هاجس النسويّة المخيف عند العرب!

هل للنسوية وجود خطير ومهدد للثقافة العربية؟ ما سبب توجسنا من فكرة النسوية كعرب وبثقافة عربية صارمة لا تقبل الجديد؟

هل تساءلنا يومًا لماذا تتم مهاجمة المدافعين عن حقوقِ المرأة ابتداءً من مواقع التواصل الاجتماعي ولماذا يكون عدد المعارضين على منشور يطلب بحق أساسي للمرأة أكثر من عدد المشجعين بحصولها على هذا الحق؟.

يخاف المجتمع العربي من الدفاع الذي يسمِّيه البعض زائدًا عن الحاجة في المطالبة بالمساواة الجنسية أو ببعض الحقوق المسلوبة من المرأة حاليًا في مجتمعاتنا، سواء في حصولها على أجورِ عملٍ مساوية، أو في حقِّها في دراسة التخصُّصات الذكورية كما يسميها البعض أو “الخاصة بالرجال” وبعض المهن أيضًا كذلك، ويصل الهجوم في الاعتراض أحيانًا باعتبار هذه الجهات النسوية منافية للثقافة والدين وخارجة عن العادات والتقاليد.. حسنًا، ولما لا؟

هل نحن في مجتمعات وصلت فيها المرأة لكافة حقوقها ولا نحتاج النسوية لإيصالها لتلك المرحلة المتساوية فيها مع الرجل؟

وهل التغيير في عاداتنا وتقاليدنا هو تجاوز للدين؟ إذًا ما الذي يمنع بتغيير الثقافة المتضمنة العادات والتقاليد والقيم؟

هل وجودنا بمجتمع عربي يتعارض أو يتناقض مع وصول المرأة لهذه المرحلة المتساوية؟ أم أنَّ الديانة الاسلامية التي تغلب على المجتمعات العربية تتعارض أيضًا مع مبادئ النسوية بشكل عام؟

إعلان

هل وجود جهات تدافع عن حقوق فئات معينة تُعتبر خطرًا على المجتمع؟.

 

الجواب لتلك الأسئلة يكمن في شكل المجتمع العربي بشكل عام و البناء الاجتماعي الذي يغلب على المجتمع العربي.

إنَّ المجتمع العربي يُصنَّف ضمن المجتمعات الذكورية والبطريركية الواضحة والصريحة في ذلك، ومثل تلك النقلات النوعية النسوية قد تكون خطيرة على التركيب الصارم الذي اعتاد بطبعه أن تغلب عليه الذكورية، فمن الطبيعي جدًا اعتبار أي حركة تطالب بالتغيير خارجة عن النمط السائد ومعادية للعادات والتقاليد العربية السائدة مع أنّ مطالب النسوية قد لا تتعارض بشكلٍ أساسي مع الديانة الإسلامية السائدة في المجتمع العربي، لكنَّها تتعارض بشكلٍ مباشر مع الثقافة العربية الذكورية السائدة، ولذلك يكون التدخُّل في الثقافة أمرًا صعبًا جدًا ويتطلَّب سنوات طويلة لنستطيع إدخال معايير جديدة على الثقافة قد تكون مرنة أكثر من الآن وهذه المرحلة مر بها المجتمع العربي بتفاوتات متباينة بين الدول.

وبشكل عام، فلقد بدأ الجيل الجديد يجعل الثقافة القديمة الصارمة مرنة أكثر وقابلة لإدخالِ قيمٍ جديدة تُغيِّر من مكانة المرأة في هذه المجتمعات، وتوسّٓع دائرة الخيارات أمامها، لكن هذا أيضًا لا يمنع المعارضة الكبيرة وذلك الرفض والتحجِّر الذي لا يزال موجودًا وقائمًا.

تحدِّد التنشئة الاجتماعية تمدُد الثقافة أو انحسارها وضعفها أو مرونتها واستيعابها لمفاهيم جديدة، وتعدّ التنشئة الأسرية أول خطوة تغيير مباشرة وفعَّالة في الثقافة لأنَّ الأسرة الوحدة الأولية التي يكتسب فيها الفرد ثقافة مجتمعه وقيمه ومعاييره والبناء الاجتماعي بأكمله.

فمن أين يبدأ التغيير؟ من تربيتك لأبنائك ومن تعليمهم قبولَ أفكار جديدة مَرِنة وقبول الآخر المختلف، فإنَّ الفكرة عندما تُزرع منذ الصغر تنمو وتكبر ويَصعُب تغييرها وتصبح يقينًا ثابتًا. عندما تُنشئون الفتيات على ثقافة الخوف واحترام الأخ بشكل مبالغ فيه وخدمته واستحقاقه لحقوق لا تصلح للأخت؛ ستنمو معها فكرة الخوف وفكرة حقوقها الزائدة وقبولها بالمنزلة الدنيا واقتناعها بتأصُّل ذلك في ثقافتها المقدسَّة، والتي إن جربت تجاوزها تُنبذ وتُهان وتُستَبعد، وإنَّ الفتاة التي اعتادت أن تكون مركزًا للقوة والاحترام في عائلتها يستحيل أن تقبل بمنزلة أدنى من ذلك خارج أسرتها فإنَّها ستقاوم وتقاتل من أجل حقوقها المسلوبة.

فيجب على الآباء الحرض على سلامة وعدالة هذه الأفكار في أبنائهك، وباختصار، فهم المنبع لثقافة المجتمع فلولا وجودهم ليس هنالك ثقافة أصلًا، والأهم من ذلك جعل الثقافة عادلة لأبنائها ومحتضنة لهم بلا استثناء، والبدء بتقبُّل هذه المرحلة التحوُّلية الثقافية التي نمر بها دون مقاومة وتحجُّر، فلا توجد ثقافة لم تتطوَّر وتستقبل مفاهيم جديدة، وبلا شك، فمعظم الثقافات المتحجِّرة في طريقها للانهيار.

ومن الضروري البدء بتقبُّل وجود المرأة ككيانٍ متساوٍ مع الرجل، فليس هناك أسباب تمنعها من ذلك إلَّا ما تبقى من ثقافة تأبى أن تواكب ما يستجد من إحقاق للحقوق المسلوبة، وإعلاء للفئات متدنية المنزلة فيها لمجتمعٍ عادل وفئات متساوية.

إعلان

اترك تعليقا