي الشّعوب فقط عبر مرورها بعقول قرّاء من النّخبة استطاعوا التّكفّل بتعدية أثرها لجماهير أعرض. وهو ما ذهب إليه أيضا الرّوائي محمد علي اليوسفي، الذي ترجم العديد من الكتب من بينها كتب غابريال غارسيا ماركيز وسيرة نيكوس كازانتزاكيس، عندما شدّد على أنّ التغيير الأهمّ هو تغيير الفرد؛ قارئ واحد قد يكفي و منه تنطلق سلسلة التّغييرات المتعاقبة فلا تتوقّف.

ثمّ كاستقراء للوضع العامّ للرّواية، تطرّق الحضور لتراجع دور هذه الأخيرة الحاسم و بالذات مع ارتفاع قيمة و مدى أسهم وسائل التّواصل الاجتماعي اليوم و قد باتت هذه الوسائل تحتضن الفنون المختلفة في مراحلها التّجريبيّة و المبتدئة لتضعها على قدم من المساواة من حيث العرض مع التّجارب النّاضجة المكتملة.

مع ذلك يبقى القلق و الإزعاج الذي تحدثه الرّواية أكبر المؤشّرات في البلاد العربيّة على أنّ لها وقعا لا يمكن إنكاره. وهو ما أتى على تفصيله الرّوائي الجزائري “أمين الزاوي” معدّدا الأسماء المقترنة بتجارب في هذا الصّدد ما بين “كاتب ياسين”، “طاهر جاوود”، “حيدر حيدر” ، “الحبيب السّايح”، مشيرا في الأثناء لظاهرة هجرة الكتّاب و غيرهم من الفنّانين لأوروبا بحثا عن مناخ حرّيّة حقيقيّ يحتفي بالتّعبير المبدع.

أمّا الرّوائي التّونسي الحبيب السالمي فقد توقّف، في مداخلته، عند عدد من المؤشّرات الإيجابيّة في المجال الرّوائي العربي من قبيل اتّساع رقعة حضور وإنتاج الرّواية متجاوزة بذلك مركزيّة الشّام ومصر، إضافة لتكوّن قاعدة من القرّاء الرّاغبين حقّا و المقبلين طوعا على الكتاب، لا مُرغمين تحت مسمّى الفروض الدّراسيّة. و لقد نوّه أيضا بالتّحوّل العميق الذي مكّن العربيّ المعاصرمن تجاوز سطوة الذّات الجماعيّة ليصير أكثر وعيا بفرديّته التي هي معقل الرّواية في الحقيقة.

إعلان

إبراهيم عبد المجيد، ابن مصر، تطرّق، في تصوّر تكميلي، لدور الواقع أو السّياسة في تحريك الرّواية وهو ما قدّم لرواياته الشّخصيّة فرصة انتشار أوسع بالموازاة مع الثّورة في مصر على سبيل المثال؛ حيث صار الجميع تقريبا يردّد “في كلّ أسبوع يوم جمعة” و “لا أحد ينام في الاسكندريّة” باعتبار رمزيّة العناوين و تعبيرها لا فقط عن محتوى الرّوايات كوظيفة أولى و إنّما أيضا لاضطلاعها بوظيفة ثانية جعلتها تحمل شعارا مؤثّرا ساعتها.

و لم تغب مشاكل النّشر القديمة-الجديدة عن طاولة النّقاش إذ تكفّلت الكاتبة التّونسيّة مسعودة أبو بكر بالتّذكير بما يعانيه الكتاب اليوم في تونس مثلا من غياب برمجة جدّيّة أكثر للقراءات في المناهج التّعليميّة مع تراجع أو غياب حركة إعلاميّة مساندة لما يُنشر و قادرة على التّرويج لمن يستحقّ، سواء عبر التّناول السّينمائي أو التّلفزي و قد برهنا في السّابق عن فعاليّتهما في لفت انتباه فئات مختلفة من المجتمع و دفعها للحصول على الكتب الأصليّة و قراءتها. دون نسيان حقيقة أنّ الكتب اليوم إذا ما نُشرت هي لا تصل سوى للمدن الكبرى؛ فارضة على طالبيها التّنقّل  و الاجتهاد للحصول عليها، هذا إن لم تُثنهم المسافة و تقعدهم أصلا عن طلبها.

ملتقى الرواية العربية في مستهلّه يعتبر بادرة طيّبة جامعة، في المحصّلة. استطاعت أن تخلق إطارا إيجابيّا للنّقاش و التّباحث في خانة تبادليّة و تفاعليّة. و فتحت الباب أمام آمال عريضة ينتظرها معتنقو و متابعو هذا الجنس الأدبيّ راجين أن تفعّلها و تصادق عليها الدّورات القادمة.

إعلان

اترك تعليقا